الفراشات تختنق.. تغير المناخ يعلن الحرب على الأجنحة الملونة


فيروز ياسر
السبت 02 سبتمبر 2023 | 06:53 مساءً

كعادة الكائنات الرقيقة، تتأذَّى الفراشات من الظواهر المناخية المتطرفة الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري.

وتشتهر "الفراشات الملكية" بالهجرة السنوية لمسافات طويلة تصل إلى 4 آلاف كيلومتر عبر الأمريكتين؛ حيث تهاجر من المكسيك وكاليفورنيا في الشتاء إلى مناطق التكاثر الصيفية في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا.

لكن هذا النوع من الفراشات انضم مؤخراً إلى القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض التابعة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة؛ إذ انخفضت نسبتها بين 22-72% خلال العقد الماضي.

وعزا الخبراء أسباب ذلك إلى إزالة الغابات التي دمَّرت المأوى الشتوي لها، واستخدام مبيدات الآفات الزراعية؛ إذ تقتل تلك المبيدات نبات "الصقلاب" المضيف للفراشات الملكية.

وتأثرت الفراشات بتغير المناخ؛ ما أدى إلى عدم نمو نبات "الصقلاب" الذي يساعد الفراشة على النمو والتطور. وخلال محاولة النبات التكيف مع التغيرات المناخية، فإنه يهدد بتسمم الفراشات؛ لأن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من إنتاجية مادة "الكاردينوليد" السامة، بحسب موقع "Indigenous Climate Hub".

وفي الوقت نفسه، فإن ارتفاع درجات الحرارة يسبب هجرات مبكرة؛ ما يجعل الفراشات لا تستطيع اللحاق بنبات "الصقلاب"، إضافة إلى الطقس المتطرف الذي يقتل العديد من هذه الكائنات الرقيقة، وفق تقديرات الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة.

من ناحية أخرى، يمكن أن تتجمد الفراشات الملكية عندما يصبح الطقس أكثر برودةً في أجزاء من كندا والولايات المتحدة، كما أن فقدان الموائل يهدد بقاءها في الأماكن المخصصة لها بين الشتاء والصيف.

مأوى غير آمن

من المفترض أن تكون الجبال ملاذاً آمناً للفراشات النادرة، لكن التغيرات المناخية خلقت اضطراباً في الموائل وطريقة العيش؛ فرغم أن جبال الألب (شمال إيطاليا) موطن لـ250 نوعاً من الفراشات، فإن التأثير البشري لعب دوراً في تحويل المنطقة إلى ملاذ غير آمن؛ بسبب انتشار الزراعة الكثيفة، واستخدام كميات كبيرة من السماد عكس الزراعة التقليدية القديمة، حتى باتت بعض الأنواع مهددة بالانقراض، كالفراشة "الزرقاء الكبيرة".

وبدوره، قال إيليا غوارينتو عالم البيئة والحشرات لـ"بي بي سي" إن التباين في الغطاء النباتي وبنية المراعي يسمح للفراشات بالازدهار، لكن الإفراط في إخصاب الأراضي يضر بتنوع الفراشات، بجانب فقدان الموائل والتلوث الكيميائي.

ويجبر تغير المناخ الفراشات الملكية على الهجرة إلى مناطق أكثر برودة على ارتفاعات أعلى؛ حيث كشف تقرير عن انخفاض أعدادها إلى النصف تقريباً منذ عام 1976 في المملكة المتحدة وهولندا وبلجيكا، كما انقرض 19 نوعاً من أصل 64 نوعاً في مطلع العقد الأول من القرن الـ21، إضافة إلى أنواع أخرى مهددة بالانقراض.

فراشة سيناء

ولا تعاني الفراشات الملكية وحدها من تداعيات أزمة تغير المناخ؛ إذ تشاركها أنواع أخرى؛ أبرزها فراشة سيناء الزرقاء التي تُعَد أصغر الفراشات على مستوى العالم.

ومن جانبه، أوضح سامي زلط أستاذ التنوع البيولوجي بجامعة قناة السويس ورئيس مجلس أمناء مؤسسة الطبيعة والعلم، أن مصر تليها السعودية من الدول العربية التي أجرت دراسات لآثار التغير المناخي على الفراشات في الفترة الماضية.

وقال زلط، في تصريح لـ"جرين بالعربي"، إنه أجرى دراسات على محمية سانت كاترين استمرت لسنوات طويلة، على فراشة سيناء الزرقاء الصغيرة، التي قد تكون أصغر فراشة على مستوى العالم؛ إذ يصل طولها إلى أقل من سنتيمتر واحد تقريباً بعد فرد أجنحتها.

وتوجد فراشة سيناء الزرقاء في جبال سانت كاترين وجبل موسى (شرق مصر)، ولا يزيد مكان وجودها عن 5 كيلومترات مربعة بالجبال الشاهقة؛ حيث تتغذى على نبات الزعتيران، وتضع بيضها على براعم النبات نفسه لكي تتغذى اليرقات عليه بعد فقس البيض، ثم تتجه تلك اليرقات إلى التربة لتبقى فيها مدة تستمر حتى 8 أشهر، وعندما يحين الربيع تنشق الأرض وتظهر فراشة جديدة تُعِيد دورة حياتها على النبات نفسه.

وحدد زلط 3 مشكلات رئيسية تواجه فراشة سيناء الزرقاء؛ أولها الجمع الجائر لنبات الزعتيران من خلال السكان المحليين بهدف استخدامه في العلاجات الطبية؛ الأمر الذي يقضي على الغذاء الرئيسي للفراشة، والثاني ارتفاع درجات الحرارة المسبب لهروب الفراشات إلى مناطق أكثر برودة والطيران لمسافات أعلى على الجبال، لكن ضعف أجنحة فراشة سيناء الزرقاء منعها من الطيران لارتفاعات أعلى. أما الثالث فتمثَّل في تربية البدو الماعز على الجبال الذي يتغذى على نباتات منها الزعتيران الذي يعد مصدر الغذاء الرئيسي للفراشات.

تهديد بالانقراض

ومن المتوقع انقراض هذا النوع من الفراشات خلال الـ200 عام المقبلة، ما لم يتم السيطرة على المشكلات الثلاث؛ لذا أوصت الدراسة بإنشاء أماكن حماية للفراشات ومصادر غذائها.

واتخذت وزارة البيئة المصرية والباحثون بمحمية سانت كاترين، خطوات جدية لحماية فراشة سيناء وموائلها، بإنشاء منطقة حماية داخل موقع الفراشات؛ للحفاظ على أعدادها من الانخفاض التي تصل بين 2000 و3000 فراشة.

وفي السعودية، أوضح سامي زلط أن فريق الباحثين حصر 33 نوعاً من الفراشات في شمال غرب وجنوب غرب المملكة، واكتشفوا وجود فراشة سيناء الزرقاء الصغيرة بأحد الجبال شمال السعودية؛ الأمر الذي يعد اكتشافاً كبيراً، مع توقعات بوجود الفراشة نفسها في الأردن.

وجود الفراشة في دولة عربية أخرى كالسعودية يعني أنه في حالة حدوث خسارة للفراشات في مكان ما، فإن البديل موجود في مكان آخر، ومن ثم فإن هناك فرصاً لمحاولة الحفاظ على فراشة سيناء الزرقاء من الانقراض.

ورغم أن فراشة سيناء الزرقاء في حالة جيدة بالسعودية، فإن ذلك لا يعني أنها بمنأى عن أضرار أزمة المناخ؛ حيث أشارت الدراسات إلى وجود أنواع أخرى في مدن مثل أبها والجيزان ومناطق في جدة تعاني من التغيرات المناخية والجمع الجائر للنباتات التي تتغذى عليها. وهذه المشكلة نفسها قائمة في منطقة البيضاء بدولة ليبيا.

وعن ذلك قال سامي الزلط: "تغير المناخ خلق مشكلات أخرى تتعلق بتغيير النظم البيئية للفراشات، إضافة إلى الجمع الجائر لغذائها من النباتات؛ ما يضاعف تأثير الأزمة عليها، ومن ثم فإنها تعاني من ارتفاع درجات الحرارة ونقص الغذاء معاً؛ ما يتسبب في انقراضها مستقبلاً".

ومؤخراً، أضيفت خمسة أنواع مهددة بالانقراض إلى القائمة الحمراء، وهي فراشات الخشب الأبيض، وذيل السنونو، وأدونيس بلوز، وهيث الكبيرة، وسكوتش أرجوس.