في محاولة لإنقاذ كوكب الأرض من الانهيار المناخي، ينعقد سنوياً مؤتمر الأطراف المعروف بـ"COP"، أو هيئة اتخاذ القرارات، المسؤول عن مراقبة واستعراض تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC).
يشارك في مؤتمرات "COP" جميع الدول أو الأطراف الموقعة على الاتفاقية وعددها حاليا 197 طرفاً، ويتم تناوب رئاسة المؤتمر وأماكن الاجتماعات بين الأقاليم المعترف بها في الأمم المتحدة ومنها قارتا أفريقيا وآسيا، حيث يقع العالم العربي.
ويمثل "COP28" المنعقد هذا العام في دبي بدولة الإمارات، النسخة الخامسة عربيًا في تاريخ قمم المناخ العالمية التي بدأت في مارس 1995، واستضافت المغرب نسختين من القمة الأولى "COP 7" في أكتوبر 2001، والثانية "COP 22" في نوفمبر 2016 والتي اكتسبت أهمية خاصة لانعقادها في السنة التالية لمؤتمر فرنسا، الذي يُعد بمثابة قمة تاريخية تمخضت عن أول اتفاق دولي يتعلق بالمناخ وهو "اتفاق باريس".
وكانت الدورة الـ22 في مراكش فرصة للاحتفاء بهذه الخطوة وبدء الأعمال التحضيرية لتطبيق اتفاق باريس ودخوله حيز التنفيذ والترحيب بتوقيع جميع الأطراف تقريباً على الاتفاق، وفقاً للتقرير الصادر عن الأمم المتحدة،
أما النسخ الثلاث العربية الأخرى يمكن أن نطلق عليها "مؤتمرات العدالة المناخية" حيث سيطر على مناقشاتها بشكل كبير موضوع أساسي وهو مصطلح "الخسائر والأضرار".
ببساطة.. الدول النامية التي تساهم بأقل قدر من انبعاثات غازات الدفيئة هي الأكثر عرضة للتداعيات المناخية، وفي نفس الوقت هي الأقل استعداداً للتعامل مع تلك الأحداث
مصطلح "الخسائر والأضرار"
تعني عبارة "الخسائر والأضرار" العواقب السلبية التي تنشأ عن مخاطر تغير المناخ ولا يمكن تجنبها، مثل الظواهر المتطرفة التي تتواتر مع اشتداد أزمة المناخ.
وتاريخيًا، أطلقت دول مجموعة العشرين حوالي 75% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، التي أدت إلى أزمة المناخ، وفي الوقت نفسه نجد قارة أفريقيا على سبيل المثال هي الأقل مساهمة في تغير المناخ ولكنها الأكثر عرضة للتداعيات الخطيرة، وسوف تضطر البلدان الأفريقية إلى إنفاق ما يصل إلى 5 أضعاف ما تنفقه على الرعاية الصحية من أجل التكيف مع التغير المناخي، وهناك مثال آخر من باكستان التي تكبدت خسائر بقيمة 30 مليار دولار أمريكي نتيجة الفيضانات الشديدة رغم أنها تصدر أقل من 1% من الانبعاثات العالمية.
ببساطة.. الدول النامية التي تساهم بأقل قدر من انبعاثات غازات الدفيئة هي الأكثر عرضة للتداعيات المناخية، وفي نفس الوقت هي الأقل استعداداً للتعامل مع تلك الأحداث، مما يتسبب في تغيير الحياة وسبل العيش والثقافات المحلية، لذا هي الدول الأكثر حاجة للتمويل للتعامل مع أضرار أزمة المناخ.
منذ بداية مؤتمرات المناخ ويؤكد الأعضاء دائما أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية واستئصال شأفة الفقر من الدول النامية هما أول وأهم الأولويات العالمية، حيث تواجه هذه البلدان خطراً متزايداً يتمثل في الآثار السلبية لتغير المناخ، حسب ما جاء في تقرير "COP7" في مراكش المغربية.
وفي نفس الوقت، لم يكن هناك آلية واضحة تابعة لمؤتمر الأطراف لمساندة ودعم هذه الأقاليم النامية مادياً، حتى ظهرت فكرة "صندوق التكيف"، في مؤتمـر الأطـراف "COP12" في نيروبي عام 2006، والقائمة على اسـتخدام نسـبة عائدات المشاريع المعتمدة لمساعدة البلدان النامية المعرضة بصفة خاصة لآثار تغير المناخ السلبية على تغطية تكاليف التكيف؛ وتم إقرار الفكرة أثناء أعمال "COP13" في مدينة بالي الإندونيسية عام 2007.
لكن صندوق التكيف لم يقدم حلاً ناجزاً، وتُظهر الأبحاث التي أجراها برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن التمويل من أجل التكيف ليس كافياً، وهناك حاجة إلى قاعدة موسعة من المانحين وأدوات تمويل مبتكرة للاستجابة لحجم الخسائر والأضرار، بمعنى آخر يجب أن تتحمل الدول المتقدمة مسئولية "الخسائر والأضرار".
محطات عربية في تاريخ "الخسائر والأضرار"
أثناء مؤتمر الأطراف "COP18"، المنعقد في الدوحة عام 2012، استُخدمت للمرة الأولى عبارة "الخسائر والأضرار" في مناقشات القمة، وذكر التقرير الصادر عن الأمم المتحدة أن مؤتمر الدوحة اعتمد نهج التصدي للخسائر والأضرار المرتبطة بتأثيرات تغير المناخ في البلدان النامية، بهدف تعزيز القدرة على التأقلم.
وقرر مؤتمر الدوحة إنشاء ترتيبات مؤسسية منها آلية دولية للتصدي للخسائر والأضرار في البلدان النامية، كما طلب التقرير من الدول المتقدمة توفير التمويل والتكنولوجيا وبناء القدرات في تلك البلدان من أجل مواجهة الأزمة.
صحيفة "الجارديان" وصفت اتفاق الدوحة بأنه يمهد الطريق أمام مساعدة الدول الفقيرة، التي نالت اعترافاً تاريخياً بالمحنة التي تواجهها بسبب ويلات تغير المناخ، وانتزعت تعهداً من الدول الغنية بأنها ستتلقى أموالاً لإصلاح "الخسائر والأضرار" التي تكبدتها.
وأضافت الصحيفة البريطانية أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إدراج عبارة "الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ" في وثيقة قانونية دولية، ولأول مرة تحصل فيها الدول النامية على مثل هذه الضمانات.
ورغم ذلك، لم تصل هذه التعهدات إلى حد الاعتراف بالمسؤولية أو الحاجة إلى دفع تعويضات من جانب الدول الغنية، وظل السؤال المهم: "ما هي الخطوة التالية؟" عالقاً بلا إجابة واضحة خلال النسخ اللاحقة لمؤتمر الدوحة حتى جاء "COP27" في مصر.
مؤتمر شرم الشيخ
بعد عدة سنوات من المفاوضات المكثفة في اجتماعات المناخ السنوية، شهد مؤتمر الأطراف "COP27"، الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية العام الماضي، خروج قرار إنشاء صندوق الخسائر والأضرار إلى النور، باعتباره آلية تمويل، لتعويض الدول النامية والفقيرة عن الآثار الناجمة عن تغير المناخ، بدعم من الدول المتقدمة.
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بقرار إنشاء الصندوق وعلق في كلمته قائلاً: "لقد اتخذ مؤتمر الأطراف خطوة مهمة نحو العدالة".
وجاء قرار إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار"، على خلفية تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أن الخسائر والأضرار المرتبطة بآثار التغير المناخي تزداد من حيث الخطورة والتواتر واتساع النطاق في جميع المناطق مما يسفر عن خسائر اقتصادية وغير اقتصادية مدمرة بما في ذلك التهجير القسري والتأثير في التراث وحياة المجتمعات المحلية، ولذلك أقر المؤتمر الحاجة الملحة والفورية لموارد مالية جديدة إضافية يمكن التنبؤ بها وكافية لمساعدة البلدان النامية ومنها إنشاء الصندوق.
كما أشار تقرير فجوة التكيف الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2022 إلى أن تدفق التمويل الدولي إلى البلدان النامية بهدف التكيف أقل بـ5 إلى 10 مرات من الاحتياجات الفعلية المقدرة، ومن المتوقع أن نحتاج إلى أكثر من 300 مليار دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2030، لذلك ستكون هناك حاجة إلى قاعدة موسعة من المانحين وأدوات التمويل المبتكرة للاستجابة لحجم الخسائر والأضرار.
ويُعد إنشاء صندوق الخسائر والأضرار في نظر الكثيرين، الحدث الأبرز في "COP27" وتتويجاً لعقود من الضغوط التي مارستها البلدان النامية المعرضة لتغير المناخ، لكن رغم الترحيب بهذا القرار التاريخي، فهو لم يكن سوى خطوة أولى تحتاج إلى التنفيذ حتى تصبح واقعاً.
إجمالي حجم التمويل المبدئي للصندوق في أول يومين للقمة وصل إلى حوالي 655 مليون دولار
مؤتمر دبي
بالفعل استطاع مؤتمر الأطراف "COP28" المنعقد حالياً في الإمارات، أن يكلل جهود "COP27" بالنجاح، حيث اتفقت الوفود المجتمعة في اليوم الأول من المؤتمر، على تفعيل صندوق "الخسائر والأضرار" الناجمة عن تغير المناخ، وهو ما يعد إنجازاً كبيراً، أثنى عليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ووصف تفعيل الصندوق بأنه أداة أساسية لتحقيق العدالة المناخية، وحث القادة على دعم الصندوق.
وحسب موقع الأمم المتحدة، تهدف مسودة الاتفاقية لتفعيل صندوق "الخسائر والأضرار"، إلى المساعدة في تعويض الدول الضعيفة عن تأثير تغير المناخ، وضمان إمكانية إعادة بناء البنية التحتية الحيوية أو استبدالها بنسخ أكثر استدامة.
وأشار رئيس البنك الدولي أجاي بانجا، في حديثه إلى "فايننشال تايمز"، إلى أن إجمالي حجم التمويل المبدئي للصندوق في أول يومين للقمة وصل إلى حوالي 655 مليون دولار، حيث تعهد الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى خمس دول هي: "ألمانيا، والإمارات، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، واليابان" بتقديم الأموال الأولية للصندوق في اليوم الأول ثم انضمت للقائمة فرنسا، وإيطاليا وكندا في اليوم الثاني.
وأعلن رئيس مؤتمر الأطراف "COP28"، سلطان الجابر، إن الإمارات العربية المتحدة، تساهم بمبلغ 100 مليون دولار للصندوق، وقالت الولايات المتحدة إنها ستسهم بمبلغ 17.5 مليون دولار، فيما تعهدت اليابان بتقديم 10 ملايين دولار، وأعلنت بريطانيا أنها ستسهم بما يصل إلى 60 مليون جنيه إسترليني، بينما قالت ألمانيا إنها ستسهم بـ100 مليون دولار في ترتيبات الصندوق، ووصل إجمالي المساهمات المقدمة حتى نهاية الأسبوع الأول من القمة الى 725 مليون دولار، وفقا لموقع المؤتمر.
"تمويل الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ" كان يوماً مجرد فكرة أو مصطلح تم إدراجه لأول مرة في وثيقة قانونية دولية خلال مؤتمر الدوحة، ثم تحولت فكرة إنشاء صندوق الخسائر إلى قرار ملزم خلال "كوب شرم الشيخ"، وأخيراً بات حقيقة تم تنفيذها في مؤتمر دبي هذا العام بعد أن ظل مطلبًا طويل الأمد للدول النامية.