مع انطلاق مشاعر الحج بمشاركة مئات الآلاف من المسلمين، وتقديرات سعودية بمليوني حاج لموسم 2023، يضع المهتمون بالبيئة داخل المملكة وخارجها نُصب أعينهم، التأثير البيئي لهذا التجمع الضخم، ويبحثون عن حلول مستدامة لضمان حج أكثر خضرةً وصديقة للبيئة.
ومع ارتفاع مؤشرات البورصة الخضراء المعنية بالحفاظ على أسهم الكوكب من أجل الأجيال القادمة، يركز المعنيون بشؤون البيئة على أهمية مساعدة السلطات السعودية في التخلص من فضلات الأضاحي والنفايات المرتبطة بها؛ منعاً لأي ملوثات ترتبط بالمياه أو الغازات الضارة، خاصةً أنه في عام 2019 تم ذبح أكثر من مليون أضحية للحجيج، وفقاً لـ"إرث أورج".
قائمة النصائح تمتد إلى أهمية التفكير في استخدام مواد تغليف صديقة للبيئة، وتقليل البصمة البيئية المرتبطة بالنقل والتوزيع بما يتوافق مع مبادئ الاستدامة، علاوةً على أهمية المساعدة في التخلص من الكميات الهائلة من النفايات، وتحديداً الزجاجات البلاستيكية وتغليف المواد الغذائية وغيرها من المواد التي تُستخدَم لمرة واحدة، ضماناً لعدم تلوث البيئة أو لعدم تلويث مصادر المياه أو الإضرار بالحياة البرية.
بات نحو مليونَي حاج مطالبين بترشيد استهلاك المياه، خصوصاً لأغراض الوضوء والشرب والنظافة الشخصية؛ إذ يشكل الطلب المفرط على المياه أثناء الحج ضغطاً على موارد المياه المحلية، خاصةً في منطقة مكة المكرمة.
أما ملابس الإحرام فليست بعيدة أيضاً عن صداقة البيئة التي يمكن تحقيقها بتوجيه تلك الملابس إلى جمعيات مساعدة الفقراء لإعادة توزيعها، خصوصاً أن الحجاج يشترون ملابس خاصة لأداء المناسك، منعاً من زيادة معدلات نفايات النسيج، وتعزيز ثقافة الموضة المستدامة في الحج.
تكنولوجيا سعودية
السلطات السعودية بدورها دخلت في سباق مع الزمن، عاماً بعد الآخر، بهدف الانتقال إلى ما يمكن تسميته الحج الأخضر، فكان قطار المشاعر المقدسة الذي يسهم في نقل مئات الآلاف من الحجاج أحد أوجه ذلك؛ إذ بات بديلاً لما يقارب 50 ألف حافلة ركاب تسير على الطرق أثناء موسم الحج، وهو ما يخفض الانبعاثات الكربونية.
تتزايد النصائح لأكثر من مليوني حاج بأهمية توجيه ملابس الإحرام إلى جمعيات تعيد توزيعها على المحتاجين تعزيزاً لثقافة الموضة المستدامة للحج
وقطار المشاعر المقدسة من القطارات الصديقة للبيئة؛ حيث يعمل بالطاقة الكهربائية؛ ما يجعل مستوى انبعاثاته الكربونية صفريّاً، ويسهم في الحفاظ على البيئة بمنطقة المشاعر المقدسة، والحفاظ على الصحة العامة لحجاج بيت الله الحرام.
للقطار أسلوب تشغيلي خاص به ليس في أي قطار آخر في العالم؛ حيث يعمل بالنظام الترددي مثل المترو، فيتم تنظيم حركة القطار وفقاً للاحتياج اليومي في موسم الحج، وبحسب النسك المفروضة لكل يوم، فيتم من خلال مركز التشغيل والتحكم بالمقر الرئيسي لإدارة القطار، تحديد مواقع مرور وتوقف القطار؛ وذلك من خلال خمس حركات مختلفة تبدأ من اليوم السابع من ذي الحجة حتى نهاية أيام التشريق.
ليس هذا فحسب، بل تعتمد منطقة مكة المكرمة حافلات للنقل العام تساهم في الحد من التلوث وحماية البيئة لتقليل الاعتماد على السيارات الصغيرة وسيلةً للنقل، وتطوير نظام النقل ليكون مستداماً، خصوصاً في المشاعر المقدسة.
وتمتد الإجراءات نفسها إلى محطة لمبيت الحافلات تحوي أنظمة إطفاء وحماية البيئة، وتقليل الانبعاثات الكربونية وأنظمة الحماية من خلال كاميرات المراقبة، ونظام تفادي الاصطدام، وشاشات إلكترونية توضح الوجهة المراد الوصول إليها.
خدمات مبتكرة تمتد خارطتها إلى الحافلات الترددية (الذاتية القيادة) ومشروع (تبريد الطرق) في مكة المكرمة والمدينة المنورة، اللتين تستقبلان مليونَي حاج للمرة الأولى منذ سنة 2019؛ أي بعد انتهاء جائحة كورونا.
وتحرص المملكة على الارتقاء بجودة تجربة الحجاج في المنطقة، وتعزيز المحافظة على البيئة؛ إذ تعمل الحافلات الجديدة على جمع معلومات البيئة المحيطة وتحليلها من خلال الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومجموعة أخرى من الكاميرات والحساسات الدقيقة؛ الأمر الذي يجعلها فائقة التطور والحداثة.
ممواجهة احترار الشوارع
أما الخطوة الأكثر استدامةً فتتمثل في تنفيذ مشروع تبريد الأسطح الأسفلتية للطرق بمكة والمشاعر المقدسة؛ لخفض درجة الحرارة وخدمة وراحة الحجاج؛ حيث تعمل على معالجة ظاهرة "الجزيرة الحرارية" التي تؤدي إلى زيادة استهلاك الطاقة وتلوث الهواء، وسببها امتصاص الطرق للحرارة نهاراً وإطلاقها ليلاً، وتمت معالجتها باستخدام تقنية الأرصفة الباردة (تبريد الإسفلت).
وظاهرة التبريد عبارة عن عدة مواد محلية الصنع لها القدرة على امتصاص كميات أقل من أشعة الشمس؛ حيث تعمل هذه المادة على عكس الأشعة، فتكون درجة حرارة سطحها أقل من الأرصفة التقليدية.
نصائح للحجاج
المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي في السعودية لا تتوقف نصائحه للحجاج عبر أدلة إلكترونية تقدم لهم خريطة "خضراء" لكيفية التصرف، تستند إلى ضرورة عدم فتح صنبور المياه إلا عند الحاجة، واستخدام عبوات يمكن استخدامها أكثر من مرة، والإبلاغ عن أي تسرب مياه، وشراء الطعام بكميات تتناسب مع الحاجة للتقليل من كمية النفايات، وتهوية المخيمات وأماكن الإقامة بشكل مستمر حفاظاً على جودة البيئة الداخلية للمخيمات.
على الحجاج ترشيد استهلاك المياه خصوصاً لأغراض الوضوء والشرب والنظافة الشخصية في ظل ندرة مصادر المياه بمكة المكرمة
ومن الأمور البيئية المرتبطة بالصحة العامة، عدم البصق في الحرم والساحات والمشاعر المقدسة والطرقات؛ ما يؤدي إلى انتشار البكتيريا والفيروسات الضارة بالبيئة والإنسان، وأهمية الالتزام بعدم قطع الأشجار والشجيرات أو الإضرار بها، واستخدام دورات المياه، وعدم قضاء الحاجة في غير الأماكن المخصصة لها.
والحاج مطالب أيضاً بإطفاء المصابيح الكهربائية بمجرد انتهاء حاجته إليها، وعدم تحميل التوصيلات الكهربائية فوق طاقتها، وإطفاء أجهزة الشحن والأدوات الكهربائية الأخرى عند الانتهاء من استخدامها وعدم الحاجة لها، مع أهمية شراء الأجهزة الموفرة للطاقة قدر الإمكان.
يضاف إلى ذلك الحرص على عدم إصدار الضوضاء والأصوات العالية، والمساهمة في تقليل معدلات الضوضاء بالحج، وعدم إشعال النار داخل المخيمات لتجنب مخاطر الحرائق وانبعاثات الغازات الضارة بالبيئة والإنسان، وتجنب التدخين في موسم الحج لعدم الإضرار بالحجاج والمحافظة على بيئة الحج من الملوثات الهوائية، وعدم تسلق المرتفعات الجبلية، خاصةً في عرفات ومزدلفة؛ ما يؤثر على الأشجار والشجيرات أو الإضرار بها، وعدم نصب الخيام بجوار المنحدرات الجبلية تجنباً لتساقط الصخور والتأثير على بيئة الكائنات الحية الفطرية.
توسع أخضر
وقبل سنوات، توسعت المملكة في زراعة أشجار النيم التي دخلت السعودية بفضل هدية مقدمة من الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري بهدف زراعتها في عرفات لتظليل الحجاج هديةً من بلاده، وكان عددها نحو 10 آلاف شتلة، إلا أن عددها أصبح نصف مليون شجرة في عرفات ومزدلفة والمشاعر المقدسة، وفقاً للخبير الزراعي السعودي سليمان السهلي.