"البودكاست" البيئي.. تقنية توعوية تبحث عن موطئ قدم بالدول العربية


فيروز ياسر
الخميس 10 اغسطس 2023 | 10:08 مساءً

ربما يكون الوقت الطويل الذي تقضيه في طريقك للعمل أو إتمام مهمة ما، كافياً ليجعلك تُفكِّر في الاستماع إلى أحد البرامج الإذاعية بعيداً عن ضجيج الشارع وزحام السير بأوقات الذروة.

ولكن هذه المرة لن تكون الإذاعة التقليدية وسيلة التسلية في طريقك، بل سيكون "البودكاست"؛ أحد الوسائل الإعلامية الرقمية الحديثة، الذي يساعدك في الترفيه والوصول إلى معلومات مفيدة أيضاً.

الميزة الإضافية التي يتسم بها "البودكاست" عن محطات الراديو الأخرى، هي أن الاستماع إليه يكون في أي وقت ترغب فيه من خلال تحميل ملفات البث الصوتي؛ لذلك اكتسب شعبية كبيرة لدى سكان دول الشرق الأوسط.

نمو متصاعد

كشف خبراء الاتصال خلال مؤتمر بجامعة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة مطلع العام الجاري، أن "البودكاست" يكتسب أرضية في الشرق الأوسط مع توقعات بنمو غير مسبوق في الاستماع إليه خلال العامين المقبلين.

وأوضحت لما مصري المديرة الاستراتيجية لـ"بوديو" أكبر منصة بودكاست في العالم العربي، أن هناك أكثر من 13 مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط استمعوا إلى هذه التقنية لمدة تصل إلى 7 ساعات أسبوعياً.

كما أكدت مصري لموقع "Podnews" أن المملكة العربية السعودية من أكبر الأسواق لـ"البودكاست"؛ حيث يستمع إليها 5.1 مليون شخص، تليها الإمارات العربية المتحدة بـ 2.3 مليون مستمع، إضافة إلى ارتفاع عدد "البودكاست" بالمنطقة في يناير الماضي إلى 19 ألفاً مقارنةً بألفين خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.

يمكن الاستماع إلى البودكاست في المواصلات أو أثناء الدراسة أو العمل حيث يمنح فرصة للتركيز على الرسائل والمواضيع بعيداً عن تشتيت التركيز بالصور والألوان والإضاءة

بدورها قالت سيرين عبيدي المديرة التنفيذية لمشروع "كورطابل" التونسي، إن السبب وراء الانتشار الواسع لـ"البودكاست" بالدول العربية هو زيادة الوعي بفوائده، باعتباره وسيلة للتواصل واكتساب المعارف.

وأوضحت عبيدي، في تصريح لـ"جرين بالعربي"، أن توافر التكنولوجيا، التي تتيح للناس الوصول إلى المحتوى الصوتي بسهولة عبر الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ساهم في انتشار البودكاست، لا سيما أنه لا يحوي صوراً أو مقاطع فيديو؛ ما يمنح المستمع مساحة من الخيال.

كما يمكن الاستماع إلى البودكاست في المواصلات أو أثناء الدراسة أو العمل؛ حيث يمنح فرصة للتركيز على الرسائل والمواضيع بعيداً عن تشتيت التركيز بالصور والألوان والإضاءة.

وأكدت أن "كورطابل" مختبر تفاعلي لصناعة "البودكاست" والبرامج الرقمية حول ريادة المشاريع والسياحة المستدامة، والتوعية البيئية، كما يقدم دورات في صناعة المحتوى والتسويق لحساب شركات خضراء (صديقة للبيئة)؛ حيث يمثل التسويق بالبودكاست أسلوباً تسويقياً جديداً يهدف إلى تثقيف العملاء وعرض مميزات الخدمة بأسلوب قصصي مشوق وجذاب، ويساعد على الوصول إلى شريحة عملاء جدد.

وكانت عبيدي تحب سرد القصص بأسلوب مشوق، فاجتمعت مع فريق من زميلات الدراسة للعمل على سلاسل "بودكاست" وبرامج رقمية، ثم نضج الحلم مع شبكة الصحفيين الدوليين ليتم تسجيل "كورطابل" قانونياً.

ويركز المشروع على البودكاست القصصي لتبسيط المفاهيم البيئية، ويقدم معلومات مفيدة حول علاقة الفرد بالمناخ؛ حيث تعمل حالياً على بودكاست بدعم من مركز التوجيه التابع لشبكة الصحفيين الدوليين، يستضيف رائدات ورواد مشاريع إعلامية بيئية ناشئة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ لمعرفة خبايا الصحافة البيئية، وريادة المشاريع الإعلامية البيئية، والفرص المتاحة في هذا المجال، إضافة إلى الصحة النفسية للعاملين بمجال الصحافة البيئية.

قصص درامية

من القصص التي سردها "كورطابل"، قصة "ولد بحر" التي تحكي عن كائن بحري خيالي يوجد في بحر طبرقة (شمال تونس) ويخوض مغامرة للبحث عن توأم روحه بصحبة عالمة بحار يلتقيها صدفةً. ويتناول "البودكاست" تأثير التغيير المناخي على تونس بأسلوب قصصي كوميدي وتراجيدي في الوقت نفسه.

وبالنسبة إلى الحديث عن دور "البودكاست" في توعية المستمعين العرب، قالت عبيدي إنه يقوم بهذه المهمة من خلال الحوار مع خبراء، وتبسيط المعلومات، إضافة إلى تسليط الضوء على المبادرات الإعلامية البيئية.

يحتاج البودكاست المناخي إلى باحثين على قدر كافٍ من الثقافة والوعي لإقناع الجمهور وجذبهم لأن القضية كبيرة وبحاجة إلى التبسيط

ولأن القضايا البيئية والنقاشات التي لها علاقة بالتغيرات المناخية أصبحت مُلحَّة ومصيرية في الآونة الأخيرة، فإن التساؤل الذي يدور في الأذهان: هل البودكاست في مصر يُقدم برامجَ توعويةً أو يلفت مسامع الجمهور إلى المناخ والبيئة؟

الإجابة جاءت من خلال أماني عزت المدرس بقسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، بقولها إن "هناك بودكاست في مركز دعم المعلومات واتخاذ القرار "تابع لمجلس الوزراء" يقدم حلقات عن التغيرات المناخية وآثارها والحلول المتوقعة لبعض المشاكل في عدة مجالات مع تفسير الظواهر المتعلقة بالتغيرات المناخية".

وقالت عزت في تصريح لـ"جرين بالعربي" إنها استمعت إلى حلقات من بودكاست "الحل إيه؟" الذي يقدم حلولاً لتحديات التغيرات المناخية، ويعتمد على استضافة خبراء بالمجالات المختلفة.

وبالحديث عن التحديات التي تواجه "البودكاست" المناخي في مصر، أوضحت أنه بحاجة إلى باحثين على قدر كافٍ من الثقافة والوعي لإقناع الجمهور وجذبهم؛ لأن القضية كبيرة وبحاجة إلى التبسيط، بجانب التنويع في أشكال تقديم المحتوى؛ لكي لا يشعر المستمع بالملل.

ومن جانبها، قالت سارة فوزي المدرس المساعد بقسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن النسخة العربية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" تُقدم البودكاست، بالإضافة إلى مجلة "Nature" الشهيرة تحتوي النسخة العربية منها على بودكاست "Nature Arabic Edition" الذي يرصد التغيرات المناخية والتطورات التي تطرأ على الطبيعية.

والبودكاست الذي استمعت إليه سارة "يرصد القضايا المناخية من ناحية الأسباب والمشكلات، لكنه لا يُعطي نصائح توعوية من خلال خبراء متخصصين في المناخ والبيئة"، بحسب رأيها.

ورغم أن "البودكاست" يركز على توعية الجمهور بالقضايا المناخية، فإن المشكلة أن أغلب جمهور المستمعين يميلون إلى المدونات الخاصة بالبرامج الحوارية ومجالات الفن والرياضة والقصص والروايات المختلفة.

ووفق رأي سارة فوزي فإن التحديات التي تواجه "البودكاست" في مصر، تتمثل في أن بعض المنصات والتطبيقات مدفوعة، سواء للمستمع أو للشخص الذي يُسجله، وهذا يسبب نفور البعض من الاستماع إليه، لكن عندما يتم مشاركته على مواقع التواصل الاجتماعي، فمن الممكن أن ترتفع نسب الاستماع عندما يكون محور الحديث أو صاحب "البودكاست" شخصية شهيرة أو مؤثرة في الجمهور.