بصمة "غرسة".. نساء من قطر في مهمة لتخضير المنازل


فيروز ياسر
الاحد 09 يوليو 2023 | 08:26 مساءً

هل فكرت من قبل في استغلال المساحة الواسعة بشُرفة منزلك أو السطح في زراعة محاصيل تسد احتياجاتك الغذائية أو نباتات تخفف عنك ارتفاع درجات الحرارة بالصيف؟ إذا لم يكن الأمر كذلك فقد حان الوقت الآن لنشر الزراعة المنزلية بكافة الدول لمواجهة التغيرات المناخية وتحقيق أهداف الاستدامة.

مبادرة "غرسة" القطرية واحدة من المؤسسات العربية التي تهدف إلى نشر أساسيات الزراعة المنزلية؛ إذ تتحدث مريم مبارك الدوسري المؤسسة والرئيسة التنفيذية للمبادرة إلى "جرين بالعربي" عن نجاحاتها والأهداف التي حققتها، علاوة على الحلول الموضوعة للمشكلات التي تصيب المحاصيل والنباتات بسبب الإجهاد الحراري الناتج عن التغيرات المناخية الحالية.

قبضة نسائية

مريم الدوسري قالت إن المبادرة وطنية تطوعية انبثقت من مبدأ المسؤولية المجتمعية؛ حيث تأسست عام 2018 باعتبارها أول مبادرة نسائية مهتمة بالزراعة المنزلية، وتضم أكثر من 200 سيدة من قطر بجانب دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا.

لكن سر تأسيس مبادرة "غرسة" أرجعته الدوسري في الأساس إلى الإيمان بجهود المجتمع المدني، خصوصاً النساء نتيجة نقص كبير في البرامج المجتمعية التي تشارك فيها القطريات، إضافة إلى تخصصها شخصياً في علم النبات والكائنات الدقيقة خلال الدراسة الجامعية، وأرادت عكسه عن طريق خلق المبادرة لتمكين النساء في مجال الزراعة والصناعات الغذائية.

وأشارت إلى أنه يتم تدريب السيدات على الزراعة لإنتاج المحاصيل الموسمية التي تبدأ في سبتمبر بمنطقة الخليج، بجانب زراعة الزهور والورقيات، واتجهن كذلك إلى تعليم الأطفال ونشر ثقافة حماية التربة وتعزيزها لاستدامة الحياة الفطرية فيها ومجابهة التغيرات المناخية.

حدائق منزلية

لبناء حديقة منزلية ملائمة، طالبت مؤسسة مبادرة "غرسة"، بإيجاد منطقة مناخية مناسبة مُعرضة للشمس؛ لتحديد الزراعات المناسبة على حسب عدد ساعات توافر أشعتها؛ فالخضراوات والنباتات الموسمية بحاجة إلى ضوئها من ست إلى ثماني ساعات يومياً كالطماطم والباذنجان والكوسة والخيار، موضحة أن هناك محاصيل تحتاج إلى وقت أقل من أربع إلى ست ساعات فقط، ونباتات يمكنها النمو في شبه الظل أيضاً.

قبل بدء الموسم تُجهز التربة بتعقيمها أو زيادتها وتسميدها وتخميرها لكي تصبح جاهزة لاستقبال البذور والشتلات في سبتمبر أو أكتوبر حسب الطقس، وهنا تنصح الدوسري بالسماد العضوي البلدي المُصنع من مخلفات الأغنام والأبقار والأسماك، وخلال عملية الزراعة نفسها يتم تعزيز السماد بمغذيات أخرى مثل سماد الطحالب والسمك، وجميعها صديقة للبيئة معززة للتربة وللكائنات والحياة الفطرية داخلها.

تتزايد التوصيات بضرورة استخدام المياه الفائضة من المطبخ والمستخدمة في الطبخ اليومي مثل مياه غسيل الأرز والخضراوات والسمك واللحوم في ري النباتات المنزلية لأنها مُغذية للنبات

تعلمت السيدات في مبادرة "غرسة" مكافحة الحشرات خلال الزراعة بطرق صديقة للبيئة، كاستخدام زيت "النيم" أو بودرة مُصنعة من العوالق البحرية، بالإضافة إلى مبيد الفلفل، ويمكن استخدام الحليب في حالة وجود إصابة فطرية.

ونبهت مريم إلى أن الري بالتنقيط من أفضل الوسائل البديلة للري بالغمر، لكن المشكلة التي قد تواجه أصحاب المنازل عدم توافر شبكة ملائمة ومن ثم فإن الاتجاه إلى استخدام "الخرطوم" طريقة شائعة. ولأن "غرسة" تهدف إلى الاستدامة فإنها توصي باستخدام المياه الفائضة من المطبخ والمستخدمة في الطبخ اليومي، مثل مياه غسيل الأرز والخضراوات والسمك واللحوم؛ لأنها مُغذية للنبات.

نجاحات وتحديات

من أكثر التحديات التي تواجهها الزراعة المنزلية درجات الحرارة المرتفعة، خصوصاً في هذا الصيف؛ فالتغيرات المناخية لها تأثير سلبي مقارنة بالسنوات الماضية؛ إذ تشير الدوسري إلى أن الأمطار الغزيرة أو الرطوبة الشديدة وحتى شُح المطر والجفاف جميعها تؤثر على إنتاجية المزروعات.

إجهاد المحاصيل مشكلة شائعة ناتجة عن الاحترار الزائد، لكن في مبادرة "غرسة" ينصحن بأن تُغطى المحاصيل، بخاصة الأنواع النباتية الضعيفة غير القادرة على تحمل ارتفاع الحرارة، بالغطاء الأخضر "الروكلين الزراعي" الذي يحجب نسبة من ضوء الشمس للحفاظ على ما تبقى من النباتات لحين انتهاء فصل الصيف.

نجاحات خضراء سجلتها المبادرة القطرية في زراعات عُروة الخريف التي بدأت منذ شهر سبتمبر؛ إذ نجحن في زراعة جميع أنواع الخضراوات كالباذنجان والطماطم والبطاطس والورقيات بأنواعها من خلال اتباع الطرق المناسبة لكل نبات، مستخدمات البذور أو الشتلات أو التكاثر بالتعقيل بجانب زراعة أنواع من الزهور الأوروبية.

خلال خمس سنوات، استطاعت "غرسة" عقد ورش تدريبية ودورات تأهيل وتوعية الجمهور لتعلم الزراعة المنزلية وتقديم الاستشارات سواء للرجال أو النساء بشكل تطوعي ومجاني، لكن الفترة المقبلة ستركز على تمكين عضوات المبادرة بالمجال الزراعي من خلال بيع منتجاتهن ومشاركة المجتمع بمنتجات صديقة للبيئة ومصنوعة منزلياً.

اختتمت حديثها بقولها إن المبادرة تسعى إلى القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي بالزراعة المنزلية، وتحقيق الابتكار في عرض المنتجات، ومساواة المرأة بالرجل في قطاع الزراعة، ومواجهة التغيرات المناخية بخلق محيط حيوي حول المنزل بالزراعة المنزلية.

مثال حي

مع بداية تفشي كورونا اهتمت رانيا عضوة مبادرة "غرسة"، باستثمار وقتها في المنزل، وبالبحث اكتشفت المبادرة وانضمت إليها عضوة للدخول في المجتمع الزراعي بقطر، كما قدمت ورشاً لطلاب المدارس، وباتت تحمل شهادة مدرب معتمد بالمجال الزراعي.

تقول رانيا عن المحاصيل التي يمكن زراعتها بسهولة في المنازل، إن الطماطم والفلفل والباذنجان والورقيات والذرة زراعتها ناجحة لكن بشرط معرفة البيئة المناسبة وأوقاتها.

خلال خمس سنوات استطاعت "غرسة" عقد ورش تدريبية ودورات تأهيل وتوعية الجمهور لتعلم الزراعة المنزلية وتقديم الاستشارات سواء للرجال أو النساء لهم بشكل تطوعي ومجاني

من بين المشاكل التي قد تواجه المزارعات هي عدم توافر الأسمدة العضوية الصديقة للبيئة أو ارتفاع أسعارها مقارنة بالأسمدة الكيميائية، وفقاً لعضوة المبادرة التي أوضحت أنها يمكنها الآن صناعة سماد منزلي من مخلفات منزلها.

أما المشكلة الثانية فهي ارتفاع درجات الحرارة التي تُعطل الزراعة في التوقيت المناسب ومن ثم قد يضطررن إلى عمل تشتيل داخلي لبعض الأصناف لكسب الوقت وعندما تتحسن درجات الحرارة يتركنها بالخارج.

وأوضحت أن مبادرة "غرسة" قدمت فعاليات للجمهور وشاركت في مؤتمر قطر الزراعي الدولي العاشر بهذا العام لعكس الاكتفاء الذاتي وتمكين المرأة بالزراعة.

وكشفت بثينة الخليفي العضوة بمبادرة "غرسة"، أن الزراعة المنزلية تهدف إلى الاستدامة؛ حيث تعلمت النساء تقليل مخلفات المنزل بإعادة تدويرها وإعادة استخدام مخلفات الحديقة وتحويلها إلى سماد مناسب للمحاصيل الزراعية.

نشر الزراعة المنزلية بالدول العربية خطوة من شأنها تحقيق الاكتفاء الذاتي والقضاء على مشكلة الجوع المؤرقة لملايين السكان.. فهل ستأخذ الخطوة وتزرع في منزلك؟