المناخ أمن قومي.. كيف يهدد ذوبان الجليد القواعد العسكرية؟


محمد رمضان
الجمعة 21 ابريل 2023 | 02:20 مساءً
تقف منشآت القواعد العسكرية الأمريكية عاجزة عن مواجهة متكافئة لآثار تغير المناخ - مشاع إبداعي
تقف منشآت القواعد العسكرية الأمريكية عاجزة عن مواجهة متكافئة لآثار تغير المناخ - مشاع إبداعي

بينما يتآكل البيئة وتنهار آلاف المدن حول العالم، تقف بقعة عسكرية على كتل صخرية، وربما حاملة طائرات ضخمة في قلب المحيط، قادرة وحدها على إنقاذ الآلاف.. مشهد لم تخل منه الأفلام الهوليودية على مدار العقود الماضية وإن اختلف العدو بين جيوش فضائية أو وحوش تخرج من باطن الأرض.

احتفاء الأمريكيين بأضخم جيوش الأرض ربما يصبح مجرد أسطورة تاريخية أمام وحوش الطبيعة غير القابلة للترويض، والتي تحمل أسلحة كذوبان الجليد أو الجفاف أو الأعاصير، وتصاعد الحديث والتحذير خلال السنوات القليلة الماضية من تأثيرها على القواعد العسكرية الأمريكية في بعض المناطق.

في القطب الشمالي، تقف منشآت القواعد العسكرية الأمريكية عاجزة عن مواجهة متكافئة لآثار تغير المناخ على المدى الطويل، بفعل درجات الحرارة المرتفعة وذوبان الجليد التي تأكل في مدارج الأساس والطرق وتفاقم من مخاطر الفيضانات.

من بين 79 منشأة عسكرية أمريكية بشكل عام، تقول وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" إن ثلثيها عرضة لتفاقم الفيضانات بينما أن نصفها عرضة لارتفاع مستويات الجفاف وحرائق الغابات.

الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر قائمة أكبر خمس دول تمتلك قواعد عسكرية حول العالم، ويشير تقرير لموقع thesoldiersproject إلى أن هناك 750 قاعدة عسكرية أمريكية منتشرة في 80 دولة على كوكب الأرض.

تهديد للأمن القومي

اعترف الجيش الأمريكي، قبل سنوات، بالتغير المناخي كتهديد للأمن القومي، مرجعاً ذلك بشكل جزئي إلى التأثير الذي تكثفه الفيضانات وحرائق الغابات والحرارة الشديدة والكوارث الطبيعية الأخرى التي ستشهدها على المنشآت والقوات الأمريكية في جميع أنحاء العالم.

على سبيل المثال، تسببت زيادة الأعاصير والفيضانات والعواصف وحرائق الغابات في السنوات الأخيرة في إنفاق مليارات الدولارات لمواجهة الأضرار والتدريب المتقطع والعمليات الأخرى.

وحين بدأ المفتشون العسكريون النظر عن قرب لتأثير التغيرات المناخية وجدوا مشكلة في القواعد العسكرية للولايات المتحدة بالفعل.

79 منشأة عسكرية أمريكية يتعرض أكثر من ثلثيها لتفاقم الفيضانات بينما نصفها يواجه شبح ارتفاع مستويات الجفاف وحرائق الغابات

أكدت صحيفة "ذا إيكونميك" الاقتصادية، في تقرير لها، أن مفتشين عسكريين صوروا ووصفوا بعضاً من الممرات المتشققة والغارقة التي يقوضها ذوبان الجليد والطرق التالفة وحاجز الصخور المنهار في منطقة "ثول" بجرينلاند، رغم ما تمثله منطقة القطب الشمالي من مواقع استراتيجية للانتشار العسكري الأمريكي.

وفي عام 2019، حددت خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكي، أكثر من 1700 منشأة عسكرية عالمية منتشرة في مناطق ساحلية يمكن أن تكون عرضة للارتفاع في مستويات سطح البحر، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في انشغال البنتاجون بتكييف البنية التحتية والعتاد والأسلحة مع الظروف الجوية القاسية بدلاً من الاستثمار في البدائل المتجددة.

صدمة كيوتو

حين بدأ العمل على بروتوكول "كيوتو" عام 1997، والذي يعمل على تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كان من المزمع إدراج القوات العسكرية ضمن أهداف الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، لكن نتيجة لضغوط عسكرية مورست على فريق التفاوض الأمريكي حينها لم تصدق واشنطن على البروتوكول، وتم إعفاء الجيوش من هذا الهدف الحيوي.

وبموجب اتفاقية المناخ في باريس 2015، أصبح للدول الموقعة حرية الاختيار ما إذا كانت سضع تقليل انبعاثات الكربون العسكرية ضمن أهداف أم لا، يتُرك هذا القرار للبلدان منفردة وهي سياسة انتقدتها بشكل متزايد منظمات المجتمع المدني ونشطاء المناخ، وفق ما ذكره تقرير لمجلة بحثية تتبع الجامعة الأمريكية في القاهرة.

ولا يُعرف المدى الكامل لانبعاثات الكربون العسكرية، لكن الباحثين استنتجوا أرقاماً من مصادر أخرى، فاستناداً إلى استهلاك وزارة الدفاع الأمريكية، تشير التقديرات إلى أن القوات العسكرية الأمريكية تسببت في انبعاث 1.267 مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بين عاميّ 2001 و2018.

يُقدر الجزء المرتبط بالحرب من تلك الانبعاثات، بما في ذلك مناطق الحرب الكبرى- يقدر بأكثر من 440 ألف طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، حيث يخلق الجيش الأمريكي وحده انبعاثات غازات الدفيئة تؤثر على الكوكب من خلال عملياته الدفاعية أكثر من البلدان الصناعية بأكملها مثل السويد والبرتغال.

وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، بلغت بصمة الكربون للإنفاق العسكري للدول الأعضاء في عام 2019 حوالي 24.8 مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. ويكمن التحدي الحقيقي في الحد من انبعاثات النطاق العسكري الأكبر المرتبط بالسفن الحربية والطائرات والمركبات القتالية، والتي تكون أكبر بكثير من انبعاثات البنية التحتية.

ويمثل النقل العسكري وتنقل الجيوش الغربية الحديثة حوالي 70 في المائة من استهلاكها للطاقة، والتي يتم استهلاك معظمها في شكل وقود الديزل، وعلى الرغم من أن القوات البرية والبحرية تستخدم كميات كبيرة من الوقود، إلا أن سلاح الجو هو أكبر مستهلك لوقود النفاث لجميع فروع الخدمات المسلحة.

ما العمل؟

عدد من الدراسات الأوروبية والأمريكية قدمت حلولا عملية للحد من الانبعاثات، عبر تعزيز كفاءة الطاقة وإدخال الطاقة المستدامة في البنية التحتية العسكرية باعتبارها أمور سهلة نسبيا؛ حيث تسهم الألواح الشمسية وتركيبات النفايات الحيوية بشكل متزايد في إمدادات الطاقة للمنشآت العسكرية، مما يحسن من القدرة على التحمل في القوات العسكرية أثناء الصراع.

تحسين قدرة تحمل الجيوش هنا يرتبط بالقيمة الاستراتيجية للألواح الشمسية خلال مراحل ضعف خطوط إمداد الوقود من ناحية، كما أن استقلال طاقة القواعد العسكرية والمنشآت ستنقذ حياة الإنسان، فعلى سبيل المثال، واجهت قوافل الوقود التي تزود المركبات العسكرية في أفغانستان هجمات سيئة السمعة على طول آلاف الكيلومترات الطويلة عبر الجبال الباكستانية الخام.

 استخدام الطاقة المتجددة عسكريا يمكن امتداده للتدفئة أو تبريد الثكنات أو تشغيل المركبات العسكرية الكهربائية الصغيرة

بالنسبة للصناعة العسكرية، فإن هذا التوجه يخلق سوقاً جديدة من منتجات الطاقة الخضراء المتنقلة لاستبدال المولدات التقليدية، ويمكن الإعلان بالفعل عن نقل أنظمة الطاقة بسهولة لكونها سريعة الإنشاء والتثبيت أعلى المركبات العسكرية على كافة أنواعها.

استخدام الطاقة المتجددة يمكن أن يمتد لأغراض عسكرية متواضعة مثل التدفئة أو تبريد الثكنات أو تشغيل السيارات الكهربائية الصغيرة، خاصة أن جميع أنظمة أسلحة الوقود الأحفوري التي تم تطويرها مؤخرًا تعني الاستمرار في الانبعاثات العسكرية المستقبلية.

وقبل عامين، وافق حلف شمال الأطلسي (الناتو) على تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بشكل كبير من الأنشطة العسكرية والمنشآت دون إضعاف سلامة العسكريين أو موقف الردع، فيما تتزايد المطالب الأوروبية للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

وربما تصبح هذه المطالب حقيقية في ظل تركيز شركات الطائرات المدنية، وفي مقدمتها إيرباص، على إنتاج طائرة هيدروجين ذات انبعاث صفري لتكون جاهزة للخدمة بحلول العام 2035، ما يفتح الباب في النهاية أمام إمكانية استبدال الطائرات المقاتلة الأسرع من الصوت أو حاملات الطائرات.