منذ عقود تستحوذ قضية التكيف مع التغيرات المناخية على الجزء الأكبر من الاهتمام العالمي.
ويشير مصطلح التكيف إلى الإجراءات التي تُتخَذ لمواجهة أزمة تغير المناخ، والحد من الأضرار البيئية.
وحذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "IPPC"، في فبراير 2022، من احتمالية أن تؤدي بعض إجراءات التكيف إلى نتائج عكسية.
ودعا التقرير آنذاك صانعي السياسات إلى محاولة تجنب هذه النتائج، من خلال الاهتمام بمراحل التخطيط بهدف توقع المخاطر.
على سبيل المثال، قد تؤدي الحوائط البحرية إلى إبقاء مياه الفيضانات في المناطق التي بنيت فيها، إذا لم يجر إنشاؤها على نطاق واسع، وهو ما حدث في مدينة نيو أورليانز الأمريكية بعد وقوع إعصار كاترينا في 2005.
وفي أزمة مشابهة شهدتها فرنسا، جرى إنشاء حواجز بحرية لحماية السكان الذين يعيشون في المناطق الساحلية المنخفضة، لكنها أدت إلى منع رواسب الأنهار في الوصول إلى المنطقة، ومن ثم يلزم إعادة بناء تلك الحواجز كل فترة، للتكيف مع الساحل الذي يشهد تغيرات مستمرة، وفق موقع Discover Magazine.
مشاريع غير مخططة
عادة ما يجري تسويق مشروعات التشجير؛ لكونها طوق النجاة لامتصاص كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، وتعزيز التنوع البيولوجي.
لكن الكاتبة كاترين إينهورن المتخصصة في صحافة المناخ، حذرت، في تقرير بصحيفة "نيويورك تايمز"، من أن تنفيذ مشروعات التشجير بطريقة خاطئة قد يسير في اتجاه معاكس، لدرجة تسرع من عمليات انقراض بعض الكائنات.
وأوضحت إينهورن أن عملية التشجير لا بد أن يسبقها اختيار النوع المناسب، وزراعته في المكان المناسب؛ ما يتطلب التنسيق مع العديد من الأطراف المعنية كالخبراء وشركات استزراع الغابات، وصانعي القرار وغيرهم.
أخطار مستقبلية
بدوره قال وليام ترافيز عالم الجغرافيا في جامعة كولورادو بولدر الأمريكية، إن الخطط التي يجري إعدادها تحمل افتراضاً أن آثار التغيرات المناخية تتفاقم في صورة خطية، ولا تضع اعتباراً لفكرة تكرار المخاطر بدرجات مختلفة من الشدة، وفق موقع Discover Magazine.
وأوضحت ليزا تشيبر باحثة المناخ في جامعة أوكسفورد البريطانية، أن الأمر لا يقتصر على وقوع خطأ بسيط في الإجراءات، بل إن سوء التخطيط للتكيف من شأنه أن يقوض فرص التكيف الصحيحة مستقبلاً.
كما أشارت تشيبر إلى أن فرض الحلول الأجنبية على منطقة بعينها قد يؤدي إلى وقوع أضرار على الفئات الأضعف، مثلما فعلت الحواجز المستوحاة من الطراز الهولندي، التي قامت ببنائها بنجلاديش على الأنهار، وانتهت باعتماد الملايين من السكان على بنية تحتية لا تخضع للصيانة.
وفي هذا الإطار، استشهدت بأن تجاهل العوامل الميدانية من شأنه أن يساهم في تجاهل إعادة تأهيل الأراضي الرطبة التي يمكنها مواجهة الفيضانات لصالح حلول تكنولوجية تبدو أكثر جاذبية.
إطار للتقييم
وأشار باحثون في تقرير نشره موقع Carbon Brief، إلى أن محاولة تقييم إجراءات التكيف ليست بالأمر السهل؛ لأن الأمر يخضع للظروف المحلية؛ حيث يكون مفيداً في منطقة وضاراً في منطقة أخرى.
فيما أعلن 7 باحثون في دراسة نشرتها دورية Nature Climate Change، تطوير إطار لتقييم مدى نجاح إجراءات التكيف المناخي؛ وذلك على حسب طريقة تصميم الإجراءات والتنفيذ والمكان والوقت.
إطار التقييم الذي طوره الباحثون يسمى "NAM-Framework"؛ حيث يعني التحرك على خط متدرج بين التكيف وسوء التكيف، ويتضمن 6 معايير يمكن من خلالها قياس مدى تأثير أي خطوة، من خلال درجات محددة.
وشملت تلك المعايير، تأثير تلك الإجراءات على النظم البيئية والمناخية والاجتماعية، سواء كان هذا التأثير سلبياً أو إيجابياً أو محايداً، كما تضمنت تقييم النتائج على الفئات المنخفضة الدخل، والنساء في المراحل العمرية المختلفة، علاوة على المجموعات العرقية المهمشة.
وكشف الباحثون عن ارتفاع نسب نجاح الإجراءات التي تخص الأنظمة الاجتماعية والسلوكية، مثل التغييرات في الأنظمة الغذائية وإهدار الطعام، مقابل انخفاض النسب فيما يخص البنية التحتية مثل طرق تخزين المياه، كما أشاروا إلى أن برامج التأمين قد تؤدي بنتائج سلبية على الفئات المهمشة.