قبل قرابة ألفَي عام، عاش رجل يوناني في مدينة الإسكندرية بين العديد من أبناء جنسه الذين أقاموا بمصر في تلك الفترة، لكنه تميَّز بالنبوغ الشديد في الرياضيات والهندسة، واختراع ابتكارات لم تشهدها البشرية من قبل.
هذا الرجل هو العالم هيرون السكندري، الذي عاش في منتصف القرن الأول للميلاد، وتوفي عام 70 م، دون أن يدرك أن عجلة الرياح التي اخترعها لتشغيل إحدى الآلات، ستُصبح مقدمة للاستعانة بالرياح في توليد الطاقة الكهربية، للإفلات من قبضة التغيرات المناخية، وتقليل الاعتماد على المصادر الملوثة للبيئة.
طاقة الرياح
تقنية جديدة
آخر مراحل محاولات تطوير الكيفية التي تعمل بها توربينات الرياح، شهدها معهد البوليتكنيك في باريس، الذي عكف باحثوه على مواجهة مسألة بعينها، وهي العلاقة بين حركة التوربينات واتجاه الرياح؛ لتحسين كفاءة توليد الكهرباء.
وتصل التوربينات إلى أقصى كفاءة لها عندما تقع في مواجهة اتجاه الرياح، وهو ما يعني أنه لا بد من تغيير اتجاه التوربينات في كل مرة تُغيِّر فيها الرياح مسارها للحصول على تلك الدرجة من الفاعلية.
هناك بالفعل تقنيات لإدارة هذه المسألة، لكن اثنين من علماء المعهد نجحا في تطوير طريقة جديدة، وفقاً لموقع New Scientist.
باستخدام الذكاء الاصطناعي، طوَّر الباحثان ألبان بويتش وجيسي ريد النظام الجديد عبر خوارزمية جرى تدريبها بتقنية التعليم المعزز؛ من أجل رصد أنماط الرياح، وتطوير طرق خاصة من أجل الحفاظ على الزاوية الصحيحة للتوربين.
من خلال نظم محاكاة حاسوبية، نجح الباحثان في المقارنة بين التجربة الجديدة، والخوارزميات السابقة، ليتفوق حجم الطاقة الناتج عن النظام الجديد بنسبة 0.4%، علاوةً على فارق 0.3%، يمكن للنظام توفيرها خلال عملية تغيير الاتجاهات مقارنةً بالطرق المعروفة.
للوهلة الأولى، لا يبدو الفارق بين حجم الطاقة الناتجة كبيراً، لكن إذا ما جرى تطبيق الأمر على مستوى العالم، فسيبلغ الفارق 5 تيرات وات/الساعة سنوياً، وهو ما يعادل استهلاك ألبانيا من الكهرباء، أو متوسط استهلاك 1.7 مليون منزل في المملكة المتحدة، وفقاً لتقديرات الباحثين.
في عام 2022، تخطت نسبة طاقة الرياح بين مصادر توليد الكهرباء في العالم 7%، في زيادة ملحوظة عن عام 2010 الذي اقتصرت فيه النسبة على 1.6%، بحسب موقع Statista للإحصائيات.
طاقة الرياح عربياً
بدأت الدول العربية منذ عقود تلجأ إلى طاقة الرياح مصدراً للطاقة النظيفة بجانب المصادر الأخرى، في الوقت الذي يُشير فيه خبراء إلى مستقبل واعد ينتظر المنطقة في هذا النوع تحديداً من مصادر الطاقة النظيفة، لا سيما طاقة الرياح البحرية.
في مصر، تنقسم مزارع طاقة الرياح إلى 3 مزارع رئيسية: مزرعة رياح جبل الزيت بسعة 580 ميجا وات، ومزرعة الزعفرانة بسعة 545 ميجا وات، ومحطة تابعة لشركة رأس غارب لطاقة الرياح بسعة 250 ميجا وات، وهي أول محطة تتبع القطاع الخاص.
وتخطِّط مصر لتنفيذ مشروعات جديدة في هذا المجال بسعة تتخطى 2400 ميجا وات، وفقاً لموقع هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة.
فيما بدأت المملكة العربية السعودية في عام 2019، إنشاء المحطة الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط، وهي محطة دومة الجندل بسعة 400 ميجا وات، ومن المقرر أن يبلغ إجمالي طاقة الكهرباء التي تنتجها من الرياح 10 جيجا وات بحلول عام 2025.
كما ضمَّت جزيرة صير بني ياس جنوب غرب العاصمة الإماراتية أبو ظبي أول توربين لتوليد الكهرباء من الرياح بسعة تصل إلى 850 كيلو وات/الساعة.
وساهمت شركة مصدر الإماراتية في تطوير عدد من المشروعات الضخمة من بينها محطة الطفلية في المملكة الأردنية والتي توفر الكهرباء لما يزيد عن 80 ألف منزل، وفق الموقع الرسمي للشركة.
أما المملكة المغربية فنجحت في رفع سعة هذا النوع من الطاقة من 255 ميجا وات في 2012 إلى 1435 ميجا وات في 2021، وفق Statista.
موقع جغرافي
وتُعَد السواحل الطويلة التي تُطِل عليها الدول العربية قيمة مضافة للتوسع في مجال توليد طاقة الرياح؛ إذ تصبح مناطق مناسبة لإنشاء محطات بحرية، تزيد فيها سرعة الرياح عن 5 أمتار/ الثانية فوق مستوى سطح البحر بـ80 متراً، ومنها سواحل خليج السويس والعقبة في مصر والأردن، وشمال غرب السعودية، علاوةً على ساحل جنوب شرق عمان، وشمال ليبيا.
السواحل الطويلة التي تطل عليها الدول العربية تمنحها ميزة إضافية
وتفوق الإمكانيات المحتملة لمنطقة شمال أفريقيا في الاستعانة بطاقة الرياح، دول شمال أوروبا بفارق 34 مرة؛ فالمغرب وحده يمكنه إنتاج 200 جيجا وات من المزارع البحرية؛ إذ تصل سرعة الرياح إلى 11 متراً/الثانية في مناطق الجنوب، بحسب موقع معهد الشرق الأوسط.
لكن تظل هناك تحديات تواجه إنشاء هذا النوع من المحطات، يوضحها الدكتور أحمد حجازي رئيس جمعية مصر الطاقة الخضراء، في حديثه إلى "جرين بالعربي"، بقوله: "الأمر يتطلب إجراء دراسات لمدة تصل إلى عامين من أجل تحديد صلاحية المنطقة لإقامة المحطة على عكس الطاقة الشمسية، إضافةً إلى أنها تحتاج إلى تكنولوجيا متطورة لضمان تحمُّل الضغوط وسرعة الرياح".
أما عن تكلفة تلك المشروعات، فوصف حجازي طاقة الرياح بأنها من مصادر الطاقة المقبولة اقتصادياً على المدى الطويل، كما أن تطوير التقنيات لتغيير اتجاه التوربينات وفقاً لاتجاه الرياح من شأنه أن يؤدي إلى تحسين كفاءة وأداء المحطات.
وأشار رئيس جمعية مصر الطاقة الخضراء إلى أن الظواهر الناتجة عن التغيرات المناخية، مثل الأعاصير والعواصف الشديدة، تؤثر على عمل محطات الرياح؛ فإذا زادت السرعة عن حد معين يجري إيقافها أوتوماتيكياً عن العمل؛ حتى لا تتلف تماماً، لكن مثل هذه الظواهر لا تنتشر في الوطن العربي مقارنةً بمناطق أخرى في العالم مثل سواحل الولايات المتحدة.
وبشأن ارتفاع سطح البحر في العالم العربي، استبعد حجازي أن يؤثر بالسلب على عمل المحطات؛ لأنه يجري إنشاؤها في مناطق مرتفعة عن مستوى سطح البحر، قائلاً: "التطور التكنولوجي المستمر يساهم في إنتاج مواد جديدة من مكونات محطات الرياح لتتحمَّل الظروف الاستثنائية، مثل ارتفاع سرعة الرياح أو تقطعها، أو الأعاصير وغيرها".