يعد اليمن من الدول المعرضة بشدة لتداعيات تغير المناخ مثل الجفاف والفيضانات الشديدة، وتفشي الأمراض، علاوة على العواصف المتطرفة، وارتفاع مستوى سطح البحر.
كل هذه المخاطر تمثل تحدياً صعباً للبلاد لأن اقتصاد اليمن يعتمد إلى حد كبير على موارده الطبيعية الريفية، علاوة على ذلك، فإن نسبة كبيرة من السكان يعيشون في المجتمعات القروية ويعملون في الزراعة والرعي، وبالتالي يعتمدون على الظروف الجوية المواتية لسبل عيشهم.
وفي محاولة للبحث عن حلول مناخية تلائم المجتمع المحلي اليمني وتتوافق مع ظروفه من أجل تحقيق تكيف مناخي مستدام، تعرض "جرين بالعربي" معضلة اليمن البيئية التي تناولها تقرير المركز اليمني للسياسات "YPC" حول آثار ارتفاع درجات الحرارة، وتراجع الموارد في المجتمعات الزراعية والساحلية باليمن، حيث تؤكد نتائج التقرير إلى التأثير السلبي للتغير المناخي على البلاد، والذي سوف يتفاقم في ظل الفقر وظروف البطالة.
استهدف التقرير منطقتين في اليمن باعتبارهما نموذجين للتداعيات المناخية على الفئات الهشة، والأكثر عرضة للأزمة وعواقبها المستقبلية، كما شارك في البحث أصحاب الشأن من السكان المحليين:
النموذج الأول: مديرية حجر بمحافظة حضرموت في شرق البلاد
النموذج الثاني: مديرية التواهي بمحافظة عدن في جنوب البلاد
مديرية حجر
محافظة حضرموت ذات تاريخ طويل، وعرفت أنظمة الري القديمة منذ زمن بعيد، وينطبق ذلك على منطقة حجر التي تتكون من مجموعة قرى مبنية حول وادي حجر، الذي يعد أحد الأودية القليلة باليمن التي تجري بها المياه طوال العام.
هذه الطبيعة الجيولوجية الخاصة للمكان جعلت الزراعة هي المهنة الأقدم للسكان، وتعتبر المديرية واحدة من أكثر المناطق الزراعية إنتاجاً بالمحافظة وخاصة إنتاج التمور.
وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل في استخدام وإدارة موارد المياه فالوضع في المديرية يزداد تعقيداً، بسبب عدة عوامل من أهمها التغير المناخي الذي يلقي بظلاله على ظروف الحياة في المنطقة.
مظاهر تغير المناخ في مديرية حجر
يذكر التقرير أن المديرية معرضة بشكل استثنائي للتأثيرات المناخية، التي باتت واضحة على أرض الواقع، وتتمثل في عدد من المخاطر الطبيعية مثل الفيضانات والانهيارات الأرضية والجفاف، ومن المرجح أن تتواتر هذه الظواهر مستقبلاً نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
فيضانات حجر
الموقع الجغرافي لحجر يجعلها أكثر عرضة للفيضانات حيث تقع المديرية في الوادي بين سلاسل جبلية، ومع تساقط المطر الغزير تتدفق المياه من الجبال إلى الوادي المنخفض بسرعة واندفاع، مثل فيضان أكتوبر 2008 الذي وصلت خسائره إلى 1.6 مليار دولار.
وتحملت محافظة حضرموت حوالي 70 % من إجمالي الأضرار، بما يشمل الخسائر البشرية والمادية بجانب تدمير البنية التحتية.
فيضان يونيو 2020، الذي أدى إلى تدمير المنازل وجرف مئات أشجار النخيل، ونتج عنه تراجع إنتاجية الزراعة والثروة الحيوانية، مع نزوح حوالي 450 عائلة من إحدى قرى الحجر.
ولا يقف ضرر الفيضانات على إتلاف المحاصيل والخسائر المؤقتة، لكنها تؤثر على النظام الزراعي لوقت طويل لأنها تدمر البنية التحتية للري مثل القنوات والحواجز مما يزيد من صعوبة حصول المزارعين على المياه لأغراض الري، وقد تكلف إصلاحات البنية التحتية للري مبالغ كبيرة خارج مقدرة المزارعين، مما يضر بالتربة ويعرضها للجفاف نتيجة ندرة المياه.
الجفاف
مع تعطل أنظمة الري بسبب الفيضانات الكارثية، أصبح جمع مياه الأمطار استراتيجية مهمة لتوفير احتياجات المزارعين والعائلات، ولكنها باتت أكثر صعوبة بسبب تغير المناخ وطول فترات الجفاف وتكرارها، وبالتالي لم يعد من السهل تخزين كمية مناسبة من الأمطار لتغطي مواسم الجفاف وتكفي الأراضي الزراعية التي تضررت بشكل كبير.
كما يتسبب طول مواسم الجفاف في انخفاض منسوب المياه الجوفية مما يدفع المزارعين لحفر آبار أعمق وأكثر كلفة، وبالتالي زيادة العبء المالي والبيئي.
الانهيارات الأرضية
تمثل الانهيارات الصخرية مشكلة في المديرية منذ عقود، لكن الأحداث المناخية المتطرفة تعمل على تسارع وتيرتها في الأعوام الأخيرة، حيث تتسبب الأمطار الغزيرة في خلخلة التربة على المنحدرات الشديدة للجبال، وينتج عن ذلك خسائر بشرية أحيانا وتدمير البيوت والمزارع.
انعدام الأمن الغذائي في مديرية الحجر
يلقي فقدان سبل العيش بظلاله على اقتصاد المديرية، خاصة مع اشتغال نسبة كبيرة من السكان بالزراعة ولاسيما من النساء، بجانب ارتفاع تكاليف القطاع الزراعي ومخاطر الري، انخفض عدد العاملين بالقطاع، وارتفع معدل ترك الأراضي والهجرة إلى الحضر بحثا عن فرص العمل.
كما تركت سلسلة الفيضانات التي ضربت المحافظة في السنوات الأخيرة أثراً مدمراً على الزراعة والمحاصيل، حيث انخفض الإنتاج إلى النصف تقريباً وخاصة صناعة التمور، بعد فقدان الآلاف من أشجار النخيل جراء الفيضان، وانخفاض الإنتاج من 1000 سلة يوميا إلى ما يقرب من 300 سلة، وفقا للتقرير.
وأدت الظروف الرطبة الناتجة عن الفيضانات وموجات الحر إلى تكاثر الحشرات الضارة والآفات مثل حشرة الدوباس، وهي آفة تصيب النخيل، وتفسد محصول التمر، وانتشار أمراض الماشية التي اجهدت الحيوانات وقللت من إنتاج وجودة اللحوم والثروة الحيوانية في المنطقة.
بالإضافة إلى أثار الفيضانات المتكررة، والتي تتسبب في اضطرابات رعي الماشية، مما يقلل دخل الأسر التي تعتمد عليها ويرفع من أسعار اللحوم.
نتج عن فقدان سبل العيش وانخفاض الإنتاج الزراعي زيادة انعدام الأمن الغذائي في المديرية، التي تعد واحدة من أفقر المناطق وأكثرها تهميشًا، وتتفاقم المشكلة مع زيادة عزلة المنطقة بعد انهيار الطرق والجسور بفعل الفيضانات مما يقلل الإمدادات الغذائية.
تداعيات التغير المناخي تترك أيضا أثرا اجتماعيا مع نقص البطالة وانخفاض الدخول مما يزيد من التوتر المجتمعي والصراعات ومعدلات الجريمة والأنشطة غير قانونية.
النموذج الثاني: مديرية التواهي
تقع المديرية في جنوب شرق محافظة عدن وتطل على خليج عدن، كانت في الماضي قرية صيد صغيرة، وتحولت إلى منطقة ساحلية يقصدها النازحين من الريف إلى المدن.
حوالي نصف السكان يمتهنون صيد الأسماك، حيث تعد المنطقة من أكثر المناطق خليج عدن ازدحامًا بالأسماك، تمتاز بشواطئ رملية أخاذة وتحيط بها الجبال تم تحويلها إلى أماكن سياحية تعود بفائدة اقتصادية على السكان المحليين، لكن كل ذلك مهدد بسبب تلوث البحر والظواهر المتطرفة.
مظاهر تغير المناخ في مديرية التواهي
ارتفاع مستوى سطح البحر
المناطق الساحلية في عدن مهددة بشدة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، ووفقا لدراسة نشرتها جامعة صنعاء، ارتفاع مستوى سطح البحر يؤدي الى زيادة تآكل السواحل، وغمر مساحة 43 كيلومتر مربع أي حوالي 5.7 % من إجمالي مساحة محافظة عدن، واعتبار مديرية التواهي من أكثر المناطق تضرراً بسبب انخفاض سطحها وقربها من البحر
تسرب المياه المالحة إلى إمدادات المياه الجوفية يشكل ضغطا على توافر المياه العذبة، التي تصبح أكثر ندرة، ولاسيما في مناطق عدن التي تعتمد على الآبار، وتعاني فعلا من ندرة المياه بسبب الإفراط في استخراج الموارد المائية تحت ضغط متزايد من تغير المناخ
الفيضانات
تتعرض المنطقة للفيضانات الناتجة عن هطول الأمطار الغزيرة المتواترة في السنوات الأخيرة بسبب تغير المناخ، وخلال العاصفة الاستوائية في 21 أبريل 2020 تم اعلان عدن مدينة منكوبة، وكانت تواهي من المناطق الأكثر تضرراً بسبب عدم التخطيط السليم وانهيار البنية التحتية
بسبب المستنقعات التي كونتها مياه الفيضانات وارتفاع الحرارة وانتشار البعوض، عانت عدن بعد حدوث الفيضان من ارتفاعً عدد حالات حمى الشيكونغونيا
التغير المناخي وارتفاع حرارة البحر يهددان الحياة البحرية والأمن الغذائي في مديرية التواهي
يؤدي ارتفاع درجة حرارة البحر إلى ابيضاض الشعاب المرجانية وزيادة الطحالب، وبالتالي تدهور جودة المياه.
بجانب ارتفاع مستويات الحموضة في البحر التي تجعل من الصعب على العديد من الكائنات البحرية تكوين الهياكل العظمية والأصداف، ونتيجة موت هذه الكائنات، تصبح النظم الايكولوجية بأكملها معرضة لخطر الانهيار.
كل ذلك قد يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي البحري والأرصدة السمكية حيث تعد الشعاب المرجانية الموائل الرئيسية لمجموعة كبيرة من الأنواع البحرية، وايضا تآكل وغمر الأراضي الرطبة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر يقلل من موائل الطيور المهاجرة والكائنات البحرية
ويهدد تغير المناخ والأمن الغذائي مجتمعات الصيادين بصفة خاصة، حيث يشير التقرير الى ان احجام الصيد والانتاج السمكي قد انخفضت جدا في الأعوام الأخيرة نتيجة هذه الظروف المناخية المتطرفة، ولذلك ابتعدت الأسماك عن الشاطئ وأجبر الصيادون على التوغل في المياه العميقة للصيد، مما يعرضهم للمخاطر وخسارة المعدات بسبب التيارات القوية والأعاصير.
بالإضافة إلى معاناة البيئة البحرية من التلوث النفطي والصيد الجائر الغير القانوني، واستخدام أساليب صيد مدمرة.
لا يقف أثر هذه الضربات المتتالية لصناعة الصيد على فئة الصيادين فقط، بل جميع الفئات لأن الأسماك تشكل جزءًا رئيسيا من النظام الغذائي المحلي بالمديرية، وقلة الأسماك تعني زيادة الاسعار بشكل لا تتحمله البيوت اليمنية.
الحلول المقترحة
يقترح التقرير مجموعة من التوصيات لمعالجة قضية التغير المناخ في اليمن بناء على منهج يدعم مشاركة المجتمع المحلي لأنه الوسيلة الأهم للخروج من الازمة:
1- وضع برنامج عمل يجمع كل الأطراف من السلطات الوطنية والمحلية والمجتمع المدني والمنظمات الدولية لتنسيق الجهود وتبادل المعلومات والتدابير اللازمة، وتوفير التمويل اللازم لتمكين المجتمع المحلي
2- تفعيل دور السلطات والمجالس المحلية لتنفيذ آليات التكيف على أرض الواقع، والتي تشمل تطوير أنظمة الإنذار المبكر، وضع خطط استجابة للطوارئ تعد خصيصًا لتتوافق مع ظروف كل منطقة، على سبيل المثال التخطيط لطرق الهجرة الآمنة في المناطق المعرضة للمخاطر الشديد.
تطوير خطط لتصميم وصيانة البنية التحتية المرنة، ولاسيما في المجتمعات الأعلى خطورة مثل السكان الذين يعيشون في الخيام أو في مجرى الفيضانات ،مع الأخذ في الاعتبار خبرات السكان المحليين ووسائلهم التقليدية
3- يجب معالجة الأمر على مستويين: قصير الأجل يتعلق بتخفيف المخاطر، مثل إنشاء صناديق لحالات الطوارئ لتعزيز جهود الإغاثة السريعة عند وقوع كوارث طبيعية.
والآخر طويل الأمد مع حلول ابداعية للتكييف المناخي مثل زراعة أشجار المانغروف واعتماد الطاقة المتجددة وأصناف المحاصيل المقاومة للجفاف، مع التركيز على التنمية المستدامة.
4- الاسترشاد بالبحث العلمي وخبرات المجتمعات المحلية، وإتاحة البيانات والمعلومات عبر منصة مفتوحة وسهلة الاستخدام، تساعد أصحاب القرار على تحديد المجتمعات "الساخنة مناخيا" والأكثر هشاشة.
5- تثقيف السكان، وخاصة الشباب، وبناء قدراتهم على إدراك علامات تغير المناخ وتطبيق الإجراءات اللازمة، ويمكن نشر المعلومات والبيانات، التي تساعد في رفع مستوى الوعي العام من خلال الحملات العامة والتوعية الإعلامية، ورش عمل تعليمية في المناطق الريفية مثل مديرية حجر،أو عن طريق جلسات التوعية في المدارس والمساجد وعبر الراديو.
بينما في المناطق الحضرية مثل مديرية التواهي، يمكن مشاركة المعلومات عبر المزج بين وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، بما في ذلك الراديو والتلفزيون والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة لتطوير تطبيقات الهاتف المحمول.
ويشير التقرير إلى إمكانية استغلال المحتوى الفني مثل الشعر والقصة والفنون المحلية والمسرح لزيادة إشراك السكان، مع استهداف المناطق البعيدة أو المجتمعات المنعزلة والفئات المهمشة مثل النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والنازحين والبدو.