في غزو بحري، تنتشر بعض أنواع الأسماك الغريبة وغير المتداولة في البحر المتوسط، التي قد ينتشر بشأنها تحذيرات من اصطيادها وتناولها.
والأسماك الغازية هي الكائنات البحرية التي تغزو بيئة مائية جديدة عليها وتستوطن بها، إلى حد أنها أصبحت تُهدِّد الكائنات الأصلية؛ لذا وُصفت بـ"الكائنات الغازية".
وفق أحدث تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية "فاو" في سبتمبر 2022، فإن عدد الكائنات الغريبة في البحر المتوسط قارب 1000؛ منها نحو 400 نوع من الأسماك تأتي من المحيط الهندي والبحر الأحمر والمحيط الأطلنطي.
سبب الغزو
الأكثر قراءة
بدوره قال طارق تمراز رئيس برنامج ماجستير إدارة تغير المناخ بجامعة قناة السويس وعضو منظمة حماية البحر المتوسط وعلوم البحار؛ إن سبب وصول الأسماك الغازية وانتقالها من البحر الأحمر إلى نظيره المتوسط، هو أن البحرين كانا متصلين منذ ملايين السنين، ثم حدث لهما انفصال منذ ما يقرب من 5 ملايين سنة. وهذا الرقم في عمر الأرض قليل جداً.
وأشار تمراز، في تصريح لـ"جرين بالعربي"، إلى أن وجود الأسماك الغازية غير مرتبط بتاتاً بحفر قناة السويس التي تم افتتاحها منذ نوفمبر عام 1869.
وأوضح أن البحر المتوسط أُطلِق عليه هذا الاسم لأنه كان يتوسط البحر الأحمر والخليج الأطلنطي وشماله في البحر الأسود، ومن ثم فإن كتلته المائية متصلة بهذه البحار منذ ملايين السنين، وهذا يفسر وجود كائنات غازية للبحر المتوسط.
وأكد أن هذه الظاهرة البحرية ليس لها علاقة بالمجاري المائية أو قناة السويس، بل حدث مثلها في هاواي أقصى الغرب، وأستراليا في أقصى الجنوب، وفي ميامي وسواحل كاليفورنيا بأمريكا.
تلعب الأنشطة البشرية كذلك دوراً في وصول الكائنات الغازية للبحر المتوسط؛ حيث يمكن للكائنات الالتصاق بجوانب المراكب أو على الحشف أو داخل مياه الاتزان بالمركب، وتنتقل بها من مكان إلى آخر
التغير المناخي
عندما يتغير المناخ وتصبح بعض الأماكن أكثر احتراراً، فإن الكائنات البحرية تبحث عن بيئات أقل في درجات الحرارة لإيجاد المغذيات الأساسية والحصول على فرص أعلى للحياة، كما يُطلَق على هذه الظاهرة "الهجرة إلى الشمال" بحسب تمراز.
وأوضح أن هجرة الكائنات البحرية تحدث بجميع أنحاء العالم، وليست بحاجة إلى مجارٍ مائية طبيعية، مثل مضيق جبل طارق، أو مجرى مائي صناعي مثل قناة السويس المحفورة بواسطة الإنسان.
وتلعب الأنشطة البشرية كذلك دوراً في وصول الكائنات الغازية للبحر المتوسط؛ حيث يمكن للكائنات الالتصاق بجوانب المراكب أو على الحشف أو داخل مياه الاتزان بالمركب، وتنتقل بها من مكان إلى آخر، ثم تفرغ محتوياتها في طريقها فتسقط الأسماك في بيئة بحرية مختلفة عن التي عاشت فيها.
كما أن معارض الأحياء المائية "الأكواريوم" المُقامة بالمتاحف لعرض كائنات بحرية من مناطق مختلفة بدول العالم، واجهت حوادث تسرب أدت إلى هروب الكائنات منها، وأشهرها واقعة متحف "موناكو"؛ حيث تسرب نوع من أنواع الأعشاب البحرية وانتشرت على سواحل البحر المتوسط الشمالية في 1984.
وذكر طارق تمراز واقعة وصول قناديل البحر من النوع "المشطي" إلى البحر الأسود بعد هروبها من المحيط الأطلنطي، مشيراً إلى أنها أثرت سلباً على المزارع السمكية؛ حيث أدت إلى نفوق الأسماك بعد فرز مواد سامة وإحداث تغيير في خصائص المياه.
وهروب الكائنات البحرية إلى البحر المتوسط يأتي لأنه أخف في الملوحة وأغنى بالموارد الغذائية مقارنةً بالبحر الأحمر والمحيط الأطلنطي. وهذه العوامل تساعد على تعايش الكائنات الغازية بالبحر المتوسط؛ فعلى سبيل المثال، وصل إلى تونس نوع يُسمَّى السرطان الأزرق، كما أن القشريات مثل الجمبري والكابوريا أصبحت موجودة في تركيا ولبنان وأصولها من البحر الأحمر.
الكائنات الأصلية تصبح أضعف، ومرونتها أقل، وغالباً تترك المياه السطحية وتتجه إلى المياه العميقة بعيداً عن التنافس مع الكائن الغريب
تأثير مزدوج
ووفق ما رآه تمراز، فإن وجود الكائنات البحرية الغازية بالبحر المتوسط يزيد التنوع البيولوجي؛ حيث تُضاف إلى الأنواع الأصلية، كما تشير الترجيحات إلى أن عدد الكائنات البحرية الأصلية ينخفض، وأفضل إجراء للحفاظ عليها هو إنشاء محميات طبيعية؛ حيث يكون الصيد غير مسموح فيها لتصبح مترابطة أكثر، ومن ثم فإن من الصعوبة على الكائنات الغريبة مهاجمتها أو أخذ موائلها.
من وجهة نظره كذلك أن الكائنات المحلية يقل وجودها مع الوقت وتحديداً الأنواع التي تتشارك مع الكائن الغازي الموارد الغذائية والمكان نفسيهما، فيحدث صدام بينهما، وتصبح الكائنات الغريبة أكثر مرونةً وتحملاً للظروف المناخية الصعبة؛ ما يسهل عليها السيطرة والنمو في مكانها الجديد.
أما الكائنات الأصلية فتصبح أضعف، ومرونتها أقل، وغالباً تترك المياه السطحية وتتجه إلى المياه العميقة بعيداً عن التنافس مع الكائن الغريب.
وأوضح تمراز أن هجرة الأسماك إلى البحر المتوسط أصبح لها مردود اقتصادي؛ فعلى سبيل المثال، عند النظر إلى السرطانات أو الكابوريا وأنواع من الجمبري فجميعها ساهمت في زيادة القيمة الاقتصادية للمخزون السمكي في البحر المتوسط.
ففي تونس، يوجد نوعان من السرطان الأزرق هاجرا إلى البحر المتوسط وانتشرا في البيئة البحرية التونسية، ورغم تأثيرهما على تنوع الكائنات الأصلية، لكنهما أصبحا مصدراً كبيراً للأرباح نتيجة تضافر جهود الحكومة ومنظمة "الفاو" لتصديرهما.
وأكد تمراز أن مقاومة الكائنات الغازية في البيئة البحرية صعب، لكن أسهل تصرُّف يمكن القيام به بمجرد وصولها واستيطانها بالمنطقة هو صيدها وإيجاد أسواق بديلة لها للاستفادة منها.
فرص وتحديات
ولوحظ أنه عندما تنتشر الأسماك الغازية يقل وجود الأنواع الأصلية التي اعتادها السكان، وعندما يعرض الصيادون الأنواع الغريبة للبيع لا تحظى بالإقبال عليها؛ الأمر الذي دفع الصيادين إلى إيجاد أسواق جديدة وبدائل للأكل وإدخالها في صناعات دوائية وعقاقير أو استخدامها علفاً أو مخصبات للأسماك.
واستشهد تمراز بسمكة القراض السامة التي وصلت إلى البحر المتوسط التي تشبه سمكة "الفوجو" باليابان؛ فإنها رغم سُميتها، يتناولها اليابانيون بحرص من يد طهاة متخصصين؛ حيث يقطعونها بعناية للتخلص من الأعضاء السامة، كما يتم تقديمها بكميات محددة، مقترحاً جمع "القراض" المنتشر بالبحر المتوسط، وتصديره إلى اليابان، أو فتح أسواق للتغذية بها في البلدان العربية.
وأضاف: "التخلص من الأسماك الغازية حتى إن كانت غير سامة، يحتاج إلى تكلفة كبيرة؛ بسبب عمليات الغطس وإتاحة المراكب والتعاون مع صيادين، ومن ثم يمكن صيدها وتصديرها إلى البلدان المستهلكة لها في الطعام؛ فعلى سبيل المثال، يوجد طبق "المحار" الشهير Japanese Oyester باليابان، الذي له شعبية بين السكان، كما انتشر تناوله في بلدان أوروبية أخرى مثل فرنسا وإنجلترا وإيطاليا؛ لذا يقومون باستيراده، خصوصاً أن هذا النوع من المحار هرب إلى البحر المتوسط بعد أن كان في اليابان".