تدريس التغيرات المناخية بالمناهج.. اقتراحات الأطفال يمكنها إنقاذ الكوكب


سلمى عرفة
الجمعة 04 اغسطس 2023 | 09:59 صباحاً

ربما لا يملك الأطفال حلولاً جذرية لأزمة المناخ التي تهدد الأرض، لكن عقولهم يمكنها – على الأقل – مشاركتنا فيما يحدث، لدرجة تُمكِّنهم أحياناً من طرح أفكار منطقية، كمنع البلاستيك، لكن في أحيان أخرى سيتوقفون عند حلول شديدة البراءة، كاستضافة الكائنات المتضررة من الاحتباس الحراري في منازلهم.

بغض النظر عن مدى قدرة الأطفال على إدراك الأخطار المحيطة بكوكبنا، فالحديث معهم عنها سيُساهم في دفعهم إلى خلق مستقبل أكثر ملاءمةً للمعايير البيئية.

في شمال مدينة ترينتون بولاية نيوجيرسي الأمريكية، وقفت المعلمة ميشيل ليواكز أمام طلابها من تلاميذ الصف الأول في مدرسة slackwood الابتدائية، لتدعوهم إلى التفكير بمشكلة ما: درجات الحرارة في القارة القطبية الجنوبية تزداد ارتفاعاً، فماذا يمكن للبطاريق التي تعيش هناك أن تفعل للتكيف مع الأمر؟

البطاريقالبطاريق

تعالت همهمة الأطفال الذين لا تتجاوز أعمار معظمهم السابعة، في حماس، ليقترح "نوح" أن تلجأ البطاريق إلى السباحة في المياه لتُخفِّض درجة حرارة جسدها، لكنَّه أعاد التفكير بالأمر حين تذكر حيتان الأوركا الجائعة التي تنتظرها هناك، ثم طرح حلاً آخر: "ربما يمكنها الهجرة إلى مكان آخر يتمتع بطقس بارد يشبه أجواء الولايات المتحدة في الشتاء".

"عليا" اقترحت أن يمد البشر البطاريق بـ"عوامات"، ثم تدخلت زميلتها جابي التي رأت أنه يمكنها العيش في أكواخ ثلجية، قبل أن تطرح عرضاً آخر بأن يأتي عدد قليل منهم ويعيش داخل ثلاجة منزلها.

في الولايات المتحدة، تتميز نيوجيرسي بأنها الولاية الأولى، والوحيدة حتى الآن، التي تُلزِم المدارس بتدريس قضية التغير المناخي بدايةً من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، ويجري دمج القضية في أغلب المواد الدراسية، بما في ذلك فصول الألعاب البدنية.

رغم العواصف التي تأكل سواحل الولاية، ورغم دخان الحرائق الذي يلوث الهواء، والأيام الثلجية التي أصبحت جزءاً من الماضي؛ تعتمد معايير التدريس على فرضية لافتة للنظر؛ هي أنه يمكننا تدريس قضية التغيرات المناخية للفئات العمرية الأصغر سناً في المدارس دون إثارة خوفهم.

تَصِف صحيفة "نيويورك تايمز" الطريقة التي تعتمد عليها طرق التدريس بالولاية بأنها تُحدِث تأثيراً أعمق؛ فبدلاً من التركيز على الجانب الأكثر قتامةً من القضية، جرى تصميم المعايير لمساعدة الأطفال على التواصل مع ما يحدث في البيئة من حولهم، والأهم من ذلك هو تعلُّم حل المشكلات.

تدريس التغير المناخيتدريس التغير المناخي

تقول لورين مادين أستاذة تعليم العلوم الابتدائية في كلية نيوجيرسي، إن "التغير المناخي يعتبر موضوعاً دسماً؛ ما يدفعنا أحياناً إلى الانتظار حتى يتقدم الأطفال في العمر حتى نتحدث معهم بشأنه".

لكنها ترى أنه "إذا ما منعنا عنهم جانباً كبيراً من القضية فسيصبحون غير قادرين على تحليل الأمر عندما يدرسونه لاحقاً، وهذا قد يسبب درجة أكبر من الذعر، مقارنةً بإدراكهم أنهم في وضع يمكنهم التفكير في حلول".

"مادين" التي شاركت في وضع معايير تدريس التغير المناخي، أضافت أن التعامل مع الأطفال بجدية، والثقة بهم من خلال تقديم تلك المعلومات إليهم، ستُشعِرهم بقدرتهم على طرح حلول ذات صلة بالمكان الذي يعيشون فيه.

بعد خلافات عديدة شهدتها الولاية، كشف استطلاع أجرته جامعة فيرلي ديكنسون أن 70% من سكان الولاية يؤيدون تدريس قضية التغير المناخي في المدارس. ويقول دان كاسينو الأستاذ الجامعي الذي قاد عملية إجراء الاستطلاع، إن تلك النتائج تتسق مع الاستطلاعات التي تُجرَى في عموم الولايات المتحدة، والتي تقول إن الغالبية العظمى من الأمريكيين، باختلاف انتماءاتهم السياسية، يرغبون في دمج القضية في التعليم.

وفي مدرسة slackwood – وهي مدرسة حكومية تضم 250 طالباً من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الثالث – أعرب عدد من أولياء الأمور عن سعادتهم بذلك القرار الذي خفف من على عاتقهم جزءاً من عبء تفسير ظاهرة التغيرات المناخية والطقس المتطرف، كما استغل الفضول الغريزي للأطفال نحو التعرف على الطبيعة والحيوانات.

نيرال شيث والدة أحد طلاب الصف الأول تتوقع أن الأطفال سيكونون أشخاصاً صالحين إذا ما صاروا أكثر احتراماً للبيئة، وتضيف: "عليهم التعرف على ما يمكنهم فعله؛ فأنا لا أريد لهم أن يتخلفوا عن الركب".

وفقاً لأحد معلمي المدرسة، فإن هناك 17 لغة منطوقة تنتشر بين طلاب المدرسة الذين يتعلم الكثير منهم الإنجليزية، كما أن ما يزيد عن 50% من الطلاب المدرسة تنطبق عليهم شروط وجبات الغداء المجانية، أو المُقدَّمة بسعر مخفض؛ إذ ترسل المدرسة حقائب من الطعام إلى منازل الأسر المحتاجة.

كارا باكلي مراسلة "نيويورك تايمز" لشؤون المناخ، نقلت العديد من التفاصيل الخاصة بالبيئة داخل المدرسة؛ ففي أحد جوانب الملعب، تقع حديقة فراشات محاطة بسور، وبجانبها سلة تسميد، ومساحة من التربة أجرى فيها الأطفال من قبل اختبارات على الأسمدة؛ لمعرفة أي منها الأفضل للنباتات، ليكتشفوا أن السماد الطبيعي أفضل من الكيميائي.

أطفال يشتركون في أنشطة زراعيةأطفال يشتركون في أنشطة زراعية

خلال إحدى الحصص الدراسية، عرضت "ليواكز" مقطع فيديو بدأ معه تلاميذها يغنون معاً بأصواتهم الرقيقة وباتساق غير منتظم.

تصف الأغنية كوكب الأرض بمكان شاسع للغاية، ينقسم إلى مياه ويابسة، وتضم 5 محيطات ضخمة يمكننا السباحة في مياهها، و7 قارات يمكننا الوقوف على أراضيها، ثم تنتقل الأغنية إلى وصف قارة أمريكا الشمالية وكيف تضم أراضيها الولايات المتحدة، وعندها قامت نافيا (6 سنوات) بإصدار بعض الضجيج.

بعد انتهاء الأغنية، سألت "ليواكز" "نافيا" عن مشكلتها مع هذا الجزء، لتجيب بأن المقطع لم يذكر كندا والمكسيك، لتَعِدَها المعلمة بإضافتهما إلى الكلمات، قبل أن تتوجه إليها قائلةً: "لا يمكنك نسيان جيراننا".

في المدرسة، يجري تعليم الأطفال كيف تساهم الأنشطة البشرية، مثل النقل والتدفئة وتربية المواشي، في زيادة درجة حرارة الأرض، وجمع تلك المعلومات في كتاب واحد، لكن التركيز يقع على فكرة التوعية وحل المشكلات.

تقول مديرة المدرسة جين موزي: "في مرحلة رياض الأطفال، يدرس التلاميذ كيف ترتبط الأشياء بعضها ببعض؛ فعلى سبيل المثال، تساعد الحشرات في عمليات التلقيح، ومن ثم بات الأطفال يعتبرون النحل أصدقاءهم بدلاً من أعداء تشهر لدغتها".

أما أطفال الصف الأول فيتلقَّون معلومات حول التسميد، وإعادة التدوير، والزراعة المائية، بينما يستكشف تلاميذ الصف الثاني التلوث والبلاستيك.

المديرة رَوَت رد فعل أحد التلاميذ عندما سمع في الفصل عن القمامة التي تطفو على سطح المياه، ليؤكد ضرورة منع وصول البلاستيك إلى المياه، وتُبدِي المديرة إعجابها بالفكرة، وتجيبه: "يا لها من فكرة عظيمة!".

وفي أحد أيام شهر مايو، روت "ليواكز" لطلابها من تلاميذ الصف الأول أن قصة اليوم ستدور حول ما قد يحدث إذا اختفت أسماك القرش.

رفعت نافيا يدها وقالت إنها درست معلومة من قبل بأن الأسماك تأكل فضلات القروش، لتسألها المعلمة عن سر احتياج الأسماك إلى ذلك، فكانت إجابة الطفلة جاهزة: "لأن جميع الحيوانات تحتاج إلى طعام ومياه، والأسماك تأكل فضلات القروش كي تبقى على قيد الحياة".

واصلت المعلمة الحوار: "فماذا لو اختفت القروش؟" لترد "نافيا" قائلةً: "سيكون الأمر سيئاً للأسماك".

المعلمة بدأت لاحقاً في قراءة القصة التي تشرح تفاصيل دور القروش في الحفاظ على نظافة مياه المحيطات، وفي الحفاظ على توازن النظم البيئية، وهو ما يعود بالفائدة على الثدييات البرية، قبل أن تقسم الطلاب إلى مجموعات ثنائية تناقش كلٌّ منها نتائج اختفاء تلك الكائنات، ليعود الحديث مجدداً عن فضلاتها.

بعد ذلك، عرضت مقطع فيديو عن العالمة أوجيني كلارك المتخصصة في دراسة أسماك القروش؛ فتقديم معلومات حول علماء القروش والعلماء الآخرين الذين يعملون في مجال التغيرات المناخية من بين الأمور التي تركز عليها المدرسة، وكذلك طرق التغلب على الطقس المتطرف الناتج عن التغير المناخي.

عندما اشتعلت حرائق الغابات في كندا ووصل الدخان الكثيف إلى الولايات المتحدة، تحدثت المعلمة وطلابها حول كيف كانت الحرائق مروعة، وكيف تمكنوا من البقاء آمنين داخل المنازل حتى يختفي الدخان.

تقول "ليواكز" إن تلك الطريقة تُشعِرهم بأنهم جزء مما يحدث خارج المدرسة؛ فبالتأكيد لن تنتهي كافة المشكلات، لكنها ستدفعهم إلى التفكير في إجابات على أسئلة مثل: كيف يمكنني إصلاح ذلك أو تغييره؟ ماذا يمكنني أن أفعل بنفسي أو مع أصدقائي لتغيير ما أراه؟

الأمم المتحدة أكدت أهمية التعليم في مواجهة الاحتباس الحراري؛ بسبب قدرته على تغيير اتجاهات الطلاب وعاداتهم الاستهلاكية، ولمساعدتهم على تمييز الحقيقة من الخيال؛ إذ يدفعهم إلى اتخاذ خطوات تجاه الأمر.

وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز” هناك تفاوت في كيفية تدريس قضية التغير المناخي بين الولايات الأمريكية، وغالباً ما يجري بطريقة غير مشوقة.

وكشفت دراسة أجريت عام 2016 أنه رغم أن 75% من معلمي العلوم في المدارس الحكومية الأمريكية يتناولون قضايا المناخ، فإن متابعة مجموع الساعات التي حصل عليها أعداد كبيرة من الطلاب فيما يخص القضية أقل من ساعتين سنوياً.

في أحد المؤتمرات التي شهدتها ولاية نيوجيرسي مؤخراً بشأن دمج المعايير المناخية في التعليم الابتدائي، أعرب عدد من المختصين عن خوفهم من إضافة علوم المناخ إلى الدروس التعليمية، لا سيما بعد ما واجهه الطلاب خلال جائحة كورونا؟ كما رأوا أنهم يحتاجون إلى المزيد من التوجيه.

وخصصت سلطات الولاية 5 ملايين دولار لدعم منح تخص تدريس التغير المناخي، وجذبت طلبات مما يقرب من نصف المناطق التعليمية بالولاية.

لكن استطلاعاً حديثاً أجرته "مادين" على عينة صغيرة من المختصين في التعليم، كشف أن 75% من المشاركين أعربوا عن قلقهم من أن التغير المناخي قد يغيب عن قائمة الأولويات في المنطقة التي يتبعونها بسبب نقص الخبرات، كما أن المخاوف بشأن جدلية القضية تصاعدت، وارتفعت نسبة المختصين الذين رأوا أن هناك معلمين قد يتجنبون الأمر بسبب حساسيته سياسياً إلى ما يقرب الضعف لتصل إلى 17%.

لكن المختصين في المؤتمر اتفقوا على أنه لا بد من تدريس التغيرات المناخية للطلاب؛ لمنحهم إحساساً بالسيطرة قد يخفف من القلق المناخي الذي زاد بين الشباب على مستوى العالم.

وعندما سألت مراسلة الصحيفة مونيكا ناردون معلمة الصف الثالث إذا ما كانت تعتقد أن تدريس التغير المناخي يمكنه أن يكون مخيفاً بالنسبة إلى الأطفال، جالت ببصرها اعتراضاً، وقالت: "نحن نعقد تدريبات للاستعداد لحوادث إطلاق النار، فكيف يمكن أن نُخِيفهم أكثر من ذلك؟!".