براكين صديقة للكوكب.. ميكروبات الحمم تبتلع الكربون


الحمم البركانية تبتلع كربون الغلاف الجوي

إسراء محمد
الثلاثاء 18 يوليو 2023 | 10:06 مساءً
الحمم البركانية تلتقط الكربون
الحمم البركانية تلتقط الكربون

لحظات من الثوران العظيم، تلفظ الأرض حممها عبر فوهات البراكين، بينما ترصد شاشات التلفاز المئات يقفون لالتقاط صور لجبال من الأدخنة تصعد إلى السماء، ومن أسفلها كتل نيران تزحف على الأرض، وتبتلع كل ما تجده أمامها فلا تُبقِي ولا تَذَر.

لكن البراكين نفسها ليست مجرد غضب الطبيعة أو درجة إنذار حمراء أو برتقالية تعلنها سلطات دول ما؛ فالعلماء المعنيون بالبيئة أثبتوا أن البراكين تؤثر على تغير المناخ؛ إذ ينتج عنها كميات هائلة من الغازات البركانية، مثل ثاني أكسيد الكبريت، وثاني أكسيد الكربون.

غازان متقاربان في الاسم متشابهان في الأثر؛ فكل منهما من غازات الدفيئة المؤثرة على ظاهرة الاحتباس الحراري. وبالنسبة إلى التقديرات العلمية، فإن معدل انبعاث ثاني أكسيد الكربون العالمي لجميع البراكين المرئية أو المغمورة يتراوح بين 0.13 جيجا طن و0.44 جيجا طن سنوياً.

وبالرغم من الآثار السلبية للبراكين، فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يطلقها البشر تُقدَّر بـ35 جيجا طن، وهي نسبة أكبر بنحو 80 إلى 270 مرة من الحدين الأقصى والأدنى السنوي لتقديرات انبعاثات الكربون البركانية العالمية.

ثمَّة فائدة خفية للبراكين توصَّل إليها العلماء مؤخراً، ويمكن أن تساعد بشكل فعَّال في امتصاص الكربون من الغلاف الجوي، وفقاً لتقرير حديث للمسح الجيولوجي للولايات المتحدة.

ميكروبات بركانية

يطلق الثوران البركاني رماداً، ويُسبِّب انهيارات أرضية وتدفقات للحمم بركانية ونزوحاً للسكان ونقصاً في الغذاء، لكن هناك فوائد بيئية يلتفت إليها العلماء دائماً، وآخرها ما ذكرته دراسة بحثية عن أن الميكروبات البركانية لديها القدرة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون بسرعة مذهلة.

ويُسابِق الباحثون الزمن حالياً للاستفادة من الميكروبات الحيوية التي تطورت بشكل طبيعي لإزالة غازات الاحتباس الحراري من الغلاف الجوي.

رحلة بحثية قادت إلى العثور على هذا الميكروب الجديد في ينبوع بركاني حار، وهو بكتيريا زرقاء اكتُشفت في تسريبات بركانية بالقرب من جزيرة فولكانو الإيطالية، وفي الوقت نفسه تحتوي المياه على مستويات عالية من ثاني أكسيد الكربون.

آنذاك تمسَّك الباحثون بأن هذا النوع من البكتيريا قادر على تحويل الكربون إلى كتلة حيوية أكثر من أي نوع آخر من البكتيريا، وفقاً لصحيفة الجارديان البريطانية.

معدل انبعاث ثاني أكسيد الكربون العالمي لجميع البراكين المرئية أو المغمورة يتراوح بين 0.13 جيجا طن و0.44 جيجا طن سنوياً

ولا يزال الباحثون يحللون العينات للوصول إلى نتائج سريعة؛ إذ تمثل البكتيريا أملاً جديداً لامتصاص معدلات عالية من الكربون دون تدخل بشري؛ ففي تعليق على ذلك، قال الدكتور برادن تيرني من كلية طب وايل كورنيل، إن "نتائج هذه الدراسة يمكن أن تحقق 3.6 مليار سنة من التطور الميكروبي، خصوصاً أن الميكروبات ذاتية التجميع، ولا يوجد أساليب كيميائية تُشبِهها في دورها لالتقاط ثاني أكسيد الكربون".

ميكروب المستقبل

الدكتور تيرني ذهب إلى أن "للميكروب الجديد خاصية أخرى غير معتادة.. يغرق في الماء سريعاً؛ ما قد يساعد في جمع ثاني أكسيد الكربون الذي يمتصه".

ورغم أن هناك أماكن تتفوق فيها الأشجار على الميكروبات أو الفطريات في التقاط الكربون، فإنه سيكون للميكروب دور أفضل في بعض الظروف الأخرى، وبخاصة أنه سريع النمو، وقد يكون لديه القدرة على إنتاج بلاستيك حيوي مفيد".

من المحتمل أيضاً أن تعزز الهندسة الوراثية فكرة استخدام البكتيريا لالتقاط الكربون. وهناك مراجعة بحثية تقترح أنه يمكن الاستفادة من البكتيريا في إنتاج مواد كيميائية مفيدة، مثل الوقود الحيوي، والمركبات الصيدلانية، والبلاستيك الحيوي، بجانب دورها في تقييد معدلات ثاني أكسيد الكربون.

تستخدم شركة "لانزا تيك" الأمريكية، البكتيريا بالفعل لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود ومواد كيميائية تجارية، وشركات أخرى تعتمد على البكتيريا في إنتاج الزيوت البيولوجية.

وما بين هذا وذاك، ثبت أيضاً أن البكتيريا الموجودة في الكهوف، تُحوِّل ثاني أكسيد الكربون إلى معادن؛ لذا يهدف علماء آخرون إلى استخدام البكتيريا لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أثناء عملية تصنيع الأسمنت.

رؤية عربية

أجرى باحثون في جامعة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالسعودية، دراسة لمعرفة الدور الذي يمكن أن تلعبه البكتيريا المحبة للحرارة في القضاء على التلوث النفطي.

وبالفعل توجَّهوا إلى بركان "ديسيبشن آيلاند" النشط في القارة القطبية الجنوبية؛ حيث تُعَد بيئة خصبة للتجمعات البكتيرية من أجل إجراء تحليل شامل، بحسب ما كشفته "Technologynetworks".

سيكون للميكروبات مستقبلاً دور أفضل في بعض الظروف الأخرى وبخاصة أنها سريعة النمو وقد يكون لديها القدرة على إنتاج بلاستيك حيوي مفيد وامتصاص ثاني أكسيد الكربون

النتائج كشفت عن وجود آمال واسعة لاستخدام البكتيريا المتطرفة، بما في ذلك البكتيريا المحبة للحرارة، في إزالة التلوث النفطي؛ إذ أظهرت ثلاث عشرة سلالة قدرة عالية على التقليل من انبعاثات الوقود الأحفوري، وأبدت أربعة منها قدرة كبيرة على تحليل النفط الخام.

وبالنسبة إلى البكتيريا المحبة للحرارة، فقد تكيَّفت على الحياة في درجات حرارة مرتفعة تتراوح بين 60 و140 درجة مئوية، وتزدهر في البيئات القاسية التي ترتفع فيها معدلات درجة الحرارة والضغط والملوحة، وتبين أيضاً أنها تُفرِز منتجات حيوية مفيدة.

وتُستخدَم الإنزيمات والمُركَّبات الحيوية المتعلقة بالبكتيريا، في مجالات عدة، مثل الزراعة وصناعة الأدوية، علاوةً على دورها في توفير وسيلة آمنة للتخفيف من أعباء تلوث الوقود الأحفوري، وهذا ما أوضحته جونيا شولتز باحثة ما بعد الدكتوراه في مركز أبحاث البحر الأحمر التابع لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وفق "Phys".