الثروة الجبلية.. مصدر للمياه وموطن للحيوانات وإسفنجة لامتصاص الكربون


سلمى عرفة
الاحد 08 أكتوبر 2023 | 08:48 مساءً

لا تقتصر قيمة الجبال على منظرها الجمالي بارتفاعها الشاهق وتضاريسها الوعرة، بل تلعب الجبال دوراً مهماً في تخفيف أضرار التغيرات المناخية.

وتغطي الجبال 25٪ من مساحة الأرض، ويعيش فيها أعداد كبيرة من الكائنات التي تناسبها الظروف البيئية الجبلية، غير أنها تواجه العديد من المخاطر التي يواجهها الكوكب.

ووفق دراسة نشرتها دورية Science، فإن البيئات الجبلية تضم 85٪ من الطيور والثدييات والبرمائيات على الأرض، ويعجز أعداد كبيرة منها عن العيش في بيئات أخرى.

وتلعب الجبال دوراً في حركة الرياح وتشكيل السحب، وتساهم في توفير المياه للمليارات من سكان الأرض؛ إذ ينتقل من خلالها 60 إلى 80٪ من المياه العذبة في العالم، بحسب منظمة المنتدى الاقتصادي العالمي.

وتنمو العديد من المحاصيل في أراضٍ جبلية، مثل البن والكاكاو والتوابل بأنواعها، في الوقت الذي تكتسي فيه بعض جبال الوطن العربي بأشجار الزيتون والعنب والتفاح والطماطم وغيرها.

ويقول أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي لـ"جرين بالعربي"، إن الجبال تشارك في النظام المطري مع الرياح والسحب القادمة من تبخر مياه المحيطات، وتحدد مناخ المنطقة التي تقع بها، مثل هطول الأمطار في منطقة سانت كاترين بمصر بسبب الجبال.

وعن ظاهرة الاحتباس الحراري، تحدَّث شراقي عن ظهور آثار ارتفاع درجة حرارة الأرض على عدد من المناطق الجبلية، مثل جبل كليمنجارو على الحدود التنزانية الكينية، الذي شهد تراجع كميات الثلوج الموجودة أعلى قمته نتيجة الذوبان.

ويضيف: "كما تتأثر عوامل التعرية بالتغيرات التي قد تطرأ على مستوى سطح البحر ومنسوب مياه الأمطار، لكن التأثير على البيئات الجبلية لا يزال بطيئاً للغاية".

ويرى شراقي أيضاً أنه لا بد من قياس متوسط الظواهر الجوية على مدى سنوات طويلة لا تقل عن 30 عاماً؛ للتأكد من أنها تندرج ضمن التغيرات المناخية، وليست ظواهر عادية.

الغابات الجبلية

ويقع قرابة ثلث غابات العالم في مناطق جبلية، وتساهم بدورها في منع التآكل والانهيارات الصخرية وتنظيم درجات الحرارة، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي؛ ما يساهم في تخفيف أزمة المناخ، وفقاً لـWorld Economic Forum.

وتبلغ كميات ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها الغابات سنوياً ما يصل إلى 2.4 مليار طن متري، لكن الأدلة العلمية أثبتت تفاوت قدرات الغابات على الامتصاص وفقاً للبيئة الموجودة بها.

الجبال تلعب دوراً في حركة الرياح وتشكيل السحب وتساهم في توفير المياه لمليارات البشر؛ إذ ينتقل من خلالها 60 إلى 80٪ من المياه العذبة في العالم

وكشفت دراسة أجراها باحثو جامعة أريزونا الأمريكية، أن الغابات الجبلية تساهم بدرجات أكبر في امتصاص الكربون مقارنة بنظيرتها السهلية، بحسب الموقع الرسمي للجامعة.

ووفق الدراسة ذاتها، فإن الجبال تزيد من قدرة الأشجار المحيطة على أداء وظيفتها، بدايةً من امتصاص الرطوبة من الغلاف الجوي، وتكثيفها على ارتفاع عالٍ، وتكوين الثلوج والمساهمة في تساقط الأمطار التي تصل في النهاية إلى الأشجار الموجودة في الأسفل؛ ما يزيد قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون؛ بسبب تركز الرطوبة في التربة.

الجبال وتغيرات المناخ

وترتفع درجة حرارة الجبال حول العالم بمقدار ضعف المعدل الذي تشهده البيئات الأخرى، وتزيد التغيرات المناخية من خطر حدوث الانهيارات الصخرية وفيضان الأنهار، علاوة على تهديد مصادر المياه لملايين البشر؛ بسبب اختفاء الأنهار الجليدية، وفق دراسة جامعة ويتواترسراند بجنوب أفريقيا، نشرتها دورية Journal Peerl.

وفي أوقات الجفاف الذي يتفاقم بسبب الاحتباس الحراري، قد يتغير سلوك الغابات الجبلية ليزداد استهلاكها من المياه؛ ما يؤثر على الكميات التي تصل إلى مجاري الأنهار، ويشكل تهديداً على المدن والبيئات الأخرى.

ورصدت إحدى الدراسات التي أجرتها جامعة ولاية نورث كارولينا على سلسلة الجبال الزرقاء بالولايات المتحدة، زيادة نسب استهلاك المياه خلال بعض أوقات الجفاف؛ ما يزيد صعوبة تكيف النباتات الموجودة على ارتفاعات أقل، وتأثر درجة نموها؛ وذلك بعد تحليل بيانات الفترة بين عامي 1984–2020.

في العالم العربي، يتنوع توزيع الجبال بين عدة سلاسل؛ أبرزها جبال البحر الأحمر والشام وأطلس بمنطقة المغرب العربي.

وتختلف أهمية الجبال من دولة إلى أخرى حسب درجة اعتماد السكان عليها، لكن آثار الظواهر المناخية بدأت تتضح خلال السنوات الأخيرة، ويأتي أبرزها تراجع معدلات تساقط الأمطار.

وفي المقابل يشير شراقي إلى خطورة زيارة هطول الأمطار على الجبال؛ لأن التربة في المناطق المرتفعة معرضة لدرجات أكبر من الانجراف؛ بسبب تساقط الأمطار على تضاريسها المنحدرة، فتحدث السيول.

 قد يتغير سلوك الغابات الجبلية ليزداد استهلاكها من المياه؛ ما يؤثر على الكميات التي تصل إلى مجاري الأنهار ويشكل تهديداً على المدن والبيئات الأخرى

ليست مؤقتة

أما عن الأنشطة البشرية، فاعتبر عباس شراقي أنه لا بد من حماية الغطاء النباتي الطبيعي من خلال مواجهة إزالة الغابات، والتصدي لقطع الأشجار؛ إذ لا بد من إحداث توازن بين زرع أشجار جديدة وعمليات القطع؛ من أجل الحفاظ على التوازن البيئي، مشيراً إلى محدودية تأثر الغطاء النباتي بالتغيرات المناخية حتى الآن.

ووفق ما رآه فإنه لإحداث التوازن بين التطورات العمرانية والأنشطة البشرية من جانب والحفاظ على البيئة الجبلية من جانب آخر، يجب إقامة المحميات الطبيعية في المناطق المهددة، وحظر بعض الأنشطة، مثل الصيد أو قطع الأشجار أو التعدين.

ومن جانبه قال أستاذ الحفظ البيولوجي في معهد "البوليتكينك" الوطني التابع لجامعة تولوز الفرنسية ديرك شميلر، إن الظواهر التي تشهدها الجبال في بعض الدول العربية ليست مجرد ظواهر مؤقتة، متوقعاً أن تؤدي التغيرات المناخية إلى تفاقم موجات الجفاف التي من المتوقع استمرارها لفترات أطول.

وأشار شميلر، الذي يعمل مدير المشروع البحثي (GloMEc) المعني بالبيئات الجبلية، لـ"جرين بالعربي" إلى بطء النظم البيئية في الاستجابة للتغيرات؛ فإذا توقفت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تماماً، يستغرق الأمر عدة عقود ليستعيد المناخ العالمي توازنه، سواء في البيئات الجبلية أو غيرها.

وعن تأثير التغيرات المناخية على المحاصيل الجبلية، يرى أن الظروف الجوية غير المنتظمة ستؤدي إلى انخفاض الإنتاج، ومن ثم لن يتمكن المزارعون من الاستمرار في العمل بالأسلوب المعتاد؛ إذ يجب عليهم التكيف باختيار المحاصيل المناسبة لهذه الظروف، واختيار الطريقة التي سيزرعون بها.