تخفيضات الجمعة البيضاء.. الجميع رابح عدا البيئة


مروة بدوي
الجمعة 24 نوفمبر 2023 | 08:52 مساءً

مع نهاية شهر نوفمبر من كل عام، يبدأ موسم صيد الصفقات، حيث يتهافت المتسوقون على مراكز البيع والمتاجر للفوز بفرصة الخصومات، الجميع يبحث عن المكاسب سواء البائع الذي يريد التخلص من البضاعة وتحقيق الربح السريع أو المشتري الذي يطمح في التوفير واقتناء منتج قد لا يستطيع الحصول عليه قبل تخفيض الأسعار، ومن بين كل تلك الصفقات المربحة تدفع البيئة فاتورة هذا المهرجان السنوي للنزعة الاستهلاكية أو ما يعرف عالميا بـ" Black Friday" أو عربياً الجمعة البيضاء.

الأثر البيئي

التقليد استهلاكي النزعة نشأ في الولايات المتحدة، لكن في العقد الأخير انتشر تقليد الجمعة البيضاء في بلدان أخرى ومنها العالم العربي، وقد تستمر التخفيضات ليوم واحد أو حتى عطلة نهاية أسبوع، بينما تمتد في بعض المحال طوال شهر نوفمبر.

تحقق هذه المنتجات المخفضة إيرادات بمليارات الدولارات لكنها تترك آثاراً بيئية سلبية وضارة، وعلى غرار الموضة السريعة، تعمل الجمعة البيضاء على تعزيز الثقافة الاستهلاكية وتشجع الناس على شراء المنتجات لمجرد أنها معروضة للبيع بأسعار موفرة.

وقعت مؤسسة Population Matters البريطانية، أن كثيراً من البالغين في المملكة المتحدة يخططون لشراء هاتف ذكي جديد خلال الجمعة الحالية، وعند حساب الانبعاثات المتوقعة

زيادة الانبعاثات

تشير تقديرات منظمة النقل والبيئة التابعة للاتحاد الأوروبي "T&E"، إلى أن أسبوع الجمعة البيضاء العام الماضي أطلق 1.2 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، نتيجة للشاحنات التي تنقل البضائع لجميع أنحاء قارة أوروبا.

وتعد تلك النسبة أعلى بمقدار 94٪ عن المتوسط ​​الأسبوعي، ويعادل هذا التلوث الإضافي الذي حدث خلال أسبوع التخفيضات إجمالي الانبعاثات السنوية الصادرة عن جميع الشاحنات في دولة أوروبية مثل بلغاريا.

أما هذا العام، فقد توقعت مؤسسة Population Matters البريطانية، أن كثيراً من البالغين في المملكة المتحدة يخططون لشراء هاتف ذكي جديد خلال الجمعة الحالية، وعند حساب الانبعاثات المتوقعة، تذكر المؤسسة أنه إذا اشترى 53% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً هاتفاً جديداً، فسوف ينتج 156 مليون كجم من انبعاثات الكربون، أي ما يعادل قيادة 1.8 تريليون ميل بواسطة سيارة تعمل بالوقود.

التسوق الإلكتروني أم التقليدي؟

وحتى تكتمل معرفتنا بمقدار الانبعاثات الكربونية أثناء الجمعة البيضاء يجب الإجابة عن هذا السؤال؛ التسوق التقليدي أم عبر الإنترنت، أيهما أفضل للبيئة في موسم التخفيضات؟

على مدى السنوات القليلة الماضية، تحول البشر أكثر إلى التسوق الإلكتروني بدلاً من التقليدي بسبب جائحة كوورنا، ومع عودة الحياة إلى طبيعتها بانتهاء الوباء، أعادت الجمعة السوداء إشعال الجدل حول إذا ما كان التسوق عبر الإنترنت أفضل أم أسوأ بالنسبة للبيئة من التسوق التقليدي.

يجب أن نأخذ في الاعتبار الانبعاثات الناتجة عن دورة حياة المنتج ككل، من التصنيع إلى النقل والاستهلاك والتي تولد انبعاثات تتجاوز عملية التسوق بكثير.

هناك دراسة حديثة أجريت في المملكة المتحدة، نشرتها مجلة "فوربس” سلطت الضوء على مدى تعقيد المقارنة، حيث وجد باحثون أن عمليات الشراء التي تتم عبر الإنترنت ولكن يتم تسليمها في المتجر، تولد انبعاثات أقل من التسوق التقليدي.

أما التسوق عبر الإنترنت والذي يتم تسليمه مباشرة في المنزل فيملك بصمة كربونية أعلى من التسوق داخل المتجر، بسبب الطاقة والانبعاثات الناتجة عن التوصيل إلى منازل المتسوقين وطبيعة وسائل النقل المستخدمة إذا كانت صديقة للبيئة مثل السيارات الكهربائية أو الدراجات بالبنزين، وبذلك نجد أنه سواء كان التسوق تقليدياً أو إلكترونياً فالنتيجة ليست في صالح البيئة.

كما يجب أن نأخذ في الاعتبار الانبعاثات الناتجة عن دورة حياة المنتج ككل، من التصنيع إلى النقل والاستهلاك والتي تولد انبعاثات تتجاوز عملية التسوق بكثير.

توقع زيادة المبيعات خلال هذا التوقيت من العام يعني المزيد من الإنتاج والنقل والتسويق حتى تتوفر السلع، وبالتالي تعمل الجمعة السوداء على تضخيم انبعاثات الكربون وارتفاع الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري

يُذكر أن قطاع البيع بالتجزئة مسؤول عن 25% من الانبعاثات الكربونية في العالم سنويًا، وفقاً لمجموعة بوسطن الاستشارية، والجمعة السوداء تجعل البصمة البيئية لهذا القطاع أسوأ بكثير

زيادة النفايات والتخلص من القديم

بصرف النظر عن إهدار ملايين الدولارات في التبضع، ينتج عن هذه الخصومات جبال من النفايات، حيث يقبل المتسوقون على اقتناء عناصر رخيصة لكنهم لا يحتاجون إليها، ووفقاً للمركز البحثي البريطاني Green Alliance، يتم التخلص من حوالي 80% من المنتجات التي جرى شراؤها يوم الجمعة البيضاء بعد استخدام واحد فقط أو حتى دون استخدامها على الإطلاق، وغالباً ما ينتهي بها الأمر في مكب النفايات.

في الوقت الذي تتصاعد فيه دعوات الاستدامة وإطالة عمر المنتجات، فإن الاستهلاك المفرط الذي تروج له الجمعة البيضاء يعني أن المنتجات التي تم الحصول عليها أثناء التخفيضات قد تكون لها دورة حياة أقصر من المبيعات العادية.

ويدفع ذلك الأشخاص إلى التخلص من الأشياء القديمة مثل الهواتف للحصول على إصدار أحدث في يوم الجمعة البيضاء، حتى ولو كانت أجهزتهم القديمة لا تزال تعمل أو يمكن إصلاحها ودون الاهتمام بفكرة إعادة التدوير.

يؤدي الارتفاع الكبير في المبيعات خلال التخفيضات إلى زيادة التعبئة والتغليف والنفايات البلاستيكية التي يتم التخلص منها غالباً بشكل يهدد حياة الكائنات على سطح الكوكب.

المسؤولية المجتمعية

تأثير الجمعة البيضاء لا يقتصر على البيئة فقط، بل هناك وجه آخر يتمثل في استنزاف القوى العاملة وجميع العمال في سلاسل التوريد، والذين يتعرضون لضغط هائل لإنتاج كمية فائقة من المنتجات في الوقت المناسب قبل موسم الخصومات مع الاضطرار إلى العمل في ظروف قاسية.

وأيضا يتعرض موظفو المتجر وفريق الموارد البشرية لضغوط مماثلة، حيث يضطرون إلى العمل لساعات طويلة خلال يوم الجمعة والعطلات، كما أن الاستهلاك المفرط الذي تغذيه الجمعة البيضاء يصُب غالباً في مصلحة الشركات غير المستدامة، التي تروج للمبيعات والخصومات لتحقيق مكاسب تجارية على حساب الاستدامة والممارسات البيئية والأخلاقية.