على مدى سنوات طويلة، ظن العلماء أن الذكور تسيطر على الجماعات التي تندرج ضمن فصيلة الرئيسيات، لكن دراسة جديدة خرجت إلى النور كشفت عن نتائج جديدة.
النتيجة التي توصلت إليها الدراسة كشفت عن مساحة أكبر تحتلها الإناث في قيادة مجموعات تلك الأنواع بدرجة تفوق مما اعتقده العلماء سابقاً، حسبما نقل موقع "Mongabay".
ربيكا لويس أستاذة الأنثروبولوجي في جامعة تكساس-أوستن الأمريكية قادت فريقاً من الباحثين لمراجعة الدراسات السابقة التي أجريت على ما يقرب من 80 نوعاً من الرئيسيات، ومنها 9 أنواع من القرود، وقسمت النتائج مجموعات القرود إلى 3 فئات: مجموعات تسيطر عليها الذكور، وأخرى تسيطر عليها الإناث، وثالثة تكون فيها السيطرة مشتركة.
أبرز الأنواع التي لا تخضع مجموعاتها للهيمنة الذكورية، وشملتها الدراسة هي قرود "الجيبون"، و"البونوبو".
متى تسيطر الإناث؟
تشير "لويس" إلى أحد المؤشرات التي تشير إلى العوامل التي تحدد من يقود مجموعات القرود وكيفية توزيع الأدوار بينها، وأول هذه العوامل الفرق بين الجنسين في حجم الجسد، أو حجم الأنياب؛ فكلما اقترب الطرفان من التساوي في هذا العامل، زادت فرص التكافؤ بينهما.
على سبيل المثال، يصل فارق الوزن بين ذكور قرود "السيمانج" والإناث إلى كيلوجرامات قليلة؛ وهذا على خلاف أنواع من الغوريلا التي يصل فيها الفارق إلى الضعف لصالح الذكور التي تحكم سطوتها على المجموعة.
العامل الثاني من عوامل السيطرة يتمثل في أعداد الإناث داخل الجماعة مقارنة بالذكور؛ فقلة عدد الإناث يسمح للذكور بالمزيد من المساحة، والمزيد من النفوذ الاجتماعي.
في مجموعات قرود "البونوبو"، التي لم تُصنَّف كنوع مستقل عن الشامبنزي إلا في عام 1929، تتولى الإناث شؤون الإدارة، ويجري الأمر وفقاً لنظام خاص.
إناث القرود يعاقبن الذكور
تقول سارة سكيبا الباحثة في جامعة ولاية كينساو الأمريكية إن أي شخص درس قرود "البونوبو"، أو أتته الفرصة ليراها، لن يفاجأ إذا ما سمع بأن الإناث هي من لها اليد العليا في المجموعة.
وتتابع مشيرةً إلى أنه ليست أنثى واحدة تهيمن على بقية المجموعة، بل عدد من الإناث تربطهن علاقة وثيقة، ويوظف بعضهن بعضاً في فترات النزاع أو في الاستجابة لحدث ما.
تلك الأحداث قد تشمل معاقبة أحد الذكور إذا ما قام بتصرف غير مرغوب به، أو محاولة فرض سيطرته على منطقة يوجد بها الطعام.
البشر في قفص الاتهام
بينما يتوسع البشر في أنشطتهم على الأرض، تقع العديد من الأضرار على الكائنات الحية التي تخسر تدريجياً الموائل، فتتغير ملامح البيئة التي تعيش فيها، ما يضطرها إلى تغيير السلوكيات للتكيف مع البيئة الجديدة.
هناك أثر قد لا يلتفت إليه الكثيرون، وهي أن نتائج الأنشطة البشرية على الحيوانات من فقدان الموائل، وزيادة حدة التنافس على الموارد قد تغير توزيع الأدوار بين الذكور والإناث لدى العديد من الأنواع، و تعود بالسلب على تكافؤ الفرص بينهما.
وتتطلب محاولة فهم اختلاف الأدوار بين ذكور مجموعات القرود وإناثها توفير المزيد من الحماية لها، ومحاولة إنقاذها من آثار الأنشطة البشرية، وعلى رأسها الصيد والتعدي على المناطق التي تعيش فيها؛ ما يؤدي إلى فقدان الموائل.
بحسب موقع "Mongabay"، تُصنف قرود "البونوبو"، التي تتراوح أعدادها بين 10 آلاف إلى 50 ألف فرد، من الأنواع المهددة بالانقراض، كما تندرج 19 من أصل 20 نوعاً من أنواع قرود "الجيبون" ضمن الأنواع المهددة أو المهددة بشدة.
تشير ربيكا لويس إلى أن التغييرات التي طرأت على البيئة بفعل الإنسان، وانكماش مساحة الموائل التي يمكن لفصيلة الرئيسيات العيش بها، أدى إلى تغير خريطة توزيع الموارد، وطرق التنافس عليها، وعدد الأفراد الذين يتكدسون في منطقة بعينها، وهو ما قد يحدد مدى أهمية النفوذ في المجموعات الاجتماعية.
أحد التغييرات التي يمكن أن تتأثر من جراء كل تلك العوامل هي اختلال النسبة بين الجنسين داخل المجموعة، فتتأثر طريقة توزيع السلطات؛ فعلى سبيل المثال، تميل قرود "الجيبون" إلى العيش في مجموعات عائلية صغيرة، لكن تراجع مساحة الموائل قد يجبرها على الحياة في مجموعات أكبر قد يغلب عليها الطابع الذكوري.
ووفقاً لرأي الباحثة، يصنع البشر مشهداً تزداد فيه درجة هيمنة ذكور تلك الأنواع، بدرجة تفوق ما كان عليه الحال عندما لم تكن الموائل الخاصة بها مهددة.