الريفيات بالمغرب يمزقن ثوب المعاناة تحت ظلال غابات الأركان


إسراء محمد
الاحد 15 أكتوبر 2023 | 04:59 مساءً

تقف النساء في الصفوف الأولى لتحمل العبء الأكبر من آثار التغيرات المناخية، لا سيما الريفيات اللاتي عانين طويلاً من تجاهل دورهن في دعم الأمن الغذائي وحماية البيئة.

وتتحمل النساء مسؤولية إنتاج نحو 50٪ من الغذاء في العالم، كما يشكلن ما يزيد عن 40٪ من إجمالي عدد العاملين في قطاع الزراعة بالبلدان النامية.

وتحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للمرأة الريفية في 15 أكتوبر من كل عام، للتذكير بالدور العظيم للريفيات في النظم الغذائية، والمطالبة بتكافؤ الفرص أمام الجميع في المناطق الريفية.

ريف المغرب

في الريف المغربي، الذي يعد من أكثر المناطق التي تعاني من الظواهر المناخية القاسية، تقع النسبة الكبرى من المخاطر والتحديات على النساء.

وقالت ليلى أميلي الناشطة المغربية في مجال المناخ، خلال حديثها إلى موقع "Equality Now"، إن التغير المناخي يؤثر على الجميع، لكن معظم التأثيرات تقع على النساء، لا سيما المزارعات؛ إذ يعيش سكان المناطق الريفية والجبلية ظروفاً صعبة، ويعانون من قدر أكبر من الظلم المناخي.

وأوضحت أميلي، التي تدير منظمة نسوية باسم "أيادً حرة"، أن المرأة تساهم بشكل رئيسي في الإنتاج الزراعي، وتعاني من صعوبات اقتصادية متعددة؛ ما يجعلهن أكثر عرضة للكوارث الطبيعية والمجاعات.

وأضافت: "على سبيل المثال، عندما تحدث فيضانات، لا تعرف النساء والفتيات كيفية السباحة والنجاة، وعندما تعاني المنازل من ندرة المياه بسبب قلة الخدمات في الريف، فإن النساء هن من يكافحن من أجل جلب المياه من أماكن بعيدة".

واستطردت أميلي حديثها بشأن وجوه معاناة النساء، قائلة: "يفكر الرجال في الهروب من مناطق الجفاف إلى مناطق وفرة المياه، بينما تظل النساء في تلك المناطق ويصعب عليهن الهرب؛ لأنهن لا يملكن الإمكانية المالية لاتخاذ قرار الهجرة".

مخاطر صحية

ووفق تقرير لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، تهدد الظروف المناخية القاسية حصول النساء على الخدمات الصحية والإنجابية، خاصة في المناطق المعرضة للكوارث المناخية مثل الفيضانات والجفاف والزلازل، علاوة على التأثيرات التي تطال صحتهن العقلية.

وبحسب بحث أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن الأزمات المناخية ستؤثر على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وما يترتب على ذلك من نتائج سلبية على صحة النساء.

وفي المغرب، تبلغ نسبة الأسر التي تعيلها النساء بشكل أساسي 15.6٪ من إجمالي الأسر، ويشكل الاحتباس الحراري مخاطر إضافية على النساء المعيلات في الريف.

ويأتي ذلك نظراً إلى اعتماد الأسر الريفية على سبل العيش المتأثرة بالتغيرات المناخية مثل الزراعة؛ ما يصعب من عملية الحصول على مصدر دخل، وإعالة الأسر، لا سيما مع استمرار تدهور الموارد الطبيعية الحيوية؛ ما يزيد من احتمالية تعرض النساء للعنف القائم على التمييز الاجتماعي بين الجنسين وندرة الغذاء.

غابات الأركان

ورغم الصعاب التي تعيشها الريفيات المغربيات، هناك جهود ضخمة تبذل من أجل حماية المحاصيل والغطاء النباتي، من بينها غابات الأركان "الأرجان"، التي يطلق عليها اسم "شجرة الحياة"؛ لأهميتها الثقافية والاقتصادية في البلاد.

واكتسب زيت الأركان شهرة عالمية واسعة؛ إذ يستخدم لأغراض الطهي ومستحضرات التجميل، وتبلغ قيمة صناعته وتصديره مليارات الدولارات، ويستخدم في مختلف مناطق العالم.

وشجر الأركان يلعب دوراً حاسماً في تعزيز التنمية المستدامة للسكان المحليين، وتخفيف آثار تغير المناخ في المنطقة؛ حيث يستخدم المزارعون تقنيات الزراعة الحرجية منذ قرون لزراعة محاصيل مثل القمح والشعير والعدس تحت ظلال أشجار الأركان.

والزراعة الحرجية هي زراعة أنواع خاصة من المحاصيل ذات قيمة عالية أسفل ظلال الغابات التي يتم تعديلها أو الإبقاء عليها بغرض توفير مستويات من الظل وبيئة طبيعية لنمو المحاصيل وزيادة مستويات الإنتاج.

ولا تؤدي هذه الممارسة إلى زيادة خصوبة التربة فحسب، بل تساعد أيضاً على منع تآكل التربة والتصحر، كما تساعد جذور الشجرة العميقة على تثبيت التربة ومنع تآكلها بفعل الرياح، وهو أمر بالغ الأهمية بشكل خاص في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، نقلاً عن الأمم المتحدة "UN".

ومن أجل الحفاظ على هذه الثروة من الظواهر المناخية، عادت النساء الريفيات إلى عهدهن القديم، فيما يتعلق بأساليب الحصاد المستدامة.

وتستخدم فاطمة هادي، التي تعمل في جمعية تعاونية تابعة لائتلاف مستخلص زيت الأركان في أغادير، الأدوات الحجرية؛ لاستخراج حبات الأركان، واستخدام ثمار الشجرة في إنتاج الزيت.

وقبل انضمامها إلى الجمعية التعاونية النسائية، لم تكن فاطمة تحصل على دخل منتظم، لكنها بدأت تتلقى أجراً شهرياً مقابل عملها في غابات الأركان، في وقت توظف فيه التعاونيات المحلية عشرات الآلاف من النساء؛ لزراعة الأشجار واستخراج الزيت.

الحصاد المستدام

وتمارس العديد من المزارعات المغربيات الحصاد المستدام، لكن هذه التقاليد باتت أكثر أهمية مع هيمنة أزمة تغير المناخ. ورغم قدرة أشجار الأركان على تحمل الجفاف والحرارة الشديدة، فإن هناك تقلصاً ملحوظاً في الغابات بفعل ارتفاع درجات الحرارة.

وتهدد المخاطر التي تتعرض لها غابات الأركان بفعل أزمة المناخ، الدخل الذي تجنيه النساء والفتيات منها؛ ما يزيد تدهور الأحوال المعيشية، وارتفاع معدلات الفقر، والتسرب من التعليم، والتعرض للعنف، والزواج المبكر، وغيرها من الممارسات السلبية.

لحماية النساء من التعرض للمخاطر المناخية، دعم صندوق الأمم المتحدة للسكان، إطلاق تحالف من المنظمات غير الحكومية؛ لمساعدة النساء والفتيات على مواجهة التحديات المرتبطة بتغير المناخ.

وقال عبد الإله يعقوب مساعد ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في المغرب، إن المبادرة تركز بشكل مباشر على النساء والفتيات اللواتي تم التخلي عنهن، وخاصة غير الملتحقات بالتعليم، أو من يعملن ويعشن في المناطق الريفية.

ومنذ ما يقرب من عقد من الزمان، قام المغرب بتطوير برنامج سياسة تغير المناخ (MCCP)، الذي حدد بعض الوسائل لمساعدة النساء الريفيات المغربيات على التغلب على مخاطر المناخ، ويشمل توزيع المحاصيل المقاومة للجفاف ونقل مساكن الطلبة في المدارس المخصصة للنساء فقط إلى مناطق خالية من الفيضانات.