يدفع النساء، باختلاف أعمارهن، ثمناً باهظاً من جراء الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية، وما يترتب عليها من تدهور الظروف المعيشية؛ إذ تؤثر على التسرُّب من التعليم والزواج المبكر وإعالة الأسر وغيرها.
وتُمثِّل موجات الطقس المتطرف ضغطاً متزايداً على سكان دولة اليمن، بالتزامن مع حالة حرب تشهدها البلاد على مدى عقد من الزمان؛ إذ تُمثِّل النساء والأطفال 80% من النازحين البالغ عددهم 4.5 مليون شخص، وفق صندوق الأمم المتحدة للسكان "UNFPA".
ويشهد اليمن، منذ عام 2014، حرباً بين القوات الحكومية وجماعة الحوثيين، مخلفةً أوضاعاً إنسانيةً وصحيةً شديدة الصعوبة، فضلاً عن تدهور حاد في اقتصاد البلد العربي.
مأساة إنسانية
ومنذ أن كانت في الثامنة من عمرها، انقطعت شيماء (طفلة يمنية) عن الدراسة، بعدما أصبحت أسرتها غير قادرة على الإنفاق على التعليم، لتجد نفسها مجبرةً على مشاركة عائلتها في أعمال الزراعة بمحافظة حجة شمال البلاد.
ونزحت عائلة شيماء من مكان إلى آخر حتى لجأت للإقامة في مكان لجمع النفايات في منطقة قحزة بمحافظة صعدة في عام 2019؛ للعمل في جمع الزجاجات البلاستيكية، وبيعها في إحدى أسواق المدينة.
واقتصر دخل العائلة من هذا العمل على أقل من دولار واحد يومياً؛ ما يكفي بالكاد تكلفة وجبة واحدة، قبل أن تهجم عليهم الكوارث الطبيعية لتفاقم الأزمة الإنسانية.
وتعرَّض مكان إقامتهم لهطول أمطار غزيرة؛ ما أدى إلى انجراف الدراجة النارية التي يستخدمونها في نقل النفايات. وعلى إثر ذلك فقَدَ والد شيماء وشقيقها حياتهما غرقاً أثناء محاولة إنقاذ الدراجة.
وباتت شيماء البالغة من العمر 16 عاماً، هي المعيل الوحيد لوالدتها وشقيقها الذي يصغرها بـ3 سنوات، وشقيقتها التي لا تزال في السادسة من عمرها.
ورغم الشقاء الذي تعانيه النساء، لا زالت التقاليد الاجتماعية، خاصةً في مناطق شمال اليمن، تقيد حق المرأة في العمل أو الحصول على الخدمات الصحية أو الإنجابية، كما يواجهن خطراً أكبر بسبب العنف القائم على النوع الاجتماعي.
أزمة مناخية
ويحتلُّ اليمن المرتبة الثالثة بين دول العالم الأكثر عرضةً لمخاطر تغيُّر المناخ، لكنه الأقل استعداداً لمواجهتها؛ حيث هدَّد الجفاف الشديد والارتفاع القياسي في درجات الحرارة والفيضانات المدمرة؛ حياة عشرات الآلاف من الأشخاص خلال العام الجاري، كما أدى إلى نزوح أكثر من 200 ألف شخص.
وتعيش سعاد (يمنية، 45 عاماً) برفقة أطفالها السبعة في كوخ من الطين بعدما اضطرت إلى النزوح عقب وفاة زوجها، قبل أن تهدمه الفيضانات التي اجتاحت المنطقة فجأةً.
وقالت سعاد لفريق الاستجابة السريعة بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان: "أصبت بحالة صدمة، ولم يتبقَّ من حياتي شيئاً ليتم تدميره". ومثل معظم اليمنيين، لجأت سعاد إلى بيع الأدوات المنزلية، بينما عمل أطفالها في جمع النفايات البلاستيكية.
وبدورها، قالت انشراح أحمد ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن: "الظروف الجوية القاسية الناتجة عن تغير المناخ، تتسبب في تدمير حياة الناس في البلاد، وخاصةً النساء والفتيات".
صعوبة العودة
وتتعدد تحديات عودة الفتيات والنساء في اليمن إلى الحياة الطبيعية بعد وقوع الكوارث الطبيعية؛ إذ غالباً ما تركز الجهود الإنسانية على تنظيم الغذاء وتوفير المأوى للنازحين، وتتجاهل احتياجات النساء والفتيات بوجه عام.
ويُشكِّل انعدام الأمن المائي مصدر قلق دائم لليمنيين، وخاصةً النساء والفتيات اللاتي يتحملن مسؤولية جمع المياه؛ حيث تسير العديد من النساء والفتيات نحو 6 ساعات أو أكثر يومياً للحصول على المياه، بينما تلجأ أخريات إلى الشرب من مصادر غير نظيفة، أو يضطررن إلى دفع رسوم مالية باهظة لتوصيل المياه.
وتؤدي التغيرات الكبيرة في هطول الأمطار الموسمية في البلد المأزوم إلى تآكل التربة والتدهور البيئي؛ ما ينتج عنه فقدان التربة، وفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP.
معالجة أممية
ويعترف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن بالدور الرئيسي للمرأة في بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، كما عمل البرنامج الأممي مع تحالف للعمل النسوي من أجل العدالة المناخية، على تخفيف آثار تغير المناخ على النوع الاجتماعي فيما يتعلق بتوفير المياه والغذاء والطاقة.
ويسعى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى إيجاد حلول دائمة للتخفيف من الآثار السلبية لندرة المياه الناجمة عن تغير المناخ، من خلال تأسيس نُظُم تجميع مياه الأمطار، وقنوات وشبكات الري، والاعتماد على الري السيلي، إضافة إلى أساليب الإدارة المتكاملة لأحواض تصريف المياه، واستعادة الأراضي الزراعية المتدهورة.
وفي عام 2021، دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إعادة تأهيل وصيانة مرافق المياه والصرف الصحي في مدينتَي عدن والمكلا التي استفاد منها أكثر من 130 ألف شخص أكثر من نصفهم فتيات ونساء.