منذ نحو 15 عاماً، يسعى المغرب إلى مكافحة التغير المناخي عبر خطة طامحة للتوسع في إنتاج مصادر الطاقة الخضراء، لتمثل 42% من إجمالي قدرة الطاقة المركبة بحلول عام 2020.
ولتحقيق ذلك، افتتحت المملكة المغربية محطات توليد الطاقة بالرياح في أكثر من مدينة، بجانب إنشاء أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم.
لكن البلد العربي لم يتمكن حينها من الوصول إلى كامل غايته؛ إذ شكلت الطاقة الخضراء 37% فقط من مجمل الطاقة عام 2020.
ويسعى المغرب إلى تحقيق هدف جديد لعام 2030؛ حيث تساهم مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 52% في توليد الكهرباء ببلاد.
ونجحت المملكة في الدخول في سوق الطاقة المتجددة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ ما جعل تجربتها مثالاً يحتذى به ويستحق الدراسة.
ثورة خضراء
يجمع المغرب بين الأجواء الساحلية المشابهة لأوروبا؛ حيث يطل على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، بجانب أجواء صحراوية شبه قاحلة تجسد الهوية الإفريقية، ويفصل بين المتناقضين سلسلة جبال أطلس بالمرتفعات الشاهقة.
واستطاعت المملكة إدارة وتطويع هذا التنوع وتحويله إلى ثروة متجددة، كما نجحت في التغلب على مشكلة ندرة النفط لتغطية احتياجاتها من الطاقة عبر إنتاج الطاقة الخضراء من الرياح والشمس، مستغلةً بشكل دقيق الإمكانات الطبيعية والمناخية في كل منطقة.
وأسست سلسلة من محطات توليد الطاقة بالرياح، بطول الامتداد الساحلي الشاسع شمالاً على البحر المتوسط وغرباً على المحيط الأطلسي.
وتعد طاقة الرياح هي ثاني أكثر أشكال الطاقة المتجددة انتشاراً في منطقة البحر الأبيض المتوسط مع تركيب معظم توربينات الرياح على الشاطئ.
طاقة الرياح
وتمتلك مدينة طرفاية (جنوب المغرب) اثنتين من كبريات مزارع الرياح في إفريقيا؛ بسبب مناخها المتميز؛ إذ تقع بالقرب من الساحل الأطلسي؛ حيث تلتقي الصحراء بالبحر، وتمتاز بمناخ جاف مع مستويات عالية من الرياح تتصف بالسرعة والانتظام، كما تحتوي على مساحات صحراوية واسعة.
وتتيح هذه الأجواء شرطاً مهماً من شروط مشاريع إنتاج طاقة الرياح، وهي مساحة كبيرة مفتوحة بدون عقبات؛ ما يتناسب مع عمل التوربينات المولدة للطاقة من الرياح.
وتبلغ القدرة المركبة لمحطة ورزازات أو نور، التي تُعَد أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم، نحو 582 ميغاواط، وتلبي احتياجات نحو مليوني مغربي من الكهرباء، كما تجنب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تعادل مليون طن سنوياً
الطاقة الشمسية
وتحتضن مدينة ورزازات (الجنوب الشرقي) أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم، وتلقب بـ"بوابة المغرب إلى الصحراء الكبرى"؛ إذ تقع على مكان مرتفع وسط هضبة جرداء جنوب جبال الأطلس الكبير.
وتتميز المدينة بمناخ صحراوي جاف ومشمس؛ ما جعلها مناسبة لإنشاء المحطة؛ حيث تمتد مجموعة هائلة من المرايا المنحنية على مساحة 3000 هكتار لإنتاج الطاقة الشمسية، وتعد ثالث أكبر مصدر للطاقة المتجددة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وتبلغ القدرة المركبة لمحطة ورزازات أو نور، التي تُعَد أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم، نحو 582 ميغاواط، وتلبي احتياجات نحو مليوني مغربي من الكهرباء، كما تجنب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تعادل مليون طن سنوياً.
المصدر: Environmental Justic Atlas
ويعد التحدي الأكبر الذي يواجه المغرب هو الموازنة بين احتياجاته الاقتصادية، التي ستستفيد بشكل كبير من تجارة الطاقة الخضراء المستمرة مع أوروبا، مع احتياجاته الخاصة من الطاقة من أجل تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق أهدافه المناخية.
التعاون مع أوروبا
يتزامن نجاح التجربة المغربية في صناعة الطاقة الخضراء مع الأزمة التي تشهدها جارتها الشمالية أوروبا، على خلفية الحرب الأوكرانية والبحث عن بدائل للوقود الأحفوري الروسي.
وبدأت القارة العجوز تتحول إلى الطاقة النظيفة، لكنها تحتاج إلى كميات كبيرة من الموارد؛ وذلك يتطلب خلق سوق جديدة تستورد منها احتياجاتها.
وأشارت الصحيفة الإيطالية "Energia Oltre" المتخصصة في الطاقة، في تقرير، إلى الدور المحتمل الذي من الممكن أن تلعبه المملكة في عملية تحول الاتحاد الأوروبي إلى الطاقة الخضراء.
واعتبر التقرير أن العلاقة التجارية المحتملة بين المغرب وأوروبا يمكن أن تكون مربحة للجانبين؛ إذ سيحصل الاقتصاد المغربي على دفعة قوية في السوق من خلال إنشاء عقود كبرى توفر العديد من فرص العمل.
بينما تؤمن أوروبا بعض احتياجاتها من الطاقة من تخفيض الانبعاثات وتنويع مصادر الطاقة الخاصة بها، كما أن إنتاج الطاقة المتجددة وتصديرها إلى أوروبا عبر الكابلات البحرية، يمكن أن يوفر نحو 28 ألف فرصة عمل سنوياً، في حين يبلغ معدل البطالة في المغرب حالياً 11.2%.
وأشار التقرير إلى إمكانات المغرب التصنيعية الهائلة، لكن الأمر سوف يتطلب قدراً هائلاً من الاستثمار وتطوير البنية الأساسية للارتقاء بالقطاع إلى مستوى المطلوب.
وتحاول أوروبا تقديم المساعدة في هذا المجال؛ حيث خصص الاتحاد الأوروبي بالفعل 688 مليون دولار لمشاريع مختلفة لدعم تحول المغرب إلى الطاقة الخضراء، فضلاً عن معالجة الهجرة غير الشرعية وتسهيل الإصلاحات الرئيسية في القطاعات الحيوية، مثل الحماية الاجتماعية وسياسة المناخ والإدارة العامة، وفق التقرير ذاته.
ويعد التحدي الأكبر الذي يواجه المغرب هو الموازنة بين احتياجاته الاقتصادية، التي ستستفيد بشكل كبير من تجارة الطاقة الخضراء المستمرة مع أوروبا، مع احتياجاته الخاصة من الطاقة من أجل تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق أهدافه المناخية.
ورغم كل التحديات، يبدو أن الطريق ممهد الآن أمام المغرب حتى يلعب دوراً مهماً في صناعة الطاقة الخضراء عالمياً، ويدعم موارده الطبيعية وموقعه الجغرافي القريب من القارة العجوز، ورغبة العالم في تقليل الانبعاثات الكربونية من أجل الحفاظ على الكوكب الأزرق.