فخ "الهباء الجوي".. إلى أين يأخذنا حلم الحياد الكربوني؟


مروة بدوي
الاربعاء 24 يناير 2024 | 06:20 مساءً

جهود مكثفة تبذلها دول العالم للوصول إلى الحياد الكربوني، الذي بات التزاماً دولياً وضرورة لإنقاذ الكوكب وخفض انبعاثات غازات الدفيئة التي ارتفعت تركيزاتها بشكل كبير منذ الثورة الصناعية، ما تسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض عبر مئات السنين.

الوجه الآخر للحياد الكربوني

وحسب تعريف البرلمان الأوروبي، يتحقق "الحياد الكربوني" عندما تتساوى كمية ثاني أكسيد الكربون التي تُطلق في الغلاف الجوي مع الكمية التي يُعاد امتصاصها أو إزالتها بوسائل طبيعية عن طريق المحيطات والغابات، ما يحقق توازناً صفرياً، ولكن يبقى سؤال مهم: هل يملك الحياد الكربوني وجهاً واحداً؟ أم هناك وجهاً آخر يستحق الدراسة؟

دراسة جديدة -نشرتها مجلة "Nature Communications"- تشير إلى أن الحياد الكربوني قد يزيد الظواهر الجوية المتطرفة بحلول عام 2050، حيث يرى القائمون على الدراسة أن السياسات منخفضة الكربون قد تؤدي إلى عدة نتائج إيجابية، ولكن هناك تأثيراً سلبياً مستقبلياً يحتاج لإعادة تقييم.

التغيير في نسب ملوثات الهواء

يؤدي استخراج الوقود الأحفوري وحرقه إلى انبعاث غازات الدفيئة وغيرها من الملوثات الضارة، وبالتالي فإن الحياد الكربوني من شأنه إبطاء عملية التغير المناخي وتقليل ملوثات الهواء المنبعثة، ما يزيد جودة الهواء وتأثيره في صحة البشر، لكن في المقابل، التغيير في نسب ملوثات الهواء قد يؤثر إيجاباً أو سلباً على المناخ، على سبيل المثال يساهم الكربون الأسود في ارتفاع درجة حرارة الأرض، بينما على العكس يعمل هباء الكبريتات والهباء الجوي على تبريد سطح الأرض.

وحسب تعريف وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، فإن "هباء الكبريتات" هو مادة جسيمية تتكون من مركبات الكبريت وتنتج عن احتراق الوقود الأحفوري أو ثوران البراكين، وتشير النظرية الحديثة إلى أن هباء الكبريتات قد يخفض درجة حرارة الأرض عن طريق عكس الإشعاع الشمسي أو ما يعرف بالتأثير الإشعاعي السلبي، ولذلك، فإن الحد من انبعاثات تلوث الهواء نحو الحياد الكربوني قد يخفف من ظاهرة الاحتباس الحراري أو يعززها.

مع تقييم التأثيرات العالمية لتغير كميات غازات الدفيئة، واتباع مسار حياد الكربون على المناخ والظواهر الجوية، توقعت الدراسة أن انخفاض الهباء الجوي في المستقبل سيساهم بشكل كبير في زيادة الاحتباس الحرار

ماذا بعد الحياد الكربوني؟

حال الوصول للحياد الكربوني سيكون هناك تغيرات مستقبلية في مستويات غازات الدفيئة وانخفاض انبعاثات الهباء الجوي، يتبعها تغيرات في درجات الحرارة ومعدلات الأمطار، ووفقاً للنماذج المناخية المتوقعة بالدراسة، يشير متوسط ​​التغيرات في درجات حرارة الهواء السطحي عام 2050 إلى أن الاحترار الناجم عن انخفاض الهباء الجوي سيهيمن على المناخ بشكل ملحوظ، مقارنةً بالتغيرات المنسوبة إلى تقليل غازات الدفيئة، كما تتوقع الدراسة احتمالية أن يؤدي الاحترار الناجم عن انخفاض الهباء الجوي إلى مزيد من التبخر، ما يسبب المزيد من هطول الأمطار.

ومع تقييم التأثيرات العالمية لتغير كميات غازات الدفيئة، واتباع مسار حياد الكربون على المناخ والظواهر الجوية، توقعت الدراسة أن انخفاض الهباء الجوي في المستقبل سيساهم بشكل كبير في زيادة الاحتباس الحراري، وارتفاع تواتر وشدة الظروف الجوية القاسية، موضِّحةً أن تأثيرات الهباء الجوي على الاحترار تفوق بكثير تأثيرات غازات الاحتباس الحراري.

وأكدت الدراسة أن تقليل الانبعاثات الضارة أمر ضروري لتنفيذ الالتزام العالمي بعدم زيادة الاحترار العالمي عن 1.5 درجة مئوية، لكنها في الوقت ذاته دعت إلى العمل على تخفيف الآثار الضارة الناجمة عن انخفاض الهباء الجوي والظواهر الجوية المتطرفة، المتوقع أن تصاحب تحقيق الحياد الكربوني في المستقبل.

تأثير الهباء الجوي على المناخ

تعيد الدراسة طرح قضية الهباء الجوي، والذي عرّفته جامعة ليدز البريطانية بأنه جزيئات صغيرة في الغلاف الجوي، لها تأثير عميق على العديد من جوانب البيئة، وهي تشتق من عمليات طبيعية مثل رذاذ البحر وحرائق الغابات، أما في عالمنا المُلوث، فالمصدر الرئيسي للهباء الجوي هو الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري.

nullnull

ويؤثر الهباء الجوي على مناخ الأرض بقوة مثل الغازات الدفيئة، حيث يعمل على تبريد الكوكب من خلال عكس أشعة الشمس إلى الفضاء، وقد كان الهباء الجوي الصناعي بمثابة كابح كبير للزيادة في درجات الحرارة العالمية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، لكن ذلك لا ينفي أنه من الملوثات الضارة على جودة الهواء وصحة البشر.

المؤيدون لنظرية تأثير الهباء الجوي يستشهدون بحرائق الغابات الأمريكية في فترة جائحة "كورونا"، ويرجعونها إلى انخفاض مستوى الانبعاثات في فترة الوباء، ما أدى إلى انخفاض كميات الهباء الجوي، وبالتالي زيادة الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى الأرض وشدة موجات الحر مع انخفاض الرطوبة، ما ساهم في ارتفاع عدد حرائق الغابات في أغسطس ونوفمبر 2020 غرب الولايات المتحدة، والهطول القياسي للأمطار في الصين خلال العام ذاته، وفقاً لدراسة نُشرت عام 2022.

الهباء الجوي من الملوثات الضارة لكنه يعمل على تبريد الكوكب من خلال عكس أشعة الشمس إلى الفضاء، وقد كان الهباء الجوي الصناعي بمثابة كابح كبير للزيادة في درجات الحرارة العالمية على مدى السنوات الثلاثين الماضية،  

ونشر مرصد كوبرنيكوس للمناخ التابع للاتحاد الأوروبي تقريراً في أغسطس الماضي يناقش فكرة انخفاض حمل الهباء الجوي ومساهمته في الاحتباس الحراري العالمي، حيث يرى البعض أن تقليل ملوثات الهواء وانخفاض انبعاثات النقل البحري في أوروبا، أدى إلى تقليل كميات الهباء الجوي، وزيادة الإشعاع الشمسي والتأثيرات المحتملة على شدة الاحترار وحالات الجفاف، خاصةً في الفترة الأخيرة، تزامناً مع موجات الحر الشديدة عبر شمال الأطلسي والعديد من المناطق الأوروبية.

وعلق علماء خدمة كوبرنيكوس لمراقبة الغلاف الجوي على التقرير بأنه من السابق لأوانه أن نعزو الاحترار الاستثنائي خلال الفترة الماضية إلى انخفاض الانبعاثات البحرية في السنوات الأخيرة، حيث يحتاج الأمر إلى دراسات أكثر توسعاً.