بينما يضع العالم آماله على الأشجار لامتصاص جزء من انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي، أثيرت مؤخراً حالة جدل بشأن العمر المناسب الذي يمكن للأشجار فيه أن تقوم بتلك المهمة البيئية.
ومع تقدُّم الأشجار في العمر، يتسارع المعدل السنوي لتراكم الكربون داخلها؛ حيث يمكن لبعض الأشجار الكبيرة امتصاص كمية الكربون التي تخزنها شجرة صغيرة في العام الواحد، وفق موقع مؤسسة Environment America (غير ربحية معنية بمواجهة أزمة المناخ).
وزادت كميات الكربون التي تمتصها غابة الجبل الأخضر الوطنية الواقعة في ولاية فيرمونت الأمريكية بنسبة 48% بين عامي 1990 و2013، بالتزامن مع تعافي الغابة من القطع الجائر الذي وقع أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
ووفق موقع Climate Forests، فإن وصول أعمار أشجار الغابة إلى 80 عاماً فأكثر، ساهم في جانب التعافي من القطع في تسريع معدلات الامتصاص، ومن المتوقع الوصول بها إلى زيادة تبلغ 4 أضعاف في حالة السماح لها بالمزيد من النمو.
حالة جدل
طرح تقرير أصدرته خدمة الغابات الأمريكية مؤخراً، إشكالية جديدة حول مدى فائدة الأشجار العجوز للبيئة، وهو ما تلقَّفه نشطاء المناخ بموجة واسعة من الانتقادات بعدما كشف أن الأشجار القديمة تزيل كميات أقل من الكربون مقارنةً بالأنواع الأصغر سناً.
وأشار التقرير إلى أن الغابات الأمريكية ستفقد بسرعة قدرتها على امتصاص الكربون، وتتحول إلى مصدر للانبعاثات بحلول عام 2070 بدلاً من أن تكون حاجزاً له.
وحذر أيضاً من أن الحرائق والأعاصير وعمليات التطوير التي تشهدها مناطق الغابات سيتسبب في تدمير أجزاء كبيرة منها، إضافة إلى امتصاص الغابات القديمة كميات أقل من الكربون مقارنةً بالغابات الأحدث مع تباطؤ نمو الأشجار.
واستطلع موقع Scientific American آراء عدد من علماء البيئة والمناخ، الذين شككوا في دقة هذه الاستنتاجات، كما رأوا أن الجدل الدائر بشأن قدرة الغابات القديمة على تقليل أو زيادة الانبعاثات، ربما سيؤثر على الإجراءات التي تتخذها السلطات من أجل الحفاظ على الغابات.
ورأت كارولين راميريز العالمة في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية "NRDC" – وهي مجموعة بيئية دولية غير ربحية – أن التقرير الأخير يمكن أن يبرر السياسات الجديدة التي وصفتها بـ"المضللة" بقطع الأشجار القديمة التي لا تزال تمتص كميات كبيرة من الانبعاثات، بينما تطلقه في الهواء مرة أخرى عند قطعها.
المتهم البريء
ويقول بعض النشطاء وعلماء البيئة إن خدمة الغابات يجب أن تسمح للأشجار ببلوغ سن الشيخوخة. واستعان مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية بالدراسات التي تثبت أن الأشجار الأكبر سناً ستستمر في امتصاص الكربون بمعدل متزايد، وتخزين الكربون أسرع من الأشجار الأصغر سناً.
ويقول نورمان كريستنسن الأستاذ بكلية نيكولاس للبيئة في جامعة ديوك الأمريكية، إن "الغابات الناضجة تتعرض لأضرار أقل من الحرائق وتخزين الكربون لفترة طويلة؛ لأن مظلات الأشجار الكبيرة تخلق بيئات رطبة تعيق انتشار النيران".
ووفق ما رآه زاك بورتر المدير التنفيذي لمنظمة Standing Trees غير الربحية المعنية بالحفاظ على البيئة، فإن استنتاجات هذا التقرير متضاربة للغاية، قائلاً: "نحن نُعلِم الناس كيفية زراعة الأشجار؛ لذا لا يمكن النظر إلى غاباتنا بهذه الطريقة في عام 2023".
لكن التقرير المذكور أشار إلى أن تخفيف كثافة الغابات يقلل من أضرار الحرائق؛ إذ قال جون وين المتحدث باسم خدمة الغابات الأمريكية إن "هذه الخطوة تسمح للغابات بتخزين المزيد من الكربون بعد الحريق"، مؤكداً أن التقرير يعتمد على أسس علمية سليمة.
وقال المتحدث إن الخدمة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات المتنوعة للناس في إدارة أراضيها، ورأى أن القوانين هي ما تشكل سياسات الهيئة حول إدارة الغابات والمراعي الوطنية.