بألوان مبهجة وسرعة بديهة، تجذب طيور الببغاوات الأنظار بتفوقها على الطيور الأخرى في تقليد أصوات البشر، باعتبارها ضمن قائمة الطيور الذكية التي تترأسها الغربان.
وتطال أضرار التغيرات المناخية هذه الأنواع؛ إذ يشير الباحثون إلى تأثير ذلك على القدرات الدماغية الفريدة للطيور.
وتتسم الطيور ذات المهارات المتميزة بأدمغة كبيرة الحجم نسبياً مقارنةً بالأنواع الأخرى. وعادةً ما يرتبط زيادة حجم المخ بالمزيد من القدرة على اتخاذ القرارات وحل المشكلات اليومية.
ووفق موقع "Science"، فإن فصيلة الغرابيات على سبيل المثال تتمكن من استخدام أدوات مختلفة، كما يمكنها التعرف على وجوه البشر، وتعيش في مجموعات ذات روابط قوية، وتنافس القردة في مستوى ذكائها، حسب تقديرات الباحثين.
وتطور دماغ الطيور منذ وجودها داخل البيض حتى وصولها إلى الشكل النهائي، يحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة، يبدأ الحصول عليه من صفار البيض، في أجواء دافئة.
وكشفت دراسة أجراها باحثون من جامعات مختلفة، أن صغار الطيور التي تتلقى رعاية أكبر من والديها تتمتع بدماغ ذات حجم أكبر، وفقاً لدورية “PNAS”.
بعد دراسة ما يزيد عن ألف نوع من أنواع الطيور، توصل الباحثون إلى أن الأنواع التي تُطعم صغارها بنفسها تمنحها مهارات تطور المخ وتزيد مستوى الذكاء، على العكس الأنواع التي لا تتولى مهمة إطعام صغارها؛ حيث تتسم الأدمغة بحجم أصغر، كما هو الحال مع الدجاج.
تأثير تغير المناخ
وتمنح قدرات تلك الطيور إمكانات أكبر للتكيف مع البيئات الجديدة؛ إذ كشفت دراسة أجراها باحثو جامعة واشنطن- سانت لويس، أن حجم الدماغ كان من العوامل التي مكنت اثنين من أنواع الغربان - شملتها الدراسة - من الانتشار في معظم أنحاء العالم والاندماج مع ظروف المناخ المختلفة.
ووصول أدمغة هذه الأنواع إلى هذا الشكل الذي نعرفه الآن كان أيضاً درجة من درجات التكيف؛ إذ يقول عالم الأحياء وأستاذ علم البيئة التطبيقي بجامعة ولاية نورث كارولينا "روبرت دان"، إن هناك اعتقاداً أن تلك السمة تطورت لتمكين الطيور من النجاة في أشكال مختلفة من الظروف الطبيعية.
ولفت دان، في مقال له نشره موقع Geographical، إلى المهارات التي تمكن الطيور من تذكر المكان الذي تخزن فيه الطعام، والعثور على طعام بطرق لا تتمكن منها الطيور الأخرى؛ ففي إحدى التجارب المعملية، قدم الباحثون إلى غربان "الكاليدونيا" طعاماً لا يمكن الوصول إليه عبر السلك المستقيم الذي وضعه العلماء، لتقوم الغربان بثنيه وتحويله إلى "خطاف" للوصول إليه.
وبحسب موقع "Scientific American"، فإن هذه الصفات مكنتها من الصمود جزئياً أمام تأثير التغيرات المناخية على أجساد الطيور؛ حيث أثبت تحليل البيانات أن الطيور التي تتمتع بدماغ أكبر حجماً، كان معدل انكماش أجسادها بفعل آثار ظاهرة الاحتباس الحراري أقل من غيرها.
وقال روبرت دان في تصريح لـ"جرين بالعربي"، إن ما توصلت إليه الدراسات أن موجات الطقس المتطرف أدت إلى نفوق الطيور التي لا تتمتع بمهارات الذكاء أولاً؛ ما أدى إلى استنتاج أنها لم يكن لديها المرونة اللازمة لمواجهة هذا التحدي.
لكن دان يرى أن قدرات المجموعة الأخرى على مواجهة تطرف الطقس ستقف عند حد معين؛ فعند نقطة ما سيصبح الطقس حاراً للغاية في عدد من مناطق العالم لدرجة تعجز خلالها غالبية الطيور عن النجاة. وفي تلك الظروف لن ينجو سوى الأنواع التي لها قدرات تكيفية محددة تخص مواجهة الدرجات المتطرفة من الحرارة.
ترتفع درجة الحرارة في منطقة الشرق الأوسط بسرعة تفوق بقية مناطق العالم بفارق الضعف. وبحلول عام 2050 قد يصل معدل زيادة الحرارة بها إلى 4 درجات كاملة.
مهارات مهددة
وتؤثر موجات الطقس المتطرف، وتغيير أنماط تساقط المطر على كميات الطعام المتوافرة للطيور مثل تراجع كميات البذور العشبية التي تتغذى عليها، ومن ثم قد لا تتمكن من إطعام صغارها، واستكمال مرحلة التطور.
كما يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على طرق تخزين الطعام نفسها؛ فعلى سبيل المثال يواجه طائر القيق الذي يعيش في مناطق باردة مشكلة تراجع نسبة الجليد؛ ما يزيد خطر تعفن الطعام الذي يخزنه خلال فصل الشتاء؛ ما يعني الجوع والنفوق.
وفيما يخص توافر الطعام نفسه، أوضح دان أن تأثير التغيرات المناخية سيختلف من مكان لآخر، فهناك مناطق ستشهد زيادة الطعام المتوافر للطيور، بينما ستتراجع الكميات في مناطق أخرى من بينها مصر.
لكن هناك جانباً آخر من الأمر قد يرجح كفة الطيور ذات الأدمغة الأكبر حجماً؛ لأن التغيرات المناخية تزيد من تقلبات الطقس في العديد من المناطق؛ فعلى سبيل المثال إذا شهدت إحدى المناطق طقساً حاراً خلال السنة، ثم طقساً بارداً في السنة التالية، فإن ذلك يساهم في تطور هذه الطيور، رغم تأثيره على تلك التي تتمتع بأدمغة صغيرة، وقد ينتهي الأمر بانقراض الأخيرة محلياً من المنطقة.
وإذا تراجع هذا التباين على مدى الأجيال القادمة، فسيؤدي ذلك إلى ظهور طيور تعتمد على موارد بعينها؛ ما يؤدي إلى انكماش حجم أدمغتها؛ لأن الطاقة المتوافرة لديها ستُخصص لأنشطة أخرى بعيداً عن تطور الأدمغة.
ولفت الأستاذ في جامعة ولاية نورث كارولينا، إلى التحول الذي قد يصيب بعض الطيور المنضمة إلى قائمة الطيور المهاجرة، وهو ما سيؤدي كذلك إلى انخفاض حجم الأدمغة، فالكائنات التي تهاجر لمسافات طويلة لا يمكنها تحمل وزن مثل هذه الأدمغة.