"بذرتنا".. مبادرة تونسية لزراعة ثمار أصلية بدلاً عن الهجينة


فيروز ياسر
الجمعة 11 اغسطس 2023 | 12:15 صباحاً

لنشر ثقافة إنتاج محاصيل زراعية خالية من السموم الكيماوية، أطلق مزارعون ومتطوعون مبادرة باسم "بذرتنا" للحفاظ على خصوبة التربة والبذور الأصلية، وإعادة إحياء المحاصيل النادرة بتونس.

وفي مطلع العام الجاري، لجأ مزارعون تونسيون إلى استخدام "البذور الأصلية" للمزروعات لمقاومة التغير المناخي وحفظ موروثها الجيني.

ووفق الباحثين في علوم البيولوجيا، تعد البذور الأصلية خزاناً لجينات تعود إلى مئات وآلاف السنين، وتساهم في الحفاظ عليها من الاندثار، كما أنها قادرة على التأقلم مع تحديات التغير المناخي في المستقبل.

الطماطم الحزقية

بدوره، قال بحري السالمي مؤسس المبادرة الزراعية، إن الهدف الأساسي منها هو التركيز على زراعة المحاصيل بالبذور الأصلية بدلاً من الهجينة؛ وذلك بالتعاون مع جمعية شبكة المهندسين.

وأوضح السالمي، في تصريح لـ"جرين بالعربي"، أن نشر ثقافة إنتاج محاصيل خالية من السموم الكيماوية، لاقى رواجاً كبيراً بين المزارعين والمتطوعين على منصات التواصل الاجتماعي.

وأضاف: "هناك فرق بين البذور الأصلية والهجينة؛ فالأصلية يمكن إعادة زراعتها مرة أخرى، كما أنها أكثر مقاومةً للحشرات والفطريات. أما الهجينة فلا يمكن زراعتها مرة أخرى، رغم أنها تتحمل التغيرات المناخية".

تعد البذور الأصلية خزاناً لجينات تعود إلى مئات وآلاف السنين ما يساهم في الحفاظ عليها من الاندثار كما أنها قادرة على التأقلم مع تحديات التغير المناخي في المستقبل

وتحدَّث السالمي عن موسم زراعة الطماطم الأصلية الحزقية التي كادت تندثر من مزارع تونس، لكنه أعادها مجدداً بعد محاولات طويلة لزراعة ناجحة عن طريق الإكثار استغرقت 8 سنوات لإنتاج محصول جيد، قائلاً: "الزراعة بدأت في مارس، والحصاد كان في بداية يوليو الماضيين".

لم يكن موسم زراعة الطماطم الحزقية سهلاً هذا العام؛ لأنها تعرضت لمرض فطري ناتج عن الرطوبة؛ لذلك تمت معالجة المحصول بالكبريت المخلوط بالرماد حتى أبدت النبتة مقاومة لهذا المرض الفطري، بحسب السالمي.

واختبر المزارع التونسي هجوم حشرة "التوتا أبسلوتا" على محصول الطماطم، لكنه نشر حشرات نافعة مقاومةً لهذه الآفة، وتم التخلص منها وإنقاذ المحصول.

ما نوه به السالمي عن عودة زراعة الطماطم الحزقية هو أن موعد الزراعة تغيَّر؛ ففي سبعينيات القرن الماضي كانت تُزرع في نهاية شهر مايو أو بداية يونيو، لكن بسبب التغيرات المناخية نجحت زراعتها في نهاية مارس أو بداية أبريل.

إحياء البذور

ومن جانبه، أوضح مراد العيادي رئيس جمعية شبكة المهندسين التونسيين، أن زراعة المحاصيل بالبذور الأصلية يعمل على المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة بمدينة صفاقس (جنوب البلاد).

وأضاف العيادي أحد المشرفين على مبادرة "بذرتنا"، أنه تم إطلاق المبادرة نتيجة تغير طعم ورائحة الخضراوات المزروعة وقيمتها الغذائية؛ بسبب استخدام البذور الهجينة لفترات طويلة.

وأكد أن مؤسسي المبادرة أرادوا استعادة الرائحة الذكية والنكهة اللذيذة والعناصر الغذائية للمزروعات المختلفة، لا سيما بعد أن تسببت آثار تغير المناخ في إجهاد المحاصيل وقلة الإنتاج.

وأسهب بقوله: "أدت هذه العوامل إلى عزوف المزارعين، وخصوصاً الشباب عن الزراعة رغم وجود الكثير من الأراضي الزراعية المتاحة؛ لذلك تهدف (بذرتنا) إلى تكوين شبكة من الحدائق المنزلية المزروعة ببذور الفلاحة المحلية غير الهجينة وبأساليب مستدامة، وبالفعل تم زراعة نحو 80 حديقة في صفاقس".

نستهدف البحث عن جهات مانحة لتوسيع دائرة المنتفعين والتركيز على صغار المزارعين وتأسيس مركز متخصص بأساليب الفلاحة الجديدة القادرة على مجابهة التغيرات المناخية

وتابع العيادي: "من المحاصيل التي تمت زراعتها خلال المبادرة، الفجل والسلق والبصل والطماطم واللفت والفلفل، بجانب أصناف أخرى، وكان الإنتاج في الحقول المفتوحة كبيراً، بالمقارنة بالمحاصيل التي تمت زراعتها في حدائق المنازل، والتي عادةً ما تكفي للاستهلاك العائلي".

وأوضح أن جودة المحاصيل كانت عالية جداً بفضل الاستعانة بمراكز البحث العلمي والحصول على توجيهات في الفلاحة من خبراء متخصصين، للتغلب على تحديات تغير المناخ وانتشار التلوث وارتفاع معدل ملوحة التربة بجانب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض العمالة بالزراعة، قائلاً: "لا سبيل للتكيف مع التغيرات المناخية سوى اللجوء إلى العلم وتطبيق الأبحاث العلمية".

من الأهداف التي يأمل مؤسسو مبادرة "بذرتنا" تحقيقها، البحث عن جهات مانحة لتوسيع دائرة المنتفعين، والتركيز على صغار المزارعين، خاصةً المرأة الريفية، وتأسيس مركز متخصص بأساليب الفلاحة الجديدة القادرة على مجابهة التغيرات المناخية.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، يشكل الاستخدام المتزايد للبذور الهجينة تهديداً متواصلاً يمكن أن يؤدي إلى اختفاء البذور الأصلية ومن ثم فقدان التراث الجيني المحلي.