مع تفاقم مشاهد الدمار التي خلفتها حرائق لوس أنجلوس منذ اشتعالها في 7 يناير الجاري، والتي وصفها حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم بـ"أسوأ كارثة طبيعية في تاريخ الولايات المتحدة" من حيث الدمار والتكلفة، تعود أزمة حرائق الغابات في العالم إلى الواجهة من جديد.
وفي حين أن حرائق الغابات تشكل جزءاً طبيعياً في العديد من النظم البيئية، فقد حذر العلماء من أنها أصبحت أكثر تواتراً وانتشاراً بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية وزيادة وتيرة الأحداث الجوية المتطرفة، ما يؤدي إلى التهام مساحات شاسعة من النباتات والأراضي بسرعة، حسب بيانات أطلس الحرائق العالمي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.
أسباب حرائق الغابات
تُظهر بيانات الخرائط من وكالة "ناسا" انتشار حرائق الغابات نتيجة لعدد من العوامل طبيعية، والتي تتزايد بسبب التغيرات المناخية، منها قلة هطول الأمطار والجفاف والبرق، على غرار الحرائق الشائعة في الغابات الشمالية في كندا خلال فترات الصيف.
بينما هناك أنماط أخرى من الحرائق تكون نتيجة للنشاط البشري سواء متعمدة أو عرضية، مثل حرائق غابات الأمازون المطيرة في قلب أمريكا الجنوبية خلال شهري أغسطس وأكتوبر الماضيين.
وتقع الحرائق الزراعية في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا خلال أواخر موسم الشتاء وأوائل الربيع سنوياً، أما في قارة أفريقيا تزداد الحرائق مع اشتداد موسم الجفاف.
وتشهد القارة السمراء أكبر نسبة من مساحة الأرض التي تتعرض لحرائق الغابات مقارنة بإجمالي مساحة القارة، حيث تتراوح النسبة عادة من 6% إلى 8% سنوياً من إجمالي مساحة الأرض الإفريقية، مع ملاحظة أن بعض المناطق قد تحترق عدة مرات خلال العام، حسب نظام معلومات حرائق الغابات العالمي (GWIS) الصادر عن مرصد كوبرنيكوس للمناخ التابع للاتحاد الأوروبي.
الأقاليم الجغرافية النشطة
تعد حرائق الغابات أكثر شيوعاً داخل أقاليم معينة حول العالم، هي أقصى شرق روسيا ومنطقة سيبيريا، وكندا، والولايات المتحدة، وأستراليا والبرازيل وإقليم البحر المتوسط.
ويرتبط شيوع حرائق الغابات بمجموعة من العوامل منها مستويات الرطوبة والحرارة، ونوع الغطاء النباتي في البيئة المحيطة، واتجاه الرياح وسرعتها.
إقليم البحر الأبيض المتوسط
وإذا تناولنا حوض المتوسط بالتفصيل، سوف نجد أن الجزائر من أكثر دول حوض المتوسط تضرراً، وتأتي في المرتبة الثالثة من حيث مساحة الأراضي البرية المحترقة نتيجة اندلاع موجات الحرائق الغابيَّة على مستوى الإقليم، وخسرت البلاد ما يقرب من 70 ألف هكتار من الغابات بين عامي 2006 و2024، حسب موقع البيانات العالمي statista.
وخلال نفس الفترة، فقدت سوريا نحو 43 ألف هكتار من الغابات، بينما خسرت تونس 8 آلاف هكتار، أما المغرب تقدر خسرتها بحوالي 6 آلاف هكتار.
وتُظهر تقارير الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، أن أسباب حرائق الغابات في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط تعود إلى التنمية الحضرية وسوء الإدارة الريفية والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، بالإضافة إلى تداعيات تغير المناخ، ومنها طول فترات الجفاف والأحداث المتطرفة مثل ارتفاع درجات الحرارة والهواء الجاف والرياح القوية والعواصف المفاجئة.
وشهد عام 2023 نشاطاً قياسياً لحرائق الغابات في منطقة شمال أفريقيا، وكان تأثير هذه الحرائق محسوساً في مناطق بعيدة، حيث أظهرت تحليلات وبيانات خدمة كوبرنيكوس لمراقبة الغلاف الجوي (CAMS) أعمدة الدخان تنتقل عبر خليج غينيا وتعبر المحيط الأطلسي الاستوائي حتى أمريكا الجنوبية.
كما اندلعت عدة حرائق بالغابات الكبيرة في شمال الجزائر، وانتشرت بسرعة مما أدى إلى عمليات إجلاء سريعة، وتُظهر بيانات (CAMS) زيادة عدد الحرائق وشدتها في الجزائر.
الأثر البيئي
تتسبب حرائق الغابات في خسائر بشرية واقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى الأضرار البيئية التي تؤثر على الغلاف الجوي والهواء والنظم البيئية بشكل عام وقد تمتد تداعياتها لوقت طويل.
الانبعاثات الكربونية
تؤدي حرائق الغابات إلى انبعاثات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، حيث يتم إطلاق الكربون المخزن في الأشجار والأراضي العشبية والمحاصيل في الغلاف الجوي عند حرقها، وتقدر كمية ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرائق الغابات على مستوى العالم ما بين 5 إلى 8 مليارات طن سنوياً، حسب نظام معلومات حرائق الغابات العالمي (GWIS).
انبعاثات قياسية عام 2024 بسبب الحرائق
وشهد العام الماضي نشاطاً مكثفاً لحرائق الغابات، وكانت قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية الأكثر تضرراً، وفقاً لبيانات (CAMS)، مع ارتفاع نسبة الحرائق في غابات القطب الشمالي.
وساهمت هذه الحرائق في دفع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية، وتُظهِر البيانات أن الأرض تتجه إلى عالم أكثر خطورة مليء بالأحداث المناخية المتطرفة بشكل متسارع، وفقاً لصحيفة "الجارديان".
وأوضح البروفيسور ريتشارد بيتس من مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ارتفعت بمقدار 3.6 جزء في المليون عام 2024، وهو معدل أعلى من توقعات مكتب الأرصاد الجوية البالغة 2.8 جزء في المليون.
وأضاف "بيتس" أن هذا الارتفاع القياسي في مستويات الانبعاثات الكربونية المسببة للاحترار العالمي ربما كان نتيجة لحرائق الغابات المدمرة، التي أطلقت مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون، وخاصة في الأمريكتين جراء أزمة المناخ.
تلوث الهواء
يؤدي حرق الأشجار والنباتات إلى انبعاث ملوثات الهواء مثل الكربون الأسود والمركبات العضوية المتطايرة وأكاسيد النيتروجين، وهي مركبات ضارة بصحة الإنسان، قد تؤدي إلى مشاكل في الجهاز التنفسي، أو ترتبط بالوفاة المبكرة بسبب أمراض القلب والسكتات الدماغية.
وتعد الجسيمات الدقيقة "PM2.5" أحد الملوثات الرئيسية المثيرة للقلق، حيث يمكن أن تخترق الرئتين بعمق وتؤثر على جودة الهواء.
التنوع البيولوجي
وفقاً للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، تهدد حرائق الغابات موائل الكائنات الحية داخل نقاط التنوع البيولوجي الساخنة في العالم، أو المناطق البرية التي تضم أعداداً كبيرة من الأنواع المتوطنة النادرة والمعرضة للانقراض.
وهناك 34 منطقة ساخنة للتنوع البيولوجي مُعترف بها دولياً، يقع بعضها في منطقة البحر الأبيض المتوسط مما يعرض هذه النظم البيئية النادرة والأنواع المتوطنة إلى الخطر بسبب الحرائق.
وهناك قلق متزايد بشأن تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على وتيرة حرائق الغابات وشدتها، حيث تساهم موجات الجفاف والحرارة في زيادة قابلية اشتعال المناظر الطبيعية واحتمال اندلاع حرائق غابات واسعة النطاق في بعض أجزاء العالم.
ويدعو الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة إلى وضع وتنفيذ سياسات وقائية صارمة وآليات تمويل لمعالجة الأسباب الجذرية لحرائق الغابات ومن أهمها أزمة المناخ.