القبة الحرارية.. عواصف ساخنة تلُهب دول شمال إفريقيا والمتوسط


فيروز ياسر
الثلاثاء 25 يوليو 2023 | 09:40 صباحاً

ذعر مُغلَّف بالإعياء وأحياناً بالموت، رَفعت مستواه الزيادةُ الجنونيةُ في درجات الحرارة بأنحاء العالم، التي دفعت بدورها مئات الملايين إلى التساؤل عن كيفية استكمال ما تبقَّى من فصل الصيف، وما قد يحدث مستقبلاً وسط تغيرات مناخية متطرفة تقلب البلدان رأساً على عقب في لحظات.

الحرارة المفرطة في الطقس، وما تعيشه أجزاء واسعة من الأرض حالياً، سُمِّيت بظاهرة "القبة الحرارية"، التي تُعتبَر نوعاً من أنظمة الضغط العالي التي تتكوَّن على مساحة كبيرة من الغلاف الجوي، وتُسبِّب ظروفاً جوية شديدة الحرارة والجفاف.

معادلات جوية شديدة التعقيد، يحبس فيها النظامُ الهواءَ الساخنَ ويمنعه من التدفُّق، ثم يصبح مضغوطاً وترتفع حرارته؛ ما يؤدي إلى تكوين منطقة على شكل قبة من الهواء الساخن تستمر لأيام أو أسابيع.

إذن، ما علاقة التغيرات المناخية بظاهرة "القبة الحرارية"؟ وما أسباب الصيف المتطرف الذي يعيشه سكان دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط؟

سر الاشتعال

تؤدي القباب الحرارية إلى ارتفاع درجات الحرارة. وهذا الارتفاع يخلق ظروفاً واسعة للجفاف وحرائق الغابات نتيجةَ إصابة الغطاء النباتي بالجفاف سريعاً؛ ما يجعله عرضة للاشتعال، وفقاً لـdowntoearth.

نتيجة التغيرات المناخية، لم تَعُد القبة الحرارية وحدَها السبب في تشكيل موجات حارة خطيرة، بل جعلتها أكثر كثافةً، وفي الوقت نفسه، يخلق ارتفاع درجات الحرارة بشكل متطرف ظروفاً لتكوين القبة الحرارية؛ ما يعني وجودهما في حلقة مفرغة.

خبير الأرصاد والتحاليل الجوية المصري وحيد سعودي، تحدَّث إلى "جرين بالعربي" عن هذه الظواهر، قائلاً: "إننا تحت تأثير موجة شديدة الحرارة، تؤثر على بلدان العالم، خاصةً النصف الشمالي من الكرة الأرضية. والقبة الحرارية من أسباب الموجة الحارة، لكنها ليست السبب الرئيسي".

تشبُّع كتل الرياح القادمة من الهند ببخار مياه البحرَين الأحمر والمتوسط يؤدي إلى ارتفاع نسبة الرطوبة وزيادة إحساس سكان المنطقة العربية وجنوب أوروبا بارتفاع في درجات الحرارة

ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض عامل لزيادة نسبة الرطوبة في الجو، التي بدورها تجعل السكان يشعرون كأن درجة الحرارة أعلى بـ7–10 درجات من الدرجات الفعلية، وفقًا لـ"سعودي".

أما الاختلاف في درجات الحرارة، حتى بين دول المنطقة الواحدة، فناتج عن التوزيع الضغطي بطبقات الجو العليا أو على سطح الأرض ومصادر الكتل الهوائية المصاحبة لهذه التوزيعات.

منطقة الشرق الأوسط وحتى وسط وجنوب أوروبا، على سبيل المثال، تحت تأثير ما يُسمى امتداد المنخفض الهندي الذي يجلب معه رياحاً قادمةً من الهند، مروراً بشبه الجزيرة العربية.

وأشار خبير الأرصاد الجوية إلى أن كتل الرياح القادمة من الهند والمارة فوق البحر الأحمر والبحر المتوسط تتشبع بنسب من بخار الماء مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الرطوبة ويزيد من الإحساس بالارتفاع في درجات الحرارة.

صيف قاتم

عواصف حرارية متتالية ضربت دول البحر الأبيض المتوسط، كإيطاليا واليونان وإسبانيا، ووصلت إلى رقم قياسي بين 48–50 درجة مئوية في 17 يوليو الماضي، ولا تزال مستمرة دون معرفة موعد انتهائها.

المغرب من بين دول شمال إفريقيا التي سجَّلت درجات حرارة أعلى من المتوسط، بلغت أكثر من 47 درجة مئوية في بعض الأقاليم، خلال الفترة الماضية؛ ما أثار مخاوف بشأن نقص المياه.

أما بالنسبة إلى العام الماضي، فقد ذكرت دراسة نُشرت مؤخراً في مجلة Nature Medicine أن أكثر من 60 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب موجات الحر الصيفية التي اجتاحت أوروبا، مع أعلى معدلات الوفيات في إيطاليا واليونان وإسبانيا والبرتغال.

وما يزيد الأمر سوءاً، أن إيطاليا التي تملك جزيرتَين مطلَّتَين على البحر الأبيض المتوسط من بين الدول الأوروبية الأكثر عرضةً لتأثيرات تغير المناخ؛ حيث تسببت الأحداث المتطرفة خلال 13 شهراً في وفاة أكثر من 50 شخصاً.

توابع قاسية

الحرارة الشديدة التي تخنق أوروبا منذ بداية شهر يوليو الجاري والتي تستمر حتى الآن، تسببت في اندلاع حرائق الغابات، لدرجة إجبار بعض الأشخاص في أنحاء سويسرا وإسبانيا وتركيا وحتى اليونان على إخلاء منازلهم أو الإجلاء من المناطق السياحية الشهيرة.

خلال العام الماضي 60 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب موجات الحر الصيفية التي اجتاحت أوروبا مع أعلى معدلات وفيات في إيطاليا واليونان وإسبانيا والبرتغال

لعل أحد الأرقام الصعبة أيضاً، إنقاذ السلطات اليونانية 1200 طفل من مخيمات العطلات، بعد تعرضهم للتهديد باندلاع النيران، وفقاً لما ذكره موقع "ديلي ميل" البريطاني.

وحيد سعودي سارع إلى تقديم حلول لأزمة المناخ العالمية بقولها: "لا نملك إلا أمراً  واحداً للسيطرة على الطقس المتطرف، وهو التحكم في نسبة الملوثات بالغلاف الجوي، وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان والكبريتات وغازات الدفيئة. وهذا لن يحدث بسهولة؛ لأن الدولة الصناعية، كالولايات المتحدة والصين وروسيا، ودولاً أوروبيةً أخرى حتى الآن، لم تلتزم بالتوصيات الدولية بخصوص المناخ".