ضوء قادم من خارج الكوكب لينير ليالي الأرض المظلمة لكن هذا الجسم الدائري المضيء "القمر" ظل لغزاً لآلاف السنين لم يعرف الإنسان حله، إلا أن جاء يوم 20 يوليو 1969، حين بات رائد الفضاء نيل أرمسترونج أول شخص في العالم يهبط على سطح القمر، وبعد عقود طويلة من ذلك التاريخ، خصصت الأمم المتحدة يوم 20 يوليو ليكون يوماً عالمياً للقمر.
آمال عريضة يضعها البشر على الجسم الذي يفصله عنا أكثر من 380 ألف كيلو متر، وصلت إلى حد الانتقال على سطحه بعيداً على الأرض التي استنزفوا مواردها. وبالفعل بدأ علماء الفضاء والمعنيين به مؤخراً بالالتفات إلى تحقيق مفهوم الاستدامة في الفضاء.
التخطيط لوجود بشري طويل المدى على القمر ينقلنا إلى فكرة أخرى، وهي ضرورة التعلم مما واجهناه على سطح الأرض بفعل أزمات المخلفات، وبدء التدرب على إعادة التدوير على القمر.
لم ينج الفضاء من النفايات التي تسببها أنشطة الإنسان، ويقدر حجم المخلفات الموجودة على سطح القمر بقرابة 200 ألف طن، فكل البعثات المأهولة وغير المأهولة تركت وراءها مخلفات، واليوم أصبحت فكرة عودة رواد الفضاء بدون بعض المعدات دائماً ما تكون الخيار الأسهل، وفقاً لموقع Interesting Engineering.
تدوير النفايات
شركة ألمانية ناشئة كشفت العام الماضي، أنه يمكن استعادة ما يزيد على 150 طن من الألومنيوم إذا تم إعادة تدوير تلك النفايات الفضائية على سطح القمر.
برنامج الشركة يعتمد على فكرة تتبع المخلفات في المدار القمري، وإسقاطها على سطح القمر، وإعادة تدويرها هناك، مؤكدة على انخفاض التكلفة مقارنة بنقل المواد من الأرض.
يقول أستاذ الهندسة في جامعة سيونبرن للتكنولوجيا البروفيسور جيوفري بروكس، إن هناك تحديات بشأن فكرة إعادة التدوير على القمر، فمثلا مقدار الجاذبية على سطحه تمثل سدس الجاذبية على الأرض، لكن هناك مساحات كبيرة من الفراغ على سطحه، وهو ميزة أساسية خاصة عند التعامل مع معادن بعينها.
أبحاث علمية أكدت إمكانية استعادة ما يزيد على 150 طن من الألومنيوم إذا تم إعادة تدوير تلك النفايات الفضائية على سطح القمر
الجامعة تعاونت مع باحثين من الولايات المتحدة والهند والصين، لبحث فكرة إعادة تدوير النفايات المعدنية الموجودة بالفعل على سطح القمر، وللبحث عن التكنولوجيا المناسبة لإعادة التدوير، معتقدين أن الطاقة الشمسية المركزة المتوافرة في الفضاء يمكنها القيام بالعامل الحراري.
غياب السحب وسطوع الشمس على القمر قد يساعد البشر، كما يقول "بروكس" في حواره مع موقع بي بي سي، على صهر المعادن والقيام بكافة الأنشطة الحرارية لكن فكرة إعادة التدوير ستحتاج إلى 10 سنوات، وفقاً لتوقعه.
طاقة المحطات القمرية
وكالة الفضاء الأوروبية بدورها نجحت بالتعاون مع إحدى الشركات السويسرية في تصميم محطة طاقة شمسية فضائية، ومن المقرر إطلاقها عند إحدى نقاط الـ"لاجرانج" بين الأرض والقمر وعلى ارتفاع يزيد على 60 ألف كيلو متر من سطح القمر، على أن تكون وظيفتها توفير الطاقة للمحطات القمرية، كما ستكون بمثابة مكان مستدام للبشر، وفقاً لموقع Popular Science
ويشير مصطلح نقاط "لاجرانج" إلى النقاط التي يمكن للمركبات الفضائية التوقف بها، مع استخدام الحد الأدنى للوقود. وهنا أشار الفريق إلى إمكانية استخدام مواد موجودة على سطح القمر بنسبة كبيرة من مراحل إنتاج المحطة والألواح الشمسية الموجودة بها، مثل "بيرطيس الحديد" الذي يمكن استخدامه كطبقة خارجية عاكسة.
التحدي الأساسي في رحلات السفر إلى الفضاء هو توفير غاز الأكسجين الذي سيحتاجه البشر للتنفس، ففي محطة الفضاء الدولية هناك نظام يعمل على إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون الذي يطلقه رواد الفضاء، وتحويله إلى مياه وميثان، وهناك نظام آخر يعمل على فصل عناصر المياه للحصول على الأكسجين، عبر التيار الكهربائي القادم من ألواح الطاقة الشمسية الموجودة في المحطة.
يقدر حجم المخلفات الموجودة على سطح القمر بقرابة 200 ألف طن فكل البعثات المأهولة وغير المأهولة تركت وراءها مخلفات
كاثرين برينكت الأستاذة في جامعة وارويك تنتقد في مقال نشره موقع The conversation، تحدثت عن مدى كفاءة هذه العملية التي تسبب وزناً إضافياً، موضحة أن إنتاج الأكسجين يتطلب ثلث الطاقة التي تستهلكها المحطة.
"برينكت" بصحبة عدد من الباحثين في الجامعة عرضوا فكرة جديدة في ورقة بحثية نشرتها دورية Nature Communication، بمحاكاة عمليات التمثيل الضوئي التي تقوم بها النباتات، لكن عبر أجهزة يمكن استخدامها على سطح القمر والمريخ.
هذه الأجهزة تستخدم مواد من فئة أشباه الموصلات تعمل كبديل للكولوروفيل، كي تتمكن من التقاط أشعة الشمس، للقيام بإعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون وإنتاج الأكسجين، بعد إضافة المياه. واختتمت "برينكت" حديثها بالإشارة إلى البعثات المستقبلية المتوقعة لفوهة شاكلتون على القمر، والتي تحتوي على مياه جليدية.