تستضيف العاصمة السعودية الرياض، الشهر المقبل، الدورة السادسة عشر لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر "كوب 16"، حيث تتكاتف الجهود لمواجهة الظاهرة التي تأتي ضمن أكبر الأخطار البيئية المُهددة للبشر في عصرنا الحالي.
قضية التصحر ليست كمثيلاتها من الأزمات البيئية ذات الآثار الواضحة، لكنها تملك أبعاداً متعددة ومتشعبة التداعيات، وليس من المبالغة وصفها بـ"أم الكوارث المناخية"؛ فهي تضرب مناحي الحياة كافة، وتتسبب في ضرر مباشر للإنسان والكوكب.
لا يشير مصطلح التصحر إلى تقدم الصحاري فقط بل تشمل التدهور المستمر للأراضي الجافة بسبب أنشطة البشر مثل الزراعة غير المستدامة، والتعدين، والرعي الجائر، وإزالة الغابات بجانب تغير المناخ، وفقاً لموقع الأمم المتحدة.
التصحر يلتهم الأراضي الخضراء ويحولها إلى تربة قاحلة، ومن هنا تبدأ سلسلة الكوارث المتشابكة، لكن في البداية دعونا نوضح الدور الذي تلعبه الأرض لاستمرار الحياة على الكوكب.
أهمية الأراضي السليمة
تقدم النظم البيئية الأرضية، بما في ذلك التربة والغطاء النباتي، خدمات حاسمة وحيوية لحياة الإنسان من موارد المياه والغذاء وتنظيم المناخ وجودة الهواء والصحة، وغيرها من الخدمات الأساسية، إضافةً إلى دورها الرئيس في دعم التنوع البيولوجي.
تحتضن الأرض مصادر الحياة لجميع الكائنات الحية؛ حيث يأتي من التربة نحو 99.7% من الطعام، بناءً على قيمة السعرات الحرارية، بينما يُستخرج 75% من المياه العذبة المتاحة من سطح أو باطن الأرض "المياه الجوفية".
وعلى سطح الأرض ينمو الغطاء النباتي، الذي يؤمن استقرار 80% من التربة، ما يمنع التآكل والانهيارات الأرضية التي تهدد وجود الكائنات الحية، حيث تعمل التربة والغطاء النباتي بمثابة مصارف كربون طبيعية هائلة، وتخزن كمية من الكربون تزيد 3 مرات عن الغلاف الجوي، وتعيد عملية التمثيل الضوئي استهلاك 240 جيجاتون من الكربون سنوياً، ما يساعد على تنظيم مناخ الأرض.
تعزز النظم الأرضية والغابات الحفاظ على صحة الكائنات الحية، عبر إنتاج الأكسجين والتخفيف من التلوث والغبار والجسيمات المحمولة في الهواء، حيث تشكل الغابات مصدراً لـ25% من الأدوية، وتدعم الأرض التنوع البيولوجي، إذ توفر المراعي والغابات 80% من موائل الحيوانات والنباتات.
كوارث يصنعها التصحر
كل هذه الخدمات البيئية التي تقدمها الأرض الأدوار الحيوية التي تلعبها في حياة البشر والحيوانات والنباتات قد تأثرت فعلاً بالتصحر، الذي تسلل إلى التربة وعمل على تدهور غطائها السليم ثم فرض سيطرته عليها خلال العقود الماضية، حيث تُقدر الأراضي المتدهورة حالياً بنحو 2 مليار هكتار حول العالم، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة الصادر عن اتفاقية مكافحة التصحر.
يبدو التصحر مثل الأخطبوط، الذي يمتلك رأساً واحدة لكن لديه عدة أذرع طويلة ومرنة، يمكن لكل منها أن يطول ويقصر حتى يتمكن من خداع فرائسه، وبينما يمثل تدهور الأراضي الرأس فقط ، فهناك 5 أذرع لظاهرة التصحر تهدد البشرية وتتسبب في نزيف من الخسائر البيئية والمناخية والاجتماعية والاقتصادية تتمثل فيما يلي:
1-كارثة الأمن الغذائي العالمي
تسبب التصحر في حدوث عدة كوارث عبر أذرعه المتشعبة، لكن يبقى الذراع الأقوى والأكثر ضراوة هو الذي يضرب الأمن الغذائي، حيث أدى تدهور الأراضي والجفاف إلى فقدان 20% من الأراضي الزراعية حول العالم، ومن المتوقع أن ينتج عن ذلك انخفاض السلع الغذائية العالمية بنسبة 12% بحلول عام 2040، فضلاً عن تآكل التربة والحد من احتباس المياه داخلها.
2-كارثة فقدان التنوع البيولوجي
فقدان أكثر من 50% من التنوع البيولوجي يعود إلى خسارة الموائل الطبيعية، التي تأوي النباتات والحيوانات والطيور مثل المراعي والغابات والمحميات، حيث تعرضت هذه الموائل لتدهور الأراضي والتصحر لعدة أسباب بشرية ومناخية.
3-كارثة المناخ وأزمة الكربون
إزالة الغطاء النباتي والزراعة غير المستدامة، كلها أنشطة مسؤولة عن حوالي 24% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتفاقم أزمة الكربون العالمية، وتتجاوز هذه النسبة قطاعات كبرى تعتمد على الوقود الأحفوري، مثل قطاع النقل الذي ينتج 14% من الانبعاثات العالمية.
4-كارثة إنسانية
يعاني 3.2 مليار شخص حول العالم من تدهور الأراضي، حيث تسبب التصحر في نشر الفقر وضرب الاستقرار الاجتماعي وتشريد السكان المحليين، ومن المتوقع أن يؤدي إلى نزوح حوالي 50 مليون شخص بالعالم بحلول عام 2030، النسبة الأكبر في قارتي آسيا وإفريقيا، حيث سيضطر مليارات الأشخاص إلى النزوح من الأراضي الجافة التي يعيشون فيها.
5-كارثة اقتصادية
تتراوح التكلفة السنوية لتدهور الأراضي بالعالم من 6 إلى 11 تريليون دولار، بسبب تدهور وفقدان خدمات النظم الأرضية والتي تؤثر في مجالات شتى.
مستقبل الأرض
حسب تقرير الأمم المتحدة، إذا استمر التدهور بالوتيرة ذاتها، فمن المتوقع أن تقترب مساحة الأراضي المتدهورة من حوالي 6 مليارات هكتار بحلول عام 2050.
وبالرغم من الوسائل والأهداف المتفق عليها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فإن التقدم المُحرز في مكافحة تدهور الأراضي والجفاف لا يزال ضعيفاً للغاية، بسبب انخفاض الوعي لدعم وتعبئة الموارد لمواجهة هذه الظواهر الخطيرة، وعدم تخصيص سوى 3.4% من تمويل قضية المناخ لقطاعات الزراعة والغابات والاستخدامات الأخرى للأراضي.
هناك حاجة ملحة لزيادة الاهتمام العالمي والجهود المبذولة للحد من تدهور الأراضي وتعزيز التنمية الزراعية، وهنا يأتي دور مؤتمر الأطراف الـ16 لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16) الذي من المقرر انعقاده في السعودية من 2 إلى 13 ديسمبر المقبل، تحت شعار "أرضنا.. مستقبلنا"، من أجل توحيد جهود العالم في مواجهة التصحر والجفاف، حتى تستطيع البشرية اجتثاث رأس الأخطبوط وتقطيع أذرعه بالكامل.