لا يختلف باحثان على أن الملوحة عدو التربة العربية الأول، بل يمثل أحد أسباب إجهاد التربة، ويقف حائلاً دون نمو المحاصيل وتطورها وزيادة إنتاجيتها؛ ففي كل عام تنخفض الأراضي القابلة للزراعة بنسبة 1-2% بجميع أنحاء العالم، كما يتأثر نحو 800 مليون هكتار.
ومع توقعات مخيفة بتأثير ملوحة التربة على 50% من الأراضي الصالحة للزراعة بحلول عام 2050، سارعت جهات بحثية عالمية وعربية إلى إجراء تجارب مختلفة على أمل التصدي لتلك الظاهرة.
ففي محافظة كفر الشيخ المصرية، أجريت تجربتان خلال موسمَي الزراعة الشتويين الماضيين (2021 و2022)، بمشاركة مركز البحوث الزراعية وقسم الهندسة الزراعية في جامعة قناة السويس؛ بهدف تحسين الخواص الكيميائية والفيزيائية للتربة والمحصول واستخدام الماء في زراعة الفول.
الجبس الزراعي
التجربة الزراعية المصرية – التي التقطها موقع (MDPI) المعني بالشؤون العلمية – اعتمد فيها الباحثون على وضع الجبس الزراعي والسماد الطبيعي وبعض الجسيمات النانوية في التربة المتأثرة بالملح، فيما تمت التغذية الورقية باستخدام جزيئات المنجنيز والسيلينيوم النانوية.
كثفت التجربة خطواتها من أجل الوقوف على تأثير الأسمدة والجسيمات النانوية على محصول الفول؛ حيث تركز إدارة التربة على تقليل الملوحة عن طريق الترشيح باستخدام الجبس الزراعي والسماد لتعديل حالة التربة.
بدا الهدف الرئيس من التجربة المصرية مستنداً إلى أن الكميات الزائدة من الصوديوم تتسبب في تشتيت التربة، في حين يتدخل الجبس الزراعي لمنع هذه المشكلة، كما أن مهمة السماد إعادة بناء الخصائص الفيزيائية والكيميائية للتربة وإعادة إنشاء التجمعات الميكروبية والأنشطة فيها، خصوصاً ذات البنية الضعيفة والمواد العضوية المنخفضة.
ويمكن أن يؤدي إضافة السماد للتربة إلى التخفيف من الآثار السلبية للملوحة من خلال تعديل وظائف النبات الرئيسية، بما في ذلك النمو وامتصاص المغذيات لزيادة المحصول والبروتين الخام في الفول.
توقعات مخيفة بتأثير ملوحة التربة على 50% من الأراضي الصالحة للزراعة بحلول عام 2050 ما دفع جهات بحثية عالمية وعربية إلى إجراء تجارب مختلفة على أمل التصدي لتلك الظاهرة
يمكن للأسمدة النانوية كذلك أن تعزز قدرة النباتات على امتصاص العناصر الغذائية من التربة والنمو الصحي للنبات وتحمله للضغوطات الحيوية وغير الحيوية وزيادة المحصول، كما تبين أن الاستخدام الورقي للأسمدة النانوية مناسب للتجارب الميدانية؛ لأنه يغذي النباتات تدريجياً بطريقة محكومة مقارنةً بالأسمدة المملحة مع التحكم في السمية التي قد تحدث بعد تعديل التربة بالعناصر الغذائية نفسها.
وفق التجربة نفسها تم التحقق من دور الجسيمات النانوية المغذية في محاصيل مثل الأرز والفول والموز التي تتعرض للضغط، وثبت أن هذه الجسيمات تعمل على تحسين إنتاجية المحاصيل تحت ضغط الملوحة، من خلال تحسين كفاءة استخدام المياه، وتعزيز تدفق الأيونات، وكفاءة التمثيل الضوئي للنبات، وإنتاج البروتينات المشاركة في تفاعلات الأكسدة والاختزال.
التوصيل الكهربائي من الطرق المُتبعة لقياس التربة، وقد كشف بدوره عن انخفاض نسبة الملوحة بعد إضافة السماد والجبس، ووصل قياسها إلى 4.72 و6.86 ديسي سيمنز لكل متر، وحدث ذلك عن طريق تصفية أيونات الملوحة من التربة.
لاحظ الباحثون المصريون تسجيل أعلى قيم إنتاجية في موسمي الزراعة بفضل الجبس والسماد والتغذية الورقية؛ حيث وصلت قيم محصول البذور إلى 2544.79 و2559.19 كجم / هكتار والقش إلى 3817.20 و4099.99 كجم / هكتار.
هذه النتائج تعكس الدور الفعال لثلاثية السماد والجبس والتغذية الورقية في تحسين الخواص الفيزيائية والكيميائية للتربة؛ ما أدى إلى زيادة قدرة النبات على امتصاص الماء والعناصر الغذائية ومن ثم زيادة معدل الأيض ومحتويات الكلوروفيل والحمض الأميني "البرولين".
التقنيات النووية
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعاونت مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمساعدة البلدان التي تفقد أراضيها بسبب ملوحة التربة، وتطوير ممارسات زراعية ذكية مناخياً، وإيجاد حلول مستدامة عن طريق تثبيت النيتروجين البيولوجي؛ حيث دربوا 60 باحثاً من عشرة بلدان بين عامي 2014 و2019 على إدارة التربة والمغذيات والمياه لمكافحة الملوحة.
العلماء الذين تم تدريبهم كانوا من السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان وقطر واليمن والعراق والأردن ولبنان وسوريا بهدف استخدام التقنيات النووية لتحسين غلة المحاصيل في التربة المتأثرة بالملوحة من خلال تحديد كمية النيتروجين والمياه التي تتطلبها النباتات.
وكالة الطاقة الذرية تعاونت مع (الفاو) لمساعدة 10 دول عربية على معالجة ملوحة التربة وتطوير ممارسات زراعية ذكية مناخياً عن طريق تثبيت النيتروجين البيولوجي
ففي تصريح للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قال محمد زمان عالم التربة واختصاصي التغذية النباتية في القسم المشترك بين الوكالة والمنظمة، إن التدريب شمل استخدام مجسات "النيوترونات" لمراقبة مستويات رطوبة التربة، والتقنيات النظيرية التي تستخدم النظائر المستقرة للمساعدة في تتبع مدى فاعلية استجابة المحاصيل للأسمدة وامتصاصها.
من خلال استخدام مياه الري المناسبة، يمكن تحسين الظروف الفيزيائية والكيميائية للتربة مع مرور الوقت؛ حيث يتم التخلص من الملح المتراكم، وبالفعل تمكن المزارعون في البلدان المشاركة في التدريب من زراعة محاصيل مختلفة بنجاح وتحقيق إنتاجية عالية، ومن أمثلتها زراعة الشعير في الأردن، والكينوا في دولة الإمارات العربية المتحدة.
دول عربية عدة دخلت في سباق مع الزمن والمناخ معاً محاولةً للوصول إلى أهداف الاستدامة بقطاع الزراعة، ومواجهة العواقب في زراعة المحاصيل؛ منعاً لتهديد الأمن الغذائي.