كـعيش مغموس بالموت.. هكذا يتعرَّض العاملون في المناطق المكشوفة لآثار الظواهر المناخية المتطرفة وارتفاع درجات الحرارة، إلى حد الوفاة من جراء الإصابة بالإجهاد الحراري.
في 21 يونيو من كل عام، تنطلق الشرارة الرسمية لفصل الصيف، وتصل درجات الحرارة إلى مستويات قياسية على وقع الاحتباس الحراري؛ حيث يلجأ البعض إلى الشواطئ للتكيف مع تغير المناخ، بينما يجد عُمَّال البناء والمزارعون وجامعو القمامة أنفسهم في مرمى نيران "الموت حراً".
وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن متوسط درجة الحرارة العالمية لشهر يوليو الماضي، بلغ أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق، فيما تشير الأدلة إلى أنه كان الأكثر احتراراً منذ 120 ألف سنة على الأقل.
ووفق دراسة في المجلة الطبية "JAMA Network" لعام 2022، ارتفع معدل وفيات العاملين البالغين بأمريكا بين عامي 1992 و2017 ليصل إلى 815 عاملاً أمريكياً، وأصيب أكثر من 70 ألفاً بجروح خطيرة من جراء الإصابة بالإجهاد الحراري.
فيما كشفت الدراسة أيضاً عن ارتفاع أيام العمل غير الآمنة بحلول عام 2050 بالنسبة إلى العاملين بالمناطق غير المحمية من حرارة الشمس، بجانب تكبُّد خسارة مالية قدرها 55.4 مليار دولار سنوياً؛ وذلك إذا لم يتم تخفيض انبعاثات الوقود الأحفوري.
وباتت أستراليا أكثر دفئاً بمقدار 1.4 درجة مئوية عما كانت عليه في عام 1910؛ فالطقس المتطرف – كالفيضانات وارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات – زادت من تقويض القدرة على العمل بمختلف القطاعات.
وكشفت دراسة استقصائية شملت 1165 عاملاً في 10 صناعات بالنصف الأول من عام 2022 بأستراليا، انخفاض إنتاجية العمل من جراء إصابة الموظفين والعمال بالإرهاق والجفاف وحروق الشمس من جراء تغير المناخ.
الأكثر قراءة
أمراض وإصابات
وتعد ضربة الشمس والإرهاق من أكثر الأعراض التي تُصيب العاملين في وظائف تتطلَّب مجهوداً بدنياً، كما أن زيادة الملوثات في الهواء، سواء نتيجة ارتفاع الانبعاثات الكربونية أو تكرار حرائق الغابات، تتسبب أحياناً في الإصابة بالتهابات وانخفاض في وظائف الرئة، وأكثر المصابين بذلك هم العاملون في الدفاع المدني أو الحماية المدنية.
بدورها، قالت وكالة حماية البيئة الأمريكية إن زيادة طول موسم حبوب اللقاح في بعض المواقع صيفاً يُعرِّض المزارعين ومُربِّي الماشية لحبوب اللقاح المسببة للحساسية بجانب حمى القش والربو.
إذا لم يتم تقليل انبعاثات الوقود الأحفوري فسوف ترتفع أيام العمل غير الآمنة بحلول عام 2050 بالنسبة إلى العاملين بالمناطق غير المحمية من الشمس بجانب خسارة مالية قدرها 55.4 مليار دولار سنوياً
ويزيد معدل انتشار الآفات في القطاع الزراعي نتيجة التغيرات المناخية؛ ما يؤدي إلى الإفراط في استخدام المبيدات، ومن ثم التأثير على المزارعين وأسرهم ونشر الأمراض بينهم، كما أن شدة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة يعني تعرُّض العمال لمزيد من المشاكل العقلية، ومنها اضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب.
من جانبه، عزا عالم المناخ الأمريكي لوك بارسونز أسباب تفشي مرض الكلى المزمن بين المجتمعات الزراعية في المناطق الحارة والرطبة بأمريكا الوسطى في تسعينيات القرن الماضي، إلى ارتفاع درجات الحرارة أثناء العمل، وتعرُّض العاملين للجفاف.
قرارات حازمة
ومنذ سنوات، اتخذت بعض الدول الأوروبية ودول الخليج إجراءات ناجزة وقواعد صارمة للحفاظ على حياة العاملين بالمناطق المكشوفة قبل فوات الأوان وفقدان المزيد من الأرواح.
كما أعلنت الحكومة الإسبانية حظر العمل في الهواء الطلق خلال فترات الحرارة الشديدة؛ إذ صدر القرار بعد وفاة عامل نظافة متأثراً بضربة شمس، أثناء أداء عمله خلال موجة حارة في مدريد الصيف الماضي، فكانت درجة حرارة جسد الضحية تقترب من الـ42 درجة مئوية قبل أن ينهار.
بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يوجد أربع ولايات فقط لديها معايير لقياس حرارة مكان العمل في الهواء الطلق، لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن بدوره عن مبادرة جديدة لمعالجة تأثير الحرارة الشديدة على العمالة الأمريكية، مطالباً إدارة السلامة والصحة المهنية بوضع معايير جديدة لحماية 32 مليون عامل بالهواء الطلق، ولا تزال المناقشات مستمرة حتى الآن لتقييم الوضع.
وكان ارتفاع درجات الحرارة في الخليج العربي سبباً في وضع إجراءات صارمة لحماية العاملين بالنهار؛ ففي عام 2021، اعتمدت قطر قواعد جديدة لمواجهة الإجهاد الحراري؛ حيث لا يمكن للعمال أداء مهامهم بالخارج بين الساعة العاشرة صباحاً حتى الثالثة والنصف عصراً بدايةً من شهر يونيو حتى منتصف شهر سبتمبر من كل عام.
تتسبب شدة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة في تعرُّض العمال لمزيد من المشاكل العقلية كاضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب
ليس هذا فقط، بل يوجد قرار بوقف العمل إذا ارتفعت الحرارة عن 32.1 درجة في مكان عمل معين، مع أخذ مستوى الرطوبة والإشعاع الشمسي وسرعة الرياح في الاعتبار، إضافةً إلى إجراء فحوصات طبية سنوية للعاملين، وإلزام الشركات بإجراء تقييمات المخاطر.
وفي الإمارات، صدر قرار خلال العام الماضي، بحظر تأدية الأعمال تحت الشمس وفي الأماكن المكشوفة، منذ الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً حتى الساعة الثالثة عصراً خلال الفترة من 15 يونيو حتى 15 سبتمبر؛ لتعزيز بيئة العمل للموظفين وتجنيبهم مخاطر الإصابات الناتجة عن الإجهاد الحراري.
كما حظرت المملكة العربية السعودية العمل بالمناطق المكشوفة من الساعة الثانية عشرة ظهراً حتى الثالثة عصراً؛ بدءاً من شهر يوليو حتى نهاية شهر أغسطس.
وتتزايد حدة التغيرات المناخية لتنذر بتنامي المخاطر والتهديدات الصحية للعاملين؛ ما يستدعي إصدار قرارات أو سن تشريعات قادرة على حماية حقوق العمال وإنقاذ حياتهم من شبح الموت المفاجئ.