تتساقط أوراق الأشجار لتملأ الشوارع برائحة فصل الخريف العطرة، لكن تلك الأوراق الشجرية الملونة ليست محفزاً على تدوين الخواطر والتأملات فحسب، بل تُعَد مساهِمة بشكل أساسي في حماية الحياة البرية التي تعاني بالفعل من التغيرات المناخية.
ويرى ديفيد ميزجيوسكي عالم الطبيعة في الاتحاد الوطني للحياة البرية (منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة)، أن أوراق الأشجار المتساقطة هي في الواقع موطن مهم للحياة البرية.
ويضيف ميزجيوسكي أن جميع أنواع المخلوقات تعتمد على الأوراق المتساقطة لبقائها على قيد الحياة، سواء كانت تتغذَّى عليها أو تلجأ إلى الاحتماء بها للتغلب على الطقس البارد؛ إذ تعد هذه الأوراق السحرية هامة حتى تُكمِل مثل هذه الكائنات دورة حياتها.
مساوئ فقدانها
الأكثر قراءة
وفي عام 2018، وصل إلى مدافن النفايات في الولايات المتحدة الأمريكية، نحو 10.5 مليون طن من مخلفات تضم كميات من أوراق الشجر ومواد أخرى من مستلزمات الحدائق؛ حيث بلغت أكثر من 7% من جميع النفايات التي تم التخلص منها، وفق تقديرات وكالة حماية البيئة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست".
وانتقد عالم الطبيعة ديفيد ميزجيوسكي فكرة جمع أوراق الشجر وإرسالها إلى مكبات النفايات، واصفاً ذلك الأمر بأنه "الأسوأ على الإطلاق".
واتفق مع الرأي السابق سكوت بلاك المدير التنفيذي لجمعية Xerces (منظمة غير ربحية للحفاظ على اللافقاريات)؛ إذ يرى أن الأوراق المتساقطة تُحدِث بعض الفوضى في الحدائق، لكنها مفيدة جداً لخصوبة التربة وغذاء الحيوانات".
وأشار بلاك إلى أنه عندما يتم التخلص من هذه الأوراق في مدافن النفايات، تتحلل وينتج عنها غاز الميثان، وهو أحد غازات الدفيئة التي تتسرب إلى الغلاف الجوي، وتزيد أزمة التغير المناخي.
ويقول الخبراء إنه يجب ترك الأوراق الشجرية المتساقطة؛ إذ توفر غطاءً ورقياً خلال أشهر الشتاء الباردة للأنواع التي تقوم بالتلقيح، مثل النحل والفراشات والعث، كما يمكن للمخلوقات الأخرى، بما في ذلك البرمائيات والثدييات الصغيرة، مثل السنجاب، أن تستفيد أيضاً من المأوى الذي توفره أوراق الشجر.
فوائد بيئية
وتتحلل الأوراق بيولوجياً، وتساعد بقاياها على خصوبة التربة، من خلال المواد الكيميائية والمعادن المفيدة التي تحتوي عليها، ثم يتم امتصاص هذه العناصر من قِبل النباتات، ومن ثم تعزز دورة الحياة البرية.
كما تدعم أوراق الأشجار التنوع البيولوجي، وتساهم في مواجهة أزمة المناخ؛ إذ تخلق موائل لتعشيش الضفادع والملقحات والرخويات والقواقع والديدان والعناكب والخنافس والديدان الألفية على فضلات الأوراق؛ حيث تتعامل معها مثل الأغطية؛ لأنها تعمل كعازل لمواجهة درجات الحرارة الباردة والمتقلبة خلال فصل الشتاء، نقلاً عن "Our safety net".
وتساعد فضلات الأوراق المتحللة أيضاً على تخزين الكربون، باعتبارها أحد الحلول المناخية الطبيعية، فإنها تستمر في تخزين كميات منه في التربة؛ ما يساهم في تحويل مناطق مثل الحدائق إلى إسفنجات طبيعية لامتصاص الكربون.
وأوصى عالم الطبيعة ديفيد ميزجيوسكي بعدم إزالة الأوراق من قاعدة الأشجار، قائلاً: "إنها تسقط حول منطقة جذر النبات؛ حيث تقوم بدور هام، مثل القضاء على الأعشاب الضارة، والاحتفاظ برطوبة التربة، ثم تتحلَّل ببطء، وتتحوَّل إلى سماد وتُعِيد العناصر الغذائية إلى جذور النبات".
سماد طبيعي
فيما يمكن الاستفادة من أوراق الأشجار المتساقطة من خلال إضافتها إلى الأسمدة، وتحويلها إلى سماد طبيعي. وفي عام 2018 جرى تحويل ما يقدر بنحو 22.3 مليون طن من نفايات الحدائق الملحقة بالمباني في الولايات المتحدة إلى سماد بمعدل تسميد بلغ 63%، وفق تقديرات وكالة حماية البيئة الأمريكية.
وبناءً على هذه الفوائد، أطلقت جمعية Xerces، والاتحاد الوطني للحياة البرية، ومجموعات أخرى حملات لتشجيع أصحاب المنازل على ترك الأوراق المتساقطة، للاستفادة من فوائدها في حماية التربة من التآكل.
وتملك الأوراق القدرة على حماية الكائنات من الموت أو الهلاك بسبب انخفاض درجات الحرارة أو تطرُّف الطقس الذي أصبح متكرر الحدوث بسبب تفاقم مشكلة التغيرات المناخية؛ ولذلك يعد الاستفادة من الطبيعة نفسها أحد الحلول الفعَّالة لإدارة الأزمة بشكل جيد.