في الوقت الذي يُمكن أن تحدث العادات الخاطئة التي يمارسها سكان منطقة ما، أضراراً بيئية عابرة للحدود ويمتد أثرها إلى مناطق أخرى، يُمكن كذلك أن تساهم السلوكيات المستدامة في منع المزيد من التدهور البيئي في مناطق تبعد عنها مسافات شاسعة.
تلك الكلمات ربما تصف المسار الذي سلكته مؤسسة "Planet Aid"، وهي مؤسسة أمريكية غير ربحية، تعمل في مجال إعادة تدوير المنتجات وأبرزها الملابس والأحذية، حتى جعلت القميص المستعمل الذي يشتريه أحد سكان بلدة أمريكية صغيرة بتكلفة معقولة، يساهم في تخفيف أزمة المناخ في بلدان ربما لن يزورها هذا الساكن يوماً.
في حديثه إلى "جرين بالعربي"، يروي هالي تشيتي، مدير التواصل في المؤسسة كيف بدأت "Planet Aid" عملها عام 1997، بهدف التعامل مع قضية التخلص من الملابس، من خلال إعادة توجيهها إلى الفئات المحتاجة، وتوجيه العائدات الناتجة إلى مشروعات التنمية في البلدان الأكثر فقراً.
مصدر الصورة: الموقع الرسمي لمنظمة Planet Aid
الأكثر قراءة
سبق زمني
ورغم أن قضية التغير المناخي لم تكن تحظى باهتمام كافٍ خلال تلك الفترة، إلا أن "تشيتي" يرى أنه كان هناك وعي بالتأثيرات السلبية للاستهلاك المفرط، وإنتاج كميات كبيرة من المخلفات، لكن مع تصاعد بروز القضية، تماشت أنشطة المؤسسة معها، من خلال خلق فرص للشراكة مع جهات أخرى تساهم في جعل المجتمعات أكثر صداقة للبيئة، دون تحمل أي تكلفة.
على سبيل المثال، تتخطى كميات نفايات المنسوجات التي تصل إلى مكبات الولايات المتحدة الأمريكية سنوياً ما يزيد عن 10 مليون طن، وفقاً لتقديرات نقلها موقع "Earth".
وعلى الصعيد العالمي، يساهم قطاع الموضة بـنحو 10% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة التي تصل إلى الغلاف الجوي، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة.
دعم المشروعات الصغيرة
وتبدأ دورة عمل المؤسسة بجمع الملابس، والأحذية، والمنسوجات، من خلال حاويات التبرع المنتشرة في مناطق مختلفة، أو من خلال الشراكة مع المؤسسات الأخرى من شركات، أو منظمات غير ربحية، أو بلديات، وغيرها، ثم يجري إعادة بيعها مجدداً، ودعم أصحاب المشروعات الصغيرة الذين يبيعون تلك المنتجات في الأسواق المحلية.
كما أطلقت المنظمة في عام 2015، متجراً لعرض المقتنيات المستعملة بأسعار معقولة، والتي لا تقتصر على الملابس والأحذية فحسب، بل شملت منتجات أخرى مثل الأجهزة المنزلية، وفقاً للموقع الرسمي للمنظمة.
مصدر الصورة: الموقع الرسمي لمنظمة Planet Aid
رغم أن غالبية المنتجات التي تعيد المؤسسة توزيعها تذهب لسكان أمريكا الشمالية والوسطى، إلا أن مشروعات التنمية المستدامة التي تمولها عائدات المنظمة تنتشر في مناطق مختلفة من العالم، وتشمل قضايا التعليم، والصحة، والزراعة، والاستدامة البيئية، وغيرها من القضايا.
الزراعة المستدامة ضمن الأولويات
يشير "تشيتي" إلى واحدة من أهم المبادرات التي نفذتها المؤسسة وهي "نوادي المزارعين" التي تهدف إلى تدريب المزارعين على الممارسات المستدامة مثل الزراعة الذكية مناخياً، ما يُدعم الأمن الغذائي، ويساعدهم على التكيف مع أنماط الطقس المتغير.
وتشمل المشروعات كذلك جهود استعادة الغابات، والتشجير لمواجهة إزالة الغابات، وتعزيز امتصاص الكربون، علاوة على البرامج المدرسية لتعليم الشباب الإدارة البيئية، لخلق ثقافة الاستدامة اللازمة لجهود تخفيف التغير المناخي في المستقبل.
وفقاً للموقع الرسمي للمنظمة، جري تنفيذ المشروع الذي يمتد من 3 إلى 5 سنوات، في بلدان مختلفة من بينها جنوب إفريقيا، ومالي، وزيمبابوي، والهند.
نشر الوعي
في حديثه إلينا، أوضح مدير التواصل في المنظمة كيف عملت، على مدار سنوات، على نشر التوعية بقبول فكرة استخدام المنتجات المستعملة، من خلال تسليط الضوء على الفوائد البيئية، والاجتماعية، وعبر حملات توعية تخبر الأفراد كيف يمكن لشراء تلك المنتجات تقليل النفايات التي تصل إلى المكبات، وحماية الموارد الطبيعية، ودعم جهود التنمية المستدامة حول العالم.
يضيف "تشيتي" إن جودة وتنوع المنتجات المستعملة التي تتيحها المؤسسة غالباً ما تفاجئ المستهلكين الذين يصيبهم في بادئ الأمر ، لافتاً إلى التعاون مع العلامات التجارية التي تهتم بالمعايير البيئية، يساهم كذلك في نشر الفكرة.
وفقاً لموقع "Statista" للإحصائيات، بلغ نسبة الملابس المستعملة في الولايات المتحدة الأمريكية 12% من إجمالي سوق الملابس، في زيادة بنسبة تتخطى 5% عن العام السابق.