متهم أم بريء؟!.. السياحة الإيكولوجية بين المكاسب والخسائر


مروة بدوي
الاحد 20 اغسطس 2023 | 10:08 مساءً

تُعد السياحة البيئية "Ecotourism" نمطاً من أنماط سياحة الطبيعة التي لاقت رواجاً هائلاً خلال العقدين الماضيين؛ إذ يتوافد نحو 8 مليارات سائح إلى المناطق المحمية حول العالم.

والسياحة الإيكولوجية هي القائمة على اكتشاف البيئة؛ حيث تعتمد بشكل كبير على السفر لرؤية الأماكن الطبيعية المليئة بالتنوع البيولوجي من الكائنات الحية والموائل البرية؛ وذلك وفقًا للأمم المتحدة.

كما تشير إلى جميع أشكال السياحة الهادفة إلى خوض تجربة الطبيعة البكر والبيئات الهشة غير الملوثة، ويكون دافع السياح الرئيسي هو مراقبة وتقدير البيئة والثقافات المحلية، مع تقليل الآثار السلبية على المنظومة البيئية والاجتماعية والثقافية.

ورغم أن أهم مبادئ السياحة التي تستهدف المناطق البرية هو الاستدامة وحماية الموائل الطبيعية، ذكرت جامعة الأمم المتحدة أن تطور السياحة بالمناطق البرية أدى إلى مضاعفة اندلاع الحرائق؛ ما يفرض سؤالاً حول السياحة الإيكولوجية ومدى نفعها وضررها على مستقبل البيئة.

وتعد الاستدامة هي المفهوم الرئيسي للسياحة البيئية لتمكين الأجيال القادمة من الاستمتاع بالتجارب والأماكن نفسها دون تغيير؛ لذلك يجب أن تكون سياحة المناطق البرية، مثل المحميات والغابات والبراري والأراضي الرطبة، صديقة للبيئة قدر الإمكان.

ويبلغ حجم سوق السياحة البيئية في جميع أنحاء العالم نحو 172.4 مليار دولار أمريكي في عام 2022، ومن المتوقع أن يصل القطاع إلى 374.2 مليار دولار أمريكي في عام 2028، مسجلاً معدل نمو بنسبة 13.9٪.

تعزز السياحة البيئية احترام تنوع الثقافات والتقاليد، وتزيد الوعي بالظروف السياسية والبيئية والاجتماعية للبلاد المضيفة، كما تساعد في الحفاظ على الحرف اليدوية من الاندثار أيضاً

تأثير إيجابي

يسعى قطاع السياحة البيئية إلى تعزيز رفاهية المجتمعات المحلية وسبل عيشهم؛ إذ تحافظ على البيئات الهشة، وتعد وسيلة مهمة لجلب الدخل للدول النامية مع تقديم فوائد مالية وتبرعات مباشرة للحفاظ على الاستدامة.

وفي إطار السياحة الإيكولوجية، تتحول البيئات الطبيعية إلى مصدر للدخل؛ ما يعطيها قيمة مادية إضافية، ويدفع الحكومات والمجتمعات المحلية إلى صيانتها وضمان عدم تلوثها أو تعرضها للضرر.

كما تلعب السياحة دوراً في تقليل اصطياد الحيوانات بهدف الربح؛ لأنها تؤمن عائداً مادياً للسكان بدلاً من الصيد غير القانوني.

ويوفر هذا النمط من السياحة للسكان المحليين العديد من المنافع الاقتصادية وفرص العمل؛ ما يساهم في تحسين فرص تعليمهم وتدريبهم ورفع مستوى معيشتهم ونمط حياة أسرهم.

وتعزز السياحة البيئية احترام تنوع الثقافات والتقاليد، وتزيد الوعي بالظروف السياسية والبيئية والاجتماعية للبلاد المضيفة، كما تساعد في الحفاظ على الحرف اليدوية من الاندثار أيضاً.

تشهد المنطقة العربية تزايداً بشعبية السياحة البيئية؛ حيث تقدم معظم الدول فرصاً جذابة للسياح البيئيين والمناظر الطبيعية والصحاري الشاسعة والنباتات والحيوانات المتنوعة والمهددة بالانقراض والمحميات والأراضي الرطبة والغابات والمناطق البرية وغيرها.

في قفص الاتهام

رغم أن السياحة البيئية أصبحت صناعة ضخمة، فإنها لا تزال تفتقد القوانين واللوائح الكافية للتحكم في إداراتها؛ ولذلك لجأ البعض إلى تدمير الموارد المحلية لتحقيق المكسب الاقتصادي فحسب.

وبينما يسعى هذا النمط السياحي إلى تقديم تجارب إيجابية للسياح والمجتمع المضيف، فإن هناك عدة مهددات تنذر بتأثير السياحة البيئية السلبي على الطبيعة، التي يأتي أبرزها:

- قطع الأشجار لبناء النزل السياحية وتجريف الغابات وتدمير الموارد الطبيعية وتحويلها إلى هدايا تذكارية.

-اصطياد بعض الحيوانات النادرة لاستخدامها في جذب السياح.

- الإفراط في استخدام بعض المناطق الهشة؛ ما يعرضها للخطر وتدمير سماتها الطبيعية، مثل تآكل التربة والأضرار بالنباتات؛ نظراً إلى الإفراط في استخدام مسارات المشي.

- تلوث المياه نتيجة إلقاء النفايات الخاصة بالفنادق والمنتجعات السياحية في الأنهار والبحار.

- اندلاع الحرائق بسبب الأنشطة البشرية مثل التخييم وغيرها من الممارسات السياحية.

- احتمال استغلال السكان المحليين بطرق مختلفة، مثل استخدامهم عمالة رخيصة وإجبارهم على تغيير نمط حياتهم التقليدي.

من آليات مواجهة الآثار السلبية أيضاً الاعتماد على مصادر طاقة متجددة ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي لتقليل مخاطر تلوث المياه والأمراض مع إعادة تدوير النفايات من أجل البقاء على النظم البيئية في هذه الأماكن

تقليل الآثار السلبية

ولمواجهة التداعيات السلبية للسياحة البيئية، يلزم تعاون الحكومات والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية، لتوفير أطر قانونية وتنظيمية ملائمة تعمل على حماية الأراضي وتنمية القدرات البشرية، لتوفير مناخ استثمار مستدام .

وتتحمل الدول مسؤولية إدارة السياحة الإيكولوجية بشكل كبير من أجل ضمان معايير التنمية المستدامة، والحفاظ على البيئات الهشة وحماية الأنظمة الطبيعية.

كما يوصَى بضرورة تقنين العدد المسموح من السياح لزيارة أماكن معينة من أجل استدامتها، وتشجيع الجولات السياحية الصغيرة العدد لسهولة إدارتها وتقليل أثرها البيئي.

وكذلك بناء ممرات مشاة مخصصة لتشجيع السياح على الابتعاد عن المناطق الهشة؛ حتى لا يتم الضغط عليها وتدميرها، بالتوازي مع حظر زيارة المواقع البيئية الهشة جداً والمعرضة للخطر أو التي تُؤوي كائنات مهددة بالانقراض؛ حيث يمكن اللجوء إلى التكنولوجيا واعتماد تطبيقات الواقع الافتراضي لرؤية هذه المواقع دون ضرر.

ومن آليات مواجهة الآثار السلبية أيضاً الاعتماد على مصادر طاقة متجددة ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي لتقليل مخاطر تلوث المياه والأمراض مع إعادة تدوير النفايات من أجل البقاء على النظم البيئية في هذه الأماكن.

كما يرجى تطبيق معايير الأمم المتحدة ومنظمة السياحة العالمية في التعامل مع السياحة المستدامة والبيئة، باعتبارها وسيلة لتقليل حدة الفقر للشعوب الأصلية، وتشجيعها على التنمية المستدامة في الأماكن التي تملك المؤهلات السياحية، وكذلك تعزيز الأنشطة السياحية التي تصون البيئة والمحميات الطبيعية وتراعي الحياة البرية والتنوع البيولوجي.