سباق درامي رمضاني يحمل منافسة بكل الجنسيات العربية، وبإنتاج عادة ما يكون الأضخم فنياً ومالياً، لكن المفارقة أنه منذ بداية شهر رمضان بدأ أيضاُ عرض المسلسل الأمريكي الضخم "Extrapolations" على إحدى المنصات الشهيرة، ليطرح بشكل واضح معضلة التغيّر المناخي، ويكشف بشكل غير مباشر عن صيام عربي تام عن دراما المناخ والبيئة.
المسلسل الأمريكي يحاول الإمساك بخيوط التغيرات المناخية، وتأثيرها المباشر على حياة البشر وقراراتهم في كل النواحي.. الحب والإيمان والعائلة والعمل، وإمكانية وجود فرص للنجاة عندما يتغير الكوكب ويفقد الوجه الذي اعتدنا عليه ويتحول لجحيم حقيقي.
هذه المصادفة دفعت كثيرين للتساؤل: لماذا تعد قضايا البيئة والتغيرات المناخية رغم أهميتها وتصدرها أولويات العالم، فإنها خارج حسابات الدراما العربية، خاصة في دول مثل مصر باعتبارها تمتلك تاريخاً طويلا في مناقشة القضايا المهمة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأخلاقية أو حتى الفكرية والفلسفية؟
لماذا إذاً تقف الدراما العربية مكتوفة الأيدي أمام موضوع شائك يمس كل بيت عربي ويلقي بظلاله على المنطقة كلها، وخاصة في هذا التوقيت، حيث استضافت مصر مؤتمر قمة المناخ "COP27" في شهر نوفمبر 2022، وتستعد دولة الإمارات العربية المتحدة لاستضافة النسخة القادمة "COP28" في نهاية العام الجاري.
وقبل الاسترسال في الحديث عن الدراما الحديثة، تجدر الإشارة إلى أن تجارب مصرية انتزعت في سنوات الثمانينيات والتسعينيات، أو ما يعرف بالعصر الذهبي للشاشة الفضية، مكانة مميزة عبر عدد قليل من المسلسلات بين قائمة الموضوعات المجتمعية التي تماست بشكل ما مع قضايا البيئة منها:
نهاية العالم ليست غدا
مسلسل من النوادر في تاريخ التلفزيون المصري، حيث يعتمد على الفانتازيا التي رسمها بدقة المؤلف يسري الجندي، من خلال علاقة مدرس الفلسفة، الذي جسده الفنان الراحل حسن عابدين، ومحاولة تواصله مع الكائنات الفضائية والتي تعطي البشر مهلة أسبوعا واحدا لتغيير العالم الملوث، سواء ماديا أو أخلاقيا.
المسلسل المصري نهاية العالم ليست غدا، قدم قبل 40 عاما نصاً درامياُ عن العدالة المناخية قبل إقرار هذا المفهوم في كوب 27 بشرم الشيخ وإنشاء صندوق الخسائر والأضرار
وفي حوار لمدرس الفلسفة مع صديقه الصحفي، يتحدث عن خطر الحروب والكوارث التي قد تقضي على الجميع في لحظة وتدمر البيئة، ورغم أن المتسبب فيها الدول الغنية أو "الخواجات" لكنها تهدد، في المقام الأول، العالم الثالث.
ورغم أن هذا الحوار مكتوب منذ 40 عاما لكنه يعكس بشكل كبير المفهوم الحالي للعدالة المناخية أو البيئية، والذي من أجله تم الاتفاق على إنشاء "صندوق الخسائر والأضرار" خلال "COP27" بشرم الشيخ، لمعالجة الخسائر وتقديم التعويضات من قبل الدول المتقدمة للدول النامية التي لم تسهم بشكل كبير في الانبعاثات الضارة التي تؤدي لظاهرة الاحتباس الحراري لكنها المتضررة بشكل أكبر من مخاطر وتداعيات التغيرات المناخية.
ولإدراك مفهوم عدم العدالة المناخية، في الوقت الحالي، يكفي معرفة أن واحداً من كل ٣ مواطنين أفارقة يعاني من شُحّ المياه، بينما سكان القارة السمراء ينتجون انبعاثات منخفضة للغاية من ثاني أكسيد الكربون، وفقا لـ إنقر أندرسون، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
البشاير
مسلسل حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً بسبب نجومه وتحديداً الراحلين محمود عبدالعزيز ومديحة كامل، لكن يبقى البطل الأول هو القصة التي كتبها المؤلف الراحل وحيد حامد بذكاء عن الريف المصري، في حقبة الثمانينيات، والذي هجره أهله، علاوة على تجريف التربة لبناء المنازل وبات يعاني من استنزاف موائله الطبيعية وإهدار الطاقة وزيادة السلوك الاستهلاكي مع انتشار التلفزيون.
ورغم أن قضية البيئة لم تكن واسعة الانتشار في تلك الحقبة لكن العوامل التي تناولها المسلسل هي من أهم الأسباب وراء تسريع وتيرة التغير المناخي، وكان الحل من وجهة نظر الكاتب هو استصلاح الأراضي الصحراوية والخروج إلى المدن الجديدة لتخفيف العبء عن البيئة.
مسلسل البشاير، ورغم أن إنتاجه يعود إلى العام 1987، إلا أنه قدم تصورات موازية للغة العصر الحالي حول بناء "مجتمع مستدام" يستطيع تحقيق أمنه الغذائي عن طريق الزراعة وتربية الدواجن وإنتاج البيض مع زيادة المساحات الخضراء كمتنفس طبيعي.
سر الأرض
مسلسل توعوي زراعي في الأساس، جرى إنتاجه عام 1994 لكنه استطاع جذب الجمهور من جميع الفئات، وناقش قضايا الزراعة، التي تعتبرها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، لاعباً أساسيا في وقف تدهور النظم الإيكولوجية، لأن قطاع الزراعة له أهمية قصوى للحفاظ على التوازن البيئي ومواجهة التغير المناخي.
وبذلك يتضح دور الممارسات الزراعية الواعية لمكافحة الخطر الذي يواجه الأرض، ويظهر أيضا أهمية المسلسل باعتباره عملاً بيئياً مفيداً ليس فقط على مستوى المزارعين ولكن بالنسبة للمجتمع ككل؛ حيث ناقش المسلسل أفكارا مستدامة، مثل زراعة أسطح المنازل وقدم حلولاً لترشيد استهلاك الكهرباء والمياه في القطاع الزراعي، مثل نظام الري السطحي المطور.
بيد أن هذه الأعمال المذكورة وغيرها، تظل مجرد تجارب أو محاولات أشارت إلى بعض مظاهر التدهور البيئي في وقت لم يكن فيه الأمر ملحاً ويحتاج لحل سريع على عكس هذا العصر.
ومن باب الإنصاف، يجب الإشارة إلى أن وسائل الإعلام والترفيه الأمريكية، على سبيل المثال، تتعرض للانتقاد أيضا، حيث وجدت دراسة حديثة أجرتها جامعة جنوب كاليفورنيا على أكثر من 37 ألف عمل سينمائي وتلفزيوني تم بثها في الولايات المتحدة بين عامي 2016 و2020، أن 2.8% من هذه الأعمال تطرقوا لكلمات مرتبطة بالمناخ، مثل: الاحتباس الحراري وأزمة المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر والألواح الشمسية وإزالة الغابات وتلوث المحيط وإنقاذ الكوكب والطاقة المتجددة.
الوضع الآن يتغير، وباتت المنظمات المجتمعية العالمية تلعب دورا مهما في إثارة القضية ودفع صناع الدراما للتطرق لموضوعات المناخ في النصوص الدرامية تماشيا مع احتياجات سكان الكوكب.
وتؤكد آنا جين جوينر، من مؤسسة Good Energy، وهي منظمة استشارية غير ربحية متخصصة في قضايا تغير المناخ، أن المؤسسة تهدف حالياً إلى تضمين موضوعات المناخ في 50٪ من الأعمال والبرامج التلفزيونية والأفلام بحلول عام 2027.
ويمكن القول إن هذه الطفرة في تناول القضية على الشاشات الأمريكية، باتت واضحة منذ أكتوبر 2021 مع عرض حلقة Hotter Than Hell من المسلسل الشهير Grey's Anatomy، والتي تحدثت عن ارتفاع درجة حرارة الأرض وأضرارها على البشرية، وصولا إلى عرض مسلسل Extrapolations، بطولة مجموعة من أشهر نجوم هوليوود: ميريل ستريب، وإدوارد نورتون، وماريون كوتيار.
أين الأزمة؟
السؤال الأبرز المطروح حاليا هو لماذا يستمر الصمت الدرامي العربي تجاه أزمة المناخ؟.. ولماذا تبتعد الدراما العربية عن تقديم صورة كاملة للقضية أو لمخاطر التغيرات المناخية في المنطقة بشكل متعمق؟
الكاتب المصري أيمن سليم، مؤلف مسلسل الشانزليزيه، وصاحب فكرة مسلسل أزمة منتصف العمر، اعتبر أن السبب في المقام الأول هو ظروف الإنتاج والتصوير التي تجبر الصُناع على اختيار الموضوعات الأقل تكلفة إنتاجيًا، بينما مناقشة التغييرات المناخية في عمل درامي مكلف جدًا ويحتاج إلى تحضيرات كبيرة واستخدام تقنيات عالية الجودة في التصوير والجرافيكس، ومعدات تصوير متطورة وطائرات، إذا لزم الأمر، حتى يخرج بصورة مشرفة.
إنتاج مسلسل عربي عن التغييرات المناخية سيكون مكلف جدًا ويحتاج لتحضيرات كبيرة واستخدام تقنيات عالية الجودة في التصوير والجرافيكس وطائرات للخروج بصورة مشرفة
سليم قال لـ "جرين بالعربي" إن إنتاج مسلسل عن التغيرات المناخية يعتبر مغامرة كبيرة بالنسبة لشركات الإنتاج، وخصوصاً أن هذه النوعية لم تقدم من قبل في العالم العربي، ونجاحها ليس مضموناً، لأن ليس لها "ريفرنس" أو مرجع عربي يمكن القياس عليه.
وفي حال توافرت العناصر الإنتاجية، من الممكن تقديم عمل مختلف، حيث أشار سليم إلى مسلسل "Covid25" للفنان المصري يوسف الشريف، الذي دمج بين الفانتازيا والواقع، لكن رغم توفير الميزانية اللازمة والجودة الجيدة للعمل لكنه لم يحقق نجاحا كبيرا بسبب محليته الشديدة.
وأوضح المؤلف المصري أن اختلاف الثقافات يلعب دوراً مهماً في تقبل الأفكار، قائلاً: "نحن في نصر قد نتابع بشغف عملا أجنبيا عن الزومبي، لكن عند تقديمه بممثلين مصريين سيتحول لعمل كوميدي".
وعبّر عن أمنيته في تقديم عمل عن الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين، حيث يمكن عبر هذه الأعمال تثقيف الجمهور وتوعيته للتعامل بشكل صحيح في وقت الأزمات، ولكنه استطرد: "من الصعب أن يتحمس منتج لهذه الفكرة".
ويعطي سليم مثالا بتجربته في فيلم "invitation au bonheur"، الذي حاول تقديمه كعمل عربي لكنه لم يجد جهة إنتاجية تسانده، فتحول لفيلم فرنسي وأنتجته شركة أجنبية.
وأخيرا يؤكد سليم أن الفن هو مرآة الشعوب، ويجب تقديم أعمال مهمة يتخللها نصائح لتثقيف المشاهدين، فالفن أكثر من مجرد متعة لحظية ولابد أن يتضمن رسائل واضحة تخدم الجمهور لكن بالطبع في إطار درامي.