هل تخيلت يوماً أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم في صنع وصفة لصناعة الأسمنت في ثوانٍ فقط؟ ليس أي نوع من الأسمنت، بل أسمنت صديق للبيئة يساعد في تقليل التلوث وانبعاثات الكربون!
في السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح أن صناعة الأسمنت تُعتبر من أكثر الصناعات التي تزيد من معدلات التلوث البيئي، حيث تنتج نحو 8٪ من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، ويرجع ذلك إلى الكلنكر، وهو المادة الأساسية في صناعة الأسمنت، التي تحتاج إلى حرارة عالية جدًا أثناء التصنيع، مما ينتج عنه كميات ضخمة من الغازات الضارة.
الذكاء الاصطناعي والأسمنت المستدام
هنا جاء دور الذكاء الاصطناعي، ليقدم حلاً مبتكراً وسريعاً، فبدلاً من إجراء التجارب المعملية التي تستغرق شهوراً لاكتشاف خلطة جديدة من الأسمنت، يقوم الذكاء الاصطناعي الآن بإنشاء تركيبات جديدة في ثوانٍ فقط.
ووجد باحثو الذكاء الاصطناعي في سويسرا طريقةً لخفض البصمة الكربونية للاًسمنت بشكل كبير من خلال إعادة تصميم تركيبته، إذ يحاكي نظامهم آلاف تركيبات المكونات، ويحدد بدقة تلك التي تحافظ على قوة الأسمنت مع انبعاثات أقل بكثير من ثاني أكسيد الكربون، ويحدث كل ذلك في ثوانٍ.
فعند خلط الأسمنت بالماء والرمل والحصى، يتحول إلى خرسانة، وهي مادة البناء الأكثر استخداماً في العالم. ومع ذلك، يُطلق إنتاج الأسمنت كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، حيث يستخدم الباحثون في معهد بول شيرر الذكاء الاصطناعي والنمذجة الحاسوبية لتطوير تركيبات بديلة يُفترض أن تكون أكثر مراعاةً للمناخ.
طريقة تصنيع الأسمنت المستدام
وقد طوّر باحثون في معهد بول شيرر (PSI) نموذجاً قائماً على الذكاء الاصطناعي، يُسهم في تسريع اكتشاف تركيبات إسمنتية جديدة تُحقق نفس جودة المواد مع بصمة كربونية أفضل.
يتم تسخين الأفران الدوارة في مصانع الأسمنت إلى درجة حرارة عالية تبلغ 1400 درجة مئوية، لحرق الحجر الجيري المطحون وتحويله إلى الكلنكر، المادة الخام للأسمنت الجاهز للاستخدام.
ولا يمكن تحقيق هذه الدرجات من الحرارة عادةً بالكهرباء وحدها، فهي ناتجة عن عمليات احتراق كثيفة الاستهلاك للطاقة، تُصدر كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، لكن المثير للدهشة أن عملية الاحتراق تُمثل أقل من نصف هذه الانبعاثات، أي أقل بكثير، ومعظمها موجود في المواد الخام اللازمة لإنتاج الكلنكر والأسمنت: يُطلق ثاني أكسيد الكربون، المرتبط كيميائياً بالحجر الجيري، أثناء تحويله في الأفران عالية الحرارة.
استراتيجيات واعدة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون:
فإن إحدى الاستراتيجيات الواعدة لخفض الانبعاثات هي تعديل تركيبة الأسمنت نفسها، أي استبدال بعض الكلنكر بمواد أسمنتية بديلة، وهذا بالضبط ما يبحثه فريق متعدد التخصصات في مختبر إدارة النفايات التابع لمركز الهندسة والعلوم النووية التابع لمعهد PSI.
فبدلاً من الاعتماد كلياً على التجارب التي تستغرق وقتاً طويلاً أو عمليات المحاكاة المعقدة، طور الباحثون نهجاً للنمذجة قائماً على التعلم الآلي.
ومن جانبها، أوضحت عالمة الرياضيات رومانا بويغر، المؤلفة الرئيسية للدراسة: "هذا يسمح لنا بمحاكاة وتحسين تركيبات الأسمنت بحيث تنبعث منها كميات أقل بكثير من ثاني أكسيد الكربون مع الحفاظ على نفس المستوى العالي من الأداء الميكانيكي".
وأضافت: "بدلاً من اختبار آلاف الاختلافات في المختبر، يمكننا استخدام نموذجنا لابتكار وصفات عملية للأسمنت وصديقة للبيئة في غضون ثوانٍ".