تضرر الغطاء النباتي للغابات في العالم بظاهرة الاحترار التي أدت إلى اندلاع العديد من الحرائق، فضلاً عن الممارسات البشرية الضارة كقطع الأشجار، لتشهد مساحات واسعة من الغابات تدميراً هائلاً.
بعض الغابات يمكنها التعافي تلقائياً دون إعادة التشجير من خلال الحماية والدعم المناسبين، والبعض الآخر بحاجة إلى مزيد من المساعدة المكثفة من خلال إعادة التحريج؛ لذا باتت مشاريع غرس الأشجار رائجة من خلال إرسال آلاف المتطوعين إلى الحقول لزراعة الشتلات يدوياً.
ورغم جهود تنفيذ مشاريع الغرس فإنها تتطلب عمالة كثيفة، وقد لا يمكن الوصول إلى الأراضي المتدهورة عن طريق البر، وقد يرافقها الفشل في تحقيق إعادة التحريج في نطاقات معينة، وفي أطر زمنية تواكب التغيرات المناخية.
أظهرت البيانات نجاح معدلات نمو البذور في المواقع باستخدام المسيرات حيث ساهمت في استقرارها بالتربة وزيادة مساحات أشجار القرم في أبوظبي بأكثر من 35٪
عربية وإفريقية
الأكثر قراءة
لدولة الإمارات العربية المتحدة بصمة في زراعة البذور بالطائرات بدون طيار؛ حيث نجحت هيئة البيئة-أبوظبي في زراعة مليون بذرة من القرم باستخدام طائرات بدون طيار، كمرحلة أولية من مشروع زراعة أشجار القرم باستخدام الطائرات المُسيَّرة المبتكرة، التي تعتبر الأولى من نوعها في المنطقة.
مزايا استخدام الطائرات بدون طيار في زراعة هذا النوع من الأشجار يكمن في تقليل العمالة البشرية في الزراعة؛ ما يخفض التكلفة، إضافة إلى القدرة على الوصول إلى المناطق النائية.
كما أظهرت البيانات نجاح معدلات نمو البذور في المواقع باستخدام هذه الطائرات؛ حيث ساهمت في استقرارها بالتربة وزيادة مساحات أشجار القرم في أبوظبي بأكثر من 35٪، وفقاً لموقع" Sustainability Middle East News".
وتعاني مقاطعة نهر تانا في كينيا من إزالة الغابات وظهور نوع من الأشجار الغازية التي زادت من تأثير التغيرات المناخية، وهددت 82٪ من السكان المعتمدين على الزراعة المطرية والمراعي.
فيما دخلت منظمة الرؤية العالمية في شراكة مع منظمة " Kenya Flying Labs" لتحسين مقاومة المناخ لـ9 قرى من خلال إعادة زرع المناطق الموجود بها الأشجار التي تغطي ما لا يقل عن 250 فداناً لكل قرية.
المرحلة الأولى في المشروع هدفها جمع البيانات باستخدام الطائرات بدون طيار لرسم الخرائط. أما المرحلة الثانية فكانت غرس البذور في المناطق التي تم تحديدها لزيادة عملية إعادة التشجير بدلًا من إجهاد المزارعين في إعادة التحريج اليدوي.
البذور الجوية
ويساهم إدخال الروبوتات في مشاريع إعادة التشجير في تغيير قواعد اللعبة، خاصةً في المواقع البعيدة التي يتعذر على البشر الوصول إليها؛ حيث يمكن لتقنية "البذور الجوية" إسقاط البذور على طول طريق محدد بالطائرات بدون طيار عن طريق توجيهات من شخص ما.
وظهرت شركات متخصصة في ابتكار وتشغيل تقنيات "البذور الجوية"، بعضها يصمم نسخاً خاصة من التكنولوجيا الروبوتية الجوية، والبعض الآخر يتكيف مع التصميمات المتاحة تجارياً في الدول الصناعية.
وخصصت شركة Mast Reforestation – ومقرها في واشنطن – برنامجاً خاصاً في إعادة تشجير غابات الصنوبر التي دمرتها الحرائق في أمريكا الشمالية؛ حيث قال نائب رئيس الشركة للبحث والتطوير ماثيو أغاي، لموقع " Mongabay" إنه عندما تأسست الشركة عام 2015 لم تكن هناك طائرات بدون طيار متاحة تجارياً مناسبة للوظيفة؛ لذلك ابتكرت الشركة تصميم الطائرات بدون طيار الخاص بها.
ونجحت Mast Reforestation في الجمع بين تقنية "البذور الجوية" وزرع الشتلات يدوياً في أحد مشاريعها عام 2022؛ حيث أعادت تشجير ما يقرب من 300 فدان في غرب ولاية "أريغون" بالولايات المتحدة الأمريكية، مع التوقع بإزالة أكثر من 200 ألف طن متري من الكربون بالجو خلال الـ200 عام القادمة.
أما استعادة الغابات الطبيعية في أستراليا فلم يكن بالأمر السهل؛ حيث عجزت الأساليب التقليدية عن مواجهة المشكلة الضخمة. وبناءً على ذلك، طورت شركة AirSeed Technologies طائرات بدون طيار مزودة بالذكاء الاصطناعي لتسريع نطاق عملية إعادة التحريج.
ويمكن للطائرات بدون طيار التابعة لـAirSeed أن تزرع البذور بمعدل 25 مرة أسرع من زراعة الشتلات يدوياً؛ حيث تقوم بإلقاء ما يصل إلى 40 ألف بذرة يومياً في المناطق النائية، والخطرة التي يتعذر الوصول إليها.
الخبراء يرون أن تطبيق هذه التكنولوجيا الروبوتية لإعادة التحريج في الدول النامية في المناخات الاستوائية مع التعقيد المذهل لأنواع الأشجار والبنية التحتية المحدودة في بعض الأحيان لن يحدث بسهولة
تحديات وإنجازات
وكشفت لينينج ياو المهندسة الميكانيكية بجامعة كارنيجي ميلون الأمريكية، أن أكبر تحدٍّ يواجه تقنيات "البذور الجوية" هو معدل الإنبات المنخفض؛ فمن الوارد أن تسقط البذور في التربة الفقيرة، أو تفترسها الحشرات والطيور، أو تكون عرضة للتخزين غير السليم قبل زراعتها.
ولذلك طورت "ياو" وفريقها من الجامعة حاملاً للبذور ذاتي الغرس يمكن نثره بواسطة طائرات بدون طيار؛ حيث يستطيع الحامل الامتداد في التربة بعد تعرضه للأمطار، ومن ثم يمكن حماية البذور من الرياح والجفاف وعبث الطيور.
ورغم أن هذا النظام ليس جاهزاً بعد للإنتاج الواسع النطاق، فقد حقق التصميم نتائج واعدة في الاختبارات المعملية والميدانية، لكن الخبراء يرون أن تطبيق هذه التكنولوجيا الروبوتية لإعادة التحريج في الدول النامية في المناخات الاستوائية، مع التعقيد المذهل لأنواع الأشجار والبنية التحتية المحدودة في بعض الأحيان، لن يحدث بسهولة.
وقالت لينينج ياو في تصريح لـ"جرين بالعربي" إنه لم يتم إجراء تجارب على مستقبل حامل البذور الذاتي الغرس في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن فريقها متفائل؛ لأن بعض أنواع الحشائش التي دفنت نفسها بنفسها كانت من أصول أفريقية.
وبالحديث عن تأثير التربة الرملية والبركانية العربية على زراعة البذور الذاتية الدفن، أشارت إلى أن التربة الرملية ذات الجسيمات الدقيقة جداً يصعب فيها الزراعة بشكل طبيعي، لكن التصميم الثلاثي الأطراف الذي تم ابتكاره، قد يعمل بشكل جيد. أما شرط نجاح زراعة البذور في التربة البركانية فيرجع إلى احتوائها على بعض الحصى.
ورغم عدم اختبار الابتكار حتى الآن بالدول العربية، تود المهندسة الميكانيكية الحصول على فرصة للتعاون، موضحة أن درجات الحرارة المرتفعة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليست مشكلة، لكنهم بحاجة إلى تقلبات في رطوبة التربة بالبيئة المحيطة، والأمطار لكي تغرس البذور نفسها.
ورغم أن ملوحة التربة بالدول العربية تمثل مشكلة في الزراعة، فإن الابتكار الجديد قادر على مواجهته؛ لأنه مصنوع من قشرة الخشب، وفقاً لما وصفته لينينج، وتعتقد أن المادة مناسبة للمقاومة.
كما تعتقد أن البذور الإلكترونية قادرة على تغطية الأماكن التي يصعب الوصول إليها في إعادة التشجير بكافة دول العالم، خاصة أن معدل الإنبات المنخفض كان يمثل مشكلة أمام البذور الجوية، لكن البذور الإلكترونية شهدت تحسناً.
والجدير بالذكر أن الاختبارات التجريبية للتقنية أُجريت في بيتسبرغ بالولايات المتحدة الأمريكية وهانغتشو بالصين في الهواء الطلق، والآن الفريق منفتح على إدراج التكنولوجيا في الممارسات الزراعية بكافة أشكالها عندما تتاح الفرصة.