بعد أن أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بدء عصر الغليان العالمي، بات التأمين ضد مخاطر التغير المناخي مطروحاً بعد أن كانت وثائق التأمين قاصرة على الحياة والسيارة والحوادث والحرائق وغيرها.
ومؤخراً أعلنت منظمة مراقبة المناخ الأوروبية، أن شهر يوليو الماضي هو أكثر شهور كوكب الأرض سخونة على الإطلاق بهامش كبير، كما تداول مغردون من جميع الجنسيات على منصات التواصل منشورات تظهر صعوبة ممارسة الأنشطة الحياتية في تلك الأجواء الحارة.
ارتفاع درجة حرارة الأرض
وتسبب الموجات الحارة عدة مخاطر صحية أبرزها الصداع، والجفاف، والقيء، والغثيان، وزيادة الضغط على القلب والكلى، جراء محاولة الجسم تنظيم درجة حرارته الداخلية، ووصولاً إلى خطر الوفاة لدى أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن والأطفال.
الفئات المهمشة
الأكثر قراءة
18 عاماً كاملة قضتها "بهانو جادافا" في تركيب حبات الحلي في منزلها الذي يقع في إحدى المناطق العشوائية بمدينة أحمد آباد الهندية، لكن الموجات الحارة التي اجتاحت المدينة مؤخرا صعبت عليها مهام عملها اليدوي الذي يتطلب مستوى مرتفع من التركيز والصبر.
وتقول السيدة الأربعينية، في حوار لصحيفة "تايم" الأمريكية، إنها باتت تعاني من القيء والغثيان، وتسبب ارتفاع حرارة الطقس في تراجع قدراتها على العمل.
وفقا للصحيفة الأمريكية، فإن "جادافا" واحدة من بين النساء اللواتي يشكلن 65 بالمئة من العمالة غير المنتظمة حول العالم، والذين يقدمون خدمات أو سلعاً من خلال العمل في منزلهم أو بالقرب منه.
ورصدت جمعية SEWA الهندية، وهي رابطة تضم 2.5 مليون سيدة من العمالة غير الرسمية، تراجع دخول أعضائها بنسبة تتراوح بين 40 إلى 50 بالمئة في الأيام التي سجلت أعلى درجات حرارة، بحسب موقع "فوربس".
وهذه الأسباب دفعت الجمعية إلى التعاون مع مؤسسات أخرى لإطلاق برنامج تأميني ضد الظواهر المناخية المتطرفة، لتقديم تعويض مالي عن الدخول التي تم خسارتها بسبب الطقس، إذا ما وصلت درجات الحرارة إلى مستويات يمكن أن تؤثر سلباً على الصحة العامة.
الموجة الحارة
وشملت المرحلة التجريبية من المشروع 21 ألف سيدة يعشن في 5 أحياء مختلفة في مدينة أحمد أباد، على أن تتولى إحدى شركات التأمين المحلية تغطية التكلفة خلال هذه المرحلة، وفقاً لمنصة Prevention Web التابعة للأمم المتحدة.
وتتنوع الفئة المستفيدة بين العاملات في الزراعة، والبائعات الجائلات، وعاملات حصاد الملح، والعاملات من المنازل، وغيرهن.
المنطقة في مرمى النيران
وتنص التشريعات في دول مجلس التعاون الخليجي الست على حظر العمل تحت أشعة الشمس خلال فصل الصيف لحماية العمال من الأضرار الصحية.
لكن التوقعات تشير إلى زيادة مخاطر ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة بالمستقبل، ففي دراسة نشرتها دورية Nature Sustainability، توقع الباحثون ما سيحدث إذا ما تجاوز معدل زيادة درجة حرارة الأرض 1.5 خلال الخمسين عاماً المقبلة، لتكشف أن الغالبية العظمى من سكان منطقة الشرق الأوسط سيكونون عرضة للحرارة المتطرفة بحلول 2050.
وتوقعت دراسة أخرى ارتفاع شديد في عدد الوفيات الناتجة عن سخونة الطقس من حالتين فقط لكل 100 ألف شخص حالياً، إلى 123 حالة لكل 100 ألف شخص خلال آخر عقدين من القرن الجاري.
برامج تأمينية مستحدثة
بدوره أشار الأمين العام للاتحاد العام العربي للتأمين شكيب أبو زيد، إلى ضرورة تحديد طبيعة الكوارث الطبيعية التي تتعرض لها المنطقة العربية، كالزلازل، والتصحر، والفيضانات والتي تلاحظ زيادة حدتها في العالم العربي مؤخرا.
وأوضح أبو زيد في مقابلة مع "جرين بالعربي" أن حرائق الغابات انتشرت بكثافة في المملكة المغربية، والجزائر، ولبنان، وسوريا خلال العامين الماضيين، إذ التهمت مساحات وصلت إلى آلاف الهكتارات، كما تشمل قائمة الكوارث العواصف المدارية في منطقة خليج عمان.
وأكد وجود برامج تأمينية بالفعل ضد الآثار الناجمة عن الفيضانات والعواصف المدارية وكذلك الزلازل، لكن فكرة التأمين ضد الطقس الحار بالطريقة المطروحة في الهند، لا تزال غير موجودة في العالم العربي.
التغير المناخي يزيد خطر الفيضان
وتابع: "التجارب التأمينية في المنطقة العربية بشأن الكوارث لا زالت محدودة، ولا يمكن لشركات التأمين أن تنجح بمفردها في توفير التغطية التأمينية، كما لا يمكن للقطاع العام القيام بالمهمة وحده، وبالتالي هناك ضرورة للشراكة بين القطاعين العام والخاص"، مضيفاً أن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وكافة المؤسسات العالمية تعمل على دعم هذا النوع من الشراكات.
وبقوله: "الفائدة ستكون مزدوجة بفعل هذه الشراكات فمن ناحية يمكن تخفيف الأعباء من على عاتق الدولة، ومن ناحية أخرى تحقيق الاستفادة لشركات التأمين".
وبشأن الفئات المتضررة من الكوارث الطبيعية التي لا يمكنها الاشتراك في البرامج التأمينية، قال أبو زيد: "هناك طريقتين لحمايتها من الآثار، الأولى من خلال التعويضات الحكومية، أو تأسيس صندوق بدعم من الدولة، والثانية من خلال ضريبة تفرض على معاملات تأمينية، علاوة على الموارد الأخرى مثل دعم المؤسسات الدولية والعربية".
الأمين العام أشار أيضا إلى فكرة إنشاء نوعين من الصناديق أحدها مخصص لحملة الوثائق التأمينية، والآخر للفئة التي لا يمكنها شراء هذه الوثائق، على أن يجري تمويل تلك الصناديق عبر فرض مبلغ بسيط تسدده الفئة الأولى، ويتم تطبيق الأمر بموجب تشريع قانوني.
وأكد أن التأمين ضد الكوارث الطبيعية لابد أن يكون إجبارياً من أجل المصلحة العامة، كما يجب أن تكون المجمعات التأمينية الخاصة بالكوارث تحت إشراف الدولة من ناحية الرقابة المالية والإدارية.
كما أشار إلى إمكانية تقسيم الخدمات التأمينية حسب نوع المخاطر، أو درجة التعرض للخطر حسب كل منطقة، مشددا على أهمية دور شركات التأمين في التوعية بآثار الكوارث الطبيعية في المنطقة العربية.