رحلات بحرية صديقة للبيئة.. ترفيه منزوع الكربون


سلمى عرفة
السبت 01 يوليو 2023 | 12:21 مساءً
 انبعاثات غازات الدفيئة التي تسببها سفينة "الكروز" متوسطة الحجم تعادل تسيير 12 ألف سيارة
انبعاثات غازات الدفيئة التي تسببها سفينة "الكروز" متوسطة الحجم تعادل تسيير 12 ألف سيارة

ربما لن يجد علماء الآثار الذين سيعيشون في المستقبل غضاضة في تصنيف سفن الرحلات البحرية ضمن أكثر الآليات التي تركتها حضارتنا غرابة، فعندما تنظر إلى إحداها ربما يصلك الانطباع كيف تحاول الشركات المسؤولة عنها جذب العملاء لقضاء وقت طيب، فتلك الأجسام العملاقة مصممة لتكون كتلة من البهجة ومسلحة بمنزلقات مائية وكتائب من المظلات، ببساطنة صنعنا بوارج ترفيهية، لكننا أرهقنا محيطات العالم بحثاً عن المتعة.

قد لا يكون الأمر صادماً إذا ما عرفت أن هناك جانباً غير مستدام في تلك الرحلات، فكمية انبعاثات غازات الدفيئة التي تسببها سفينة "الكروز" متوسطة الحجم تعادل تسيير 12 ألف سيارة، في الوقت الذي يتهم المعنيون بمجال البيئة اللاعبين الكبار في القطاع بالإنفاق المحدود على عمليات إزالة الكربون، وإخفاء أساليبهم في تأخير تلك الإجراءات تحت رداء ثقيل من الغسيل الأخضر.

ويُعرف مصطلح الغسيل الأخضر بأنه ادعاء المؤسسات اهتمامها بتطبيق المعايير البيئية، لكنها لا تفعل ذلك على أرض الواقع، فعلى مدى سنوات، تعرض هذا القطاع إلى انتقادات بداية من الإلقاء المستمر للحمأة السامة في المياه وصولاً إلى تنظيم سكان مدن ساحلية وقفات غاضبة بعدما سأموا من وصول مجموعات كبيرة من السياح إلى موانئهم.

رغم ذلك، من السهل أن نجيب على السؤال المهم حول ما مدى اهتمام السائحين الذين يقضون تلك العطلات بهذا الأمر من عدمه. ورغم استمرار الشركات العاملة بقطاع السياحة في استثمار السفن العاملة بالوقود الأحفوري، فمن المتوقع أن ترتفع مبيعات تذاكر تلك الرحلات إلى الرقم القياسي الذي شهده عام 2019 قبل الخسائر التي سببتها جائحة كورونا، وفقاً لأحدث تقارير الجمعية الدولية لخطوط الرحلات البحرية.

عطلات مستدامة

لكن هناك شركة واحدة على الأقل، تراهن على العملاء المحتملين الذين قد يهتمون بالعطلات المستدامة. فقد أنهت شركة "Hurtigruten" المتخصصة في خطوط الرحلات البحرية بالنرويج، بناء أخر سفينة لها تعمل بالوقود الأحفوري. وفي السابع من يونيو 2023، كشفت الشركة عن تفاصيل جديدة حول التقنيات التي تختبرها سعياً إلى إنتاج أول سفينة رحلات بحرية لا ينتج عنها انبعاثات في العالم.

بدلاً من الارتفاع الشاهق للبواخر، ستقترب السفينة أكثر من مستوى المياه، ما يقلل من مقاومة الهواء، وعوضاً من المداخن المعتادة، فكر المصممون في تركيب أشرعة قابلة للطي، تحمل كذلك خلايا لتوليد الطاقة الشمسية. كما تعمل السفينة الجديدة التي تأمل الشركة أن تصبح جاهزة بحلول 2030، ببطاريات بدلاً من المازوت السميك الذي يسير معظم السفن.

مع ضيق الوقت من أجل التخلي عن الوقود الأحفوري وتجنب آثار التغيرات المناخية، فإن الحجج الأخلاقية ستكون مقنعة، لكن غالباً ما تقوم الشركات الكبرى باتخاذ قراراتها بناءً على الاعتبارات العملية، دون التفكير في ما هو الصحيح وما الخطأ.

ما تفعله الشركة النرويجية قد يغير اتجاه الصناعة، أوقد يتحول إلى مجرد استثناء صديق للبيئة يستهدف العدد المحدود من العملاء الذين يتمتعون بوعي مناخي، وسط بقية القطاع الذي سيواصل الإبحار في اتجاهه القديم.

شركة نرويجية صديقة للبيئة تسعى لإنتاج سفينة لا تعترف بالارتفاع الشاهق للبواخر ويقترب طولها من مستوى المياه ومزودة بأشرعة تعمل بالطاقة الشمسية لتدخل الخدمة عام 2030

تقرير لمجلة "التايم" الأمريكية وصف دانيال سكجيلدام الرئيس التنفيذي لشركة "Hurtigruten" بأنه واحد من قليلين لا يلتفون حول أحد الأبعاد المزعجة من أزمة المناخ وهو الصراع بين السعي الذي لا ينتهي للوصول إلى الشيء الأفضل والأكبر، وبين المجال الحيوي المحدود للأرض.

يؤكد "سكجيلدام" على خطأ الاستمرار بناء سفن أكبر، فالسفينة متوسطة الحجم تسع حوالي ثلاثة آلاف راكب، بينما تستثمر شركات الرحلات في الأحجام الأكبر التي تصل إلى تسعة آلاف راكب، وهو في رأيه أمر خاطئ للغاية.

بعد فترة وجيزة من تعيينه رسمياً في أكتوبر 2012، كان "سكجيلدام" على متن سفينة تابعة للشركة مبحراً بالقرب من أرخبيل سفالبارد النرويجي، والذي يقع بها البلدة التي تمثل أقصى نقطة مأهولة بالسكان في شمال العالم.

وبينما يتناول "سكجيلدام" القهوة في مقصورة القيادة مع قائد السفينة المخضرم الذي عمل في الشركة لعقود، أشار الأخير إلى النهر الجليدي الذي يبعد عدة أميال، وروى كيف كان يصل إلى المنطقة التي يبحرون بها الآن، عندما بدأ العمل بالشركة في 1980.

تلك التجربة لفتت انتباه الرئيس التنفيذي الذي بدأت الشركة تحت قيادته الاستثمار في مجال الاستدامة، قبل وقت طويل من قيام الشركات الأبرز في المجال باتخاذ تلك الخطوة.

سفر مستدام

في 2016، بدأت الشركة ملائمة السفن التابعة لها لتزويدها بالطاقة، خلال فترة وجودها من الشبكة التقليدية في الميناء بدلاً من استخدام الوقود الموجود داخلها، وهي تقنية تساهم في تقليل تلوث الهواء الذي تسببه السفن الراسية بنسبة تصل إلى 70%.

وخلال العام نفسه، أمرت الشركة ببناء أول سفن "كروز" بالعالم تعمل بالطاقة الهجينة، وبدأت في طرح الرحلات البحرية على متن أولى السفن MS Roald Amundsen في 2019، والتي تقل الانبعاثات الناتجة عن تشغيلها بفارق 20% مقارنة بالبواخر التقليدية القريبة في الحجم، حتى وصل عدد السفن التي تسيرها الشركة من النوع الجديد إلى أربع.

يقول الرئيس التنفيذي إن التغيرات يجب أن تتماشي مع رغبة العميل في سفر أكثر استدامة، وهو أمر يتوقع تصاعده خلال السنوات المقبلة، علاوة على مطالب الموظفين، إذ تساهم الشركة بالعدد الأكبر من الوظائف في منطقة لونغييربين، المنطقة الرئيسية في الأرخبيل.

لكن الحرارة هناك ترتفع بمعدل ست مرات أسرع من المعدل العالمي، ما أدى إلى موجات من الطقس الحار القادم في غير موعده، وانكماش الأنهار الجليدية، وتكرر الانهيارات الجليدية عدم استقرار الثلوج.

يقول "سكجيلدام"، إنه تحدث إلى الناس الذين نقلوا إليه تغيرات ضخمة شهدتها المنطقة على مدى العقد الماضي، وسببت لهم حالة من الرعب، وجاء ذلك الحديث نتيجة لاهتمام الشركة ورغبتها في قيادة التغيير، وأن تكون جزءاً من الحل.

واليوم تأمل شركة "Hurtigruten"أن تصل عمليات تشغيلها إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2040، وخفض الانبعاثات المصنفة ضمن فئة scope 3 الناتجة عن سلاسل إمدادها في العام 2050. ويعرف مصطلح"Scope 3" بالانبعاثات غير المباشرة التي تنتج عن أنشطة المؤسسة.

ورغم استثمار أكثر من 70 مليون دولار في تكنولوجيا تقليل الانبعاثات، فإن التقدم بطيء، وهو ما تعزيه الشركة جزئياً إلى ارتفاع أسعار الطاقة، والذي أدى إلى رفع سعر الوقود الحيوي، لكن الشركة نجحت في خفض إجمالي انبعاثاتها بين عامي 2018 و2022 بنسبة 2%، لكن معدل الانبعاثات لكل رحلة بقي دون تغيير.

إلا أن الرئيس التنفيذي للشركة ما زال مصراً على أن المشروع الرئيسي القادم للشركة، وهو بناء أول سفينة في القطاع لا تنتج أي انبعاثات.

ففي 2021، بدأ فريق الشركة في التواصل مع المؤسسات التكنولوجية وصناع السفن، وأجرى راسة جدوى لتحديد الكنولوجيا المستخدمة، والاختيار ما بين الاستعانة بمفاعل نووي صغير، أو استخدام الوقود الحيوي، لكنهم استقروا في النهاية على البطاريات.

لكن ليست هناك طريقة تجعل البطاريات تعمل لمدة تكفي لاستخدامها في الرحلات التي تطلق عليها الشركة اسم "بعثات"، والتي تتراوح مدتها بين أسبوع في جزر جالاباغوس بالإكوادور، إلى رحلات طويلة بين القطب الشمالي والجنوبي، لتتراوح أسعارها بين بضع آلاف من الدولارات إلى ما يعادل سعر سيارة رياضية فاخرة.

غير أن هذه البطاريات ستكون حلاً أفضل للرحلات التي تتبنى التوقف في عدة محطات على الساحل النرويجي، والتي تقوم كذلك بخدمات البريد والنقل للمجتمعات المعزولة في المضيق البحري على ساحل الدولة الأوروبية، ما يمنح فرصة لإعادة الشحن.

حتى مع الوقفات المتكررة، لا بد أن تكون مساحة البطارية كبيرة، وحالياً يدرس المهندسون سعة 60 ميجاوات في الساعة/ أو ما يعادل 1200 بطارية من بطاريات موديل 3 من سيارات تسلا، ما سيسمح بالإبحار لمسافة تزيد على 300 ميل بحري قبل إعادة الشحن.

طائرات تحت الماء

للقيام بذلك، تدرس الشركة استخدام طائرات تحت المياه للمساهمة في تقليل مقاومة المياه خلال الإبحار، من خلال التحكم في هيكل السفينة، إضافة إلى تصميم شكل انسيابي بقمرة قيادة صغيرة الحجم لتقليل مقاومة الهواء، علاوة على أشرعة وألواح شمسية من أجل كميات إضافية من الطاقة، وتخطط الشركة أن يظهر التصميم النهائي بحلول 2035.

ما تقوم به الشركة سيثبت مدى فعالية تكنولوجيات المستحقة التي يمكن لبقية الشركات تبنيها، لكن الفكرة الرئيسية لاستخدام بطارية بسعة كبيرة قد تصبح في النهاية مستحيلة بالنسبة لسفن الرحلات الأكبر حجماً، لأن البطاريات لا يمكنها تخزين طاقة كافية في مساحة صغيرة وفي الوقت نفسه كافية، فإذا ما أردت عبور المحيط، فستحتاج بطارية قد يصل مقاسها إلى حجم سفينة كاملة.

أما المساعدة التي تقدمها الأشرعة فلن تكون أكثر من مجرد دفعة لأنواع أخرى من الشحن، وهو ما ينقلنا إلى أنواع الوقود الحيوي أو الصناعي، لكن الأمر لا يخلو من عقبات.

الميثانول، المصنوع من طاقة متجددة وثاني أكسيد الكربون، هو أحد الخيارات الجيدة، لكن إنتاجه يتطلب الحصول على ثاني أكسيد الكربون من الكتلة الحيوية المحدودة، فالطلب العالمي على مخلفات الزراعة والأشكال الأخرى من الكربون النباتي سيرتفع بشدة مع زيادة الطلب على بدائل الوقود، أما الخيار الآخر فهو التقاط الغاز من الغلاف الجوي عبر استهلاك كميات ضخمة من الطاقة المتجددة.

هناك خيار آخر يمكن لقطاع السفن اللجوء إليه بعيداً عن مشكلات إمدادات ثاني أكيد الكربون، وهو الأمونيا لكنها لن تصلح لبواخر الركاب، لأن أي تسريب سيعرض آلاف الركاب لأبخرة سامة.

أما الهيدروجين وهو العنصر الأخف، فاستخدامه شائك لأنه يتسرب بسهولة ويحتاج إلى تبريد فائق من أجل زيادة كثافته ونقله، وهو ما يحتاج كذلك إلى كميات كبيرة من الطاقة.

الشركات الأربع التي تسيطر على نصيب الأسد من سوق خطوط الرحلات البحرية وهي Carnival، Royal Caribbean، وNorwegian Cruise Lines، و MSCاتخذت خطوات إيجابية مثل الاستثمار في السفن التي يمكنها الإبحار بالميثانول، لكنها قد تكون مستمرة في العمل بالديزل حتى الآن بسبب نقص البنية التحتية لإعادة ملء خزانات الوقود.

وبخلاف الاستثناء النرويجي، فإن الخطط البيئية للشركات الكبرى تعتمد بالأساس على استخدام الغاز الطبيعي المسال في أحدث أجيالها من البواخر. أما استخدام الغاز الطبيعي فيعمل على خفض انبعاثات بعينها، وعدد من المواد الملوثة الخطرة مثل أكاسيد النيتروجين، كما ينتج انبعاثات أقل من غاز ثاني أكسيد الكربون بفارق 30% مقارنة بالمازوت.

في حين أن ثاني أكسيد الكربون ليس العنصر الوحيد الذي ينطلق من المداخن، فنوع المحركات الشائع استخدامه في القطاع يخلف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي التي لم تحترق، لتنضم بدورها إلى الانبعاثات.

الغاز الطبيعي، والمعروف كذلك بالميثان، يعد في حد ذاته غازاً دافئ قوياً، وقد يسبب احترار يتجاوز أثر ثاني أكسيد الكربون بفارق يتخطى 80 مرة عند احتساب الأثر على مدى 20 عاماً، فالصورة العامة لانبعاثات الغاز الطبيعي قد تكون أسوأ بالنسبة لظاهرة التغير المناخي، مقارنة بالتمسك بالبترول.

وعندما سألت "التايم" أحد ممثلي Carnival عن استخدام الغاز الطبيعي المسال، أشار إلى تطلعات الشركة الطويلة الأمد للوصول إلى عمليات تشغيل محايدة كربونياً بحلول 2050، أما الشركات الثلاثة الباقية فلم تتلق المجلة منهم أي إجابة.

ممثل Carnival قال عبر البريد الإلكتروني للمجلة، إن هناك وفرة في البيانات العلمية والدراسات المحترمة التي توضح الفوائد البيئية لاستخدام الغاز الطبيعي المسال، وهو أحد أنظف أنواع الوقود حاليا، إذ تختبر الشركة تقنيات أخرى من الجيل الصديق للبيئة مثل أنواع الوقود الحيوي، وخلايا الوقود، وأنظمة تخزين البطاريات الضخمة.

اللوائح المتعلقة بانبعاثات غازات الدفيئة من السفن لا تزال محدودة، وتخضع انبعاثات سفن "الكروز" للنطاق القضائي للمنظمة البحرية الدولية (IMO) التابعة للأمم المتحدة، والتي لديها السلطة لفرض خفض مستدام في الانبعاثات بقطاع السفن في مختلف أنحاء العالم.

لكن عملياً، فإن المنظمة لديها تاريخ من التأثر الشديد بالمصالح، لأن العديد من الدول تعين ممثلي القطاع في وفودها في المنظمة.

لا تزال اللوائح المتعلقة بانبعاثات غازات الدفيئة من السفن محدودة، وتخضع انبعاثات سفن "الكروز" للنطاق القضائي للمنظمة البحرية الدولية (IMO) التابعة للأمم المتحدة، والتي لديها السلطة لفرض خفض مستدام في الانبعاثات بقطاع السفن في مختلف أنحاء العالم.

انبعاثات سفن "الكروز" تخضع للنطاق القضائي للمنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة والتي تملك السلطة لفرض خفض مستدام في الانبعاثات بقطاع السفن حول العالم لكن ذلك لا يحدث

وواصل ممثل الشركة انتقاداته بأنهم يقومون بأي شيء ليجعلوا الحسابات تصب في صالحهم، أو ليعطلوا أي محاولات داخل المنظمة البحرية الدولية، ويضعون أهدافاً مناخية تتضمن ثغرات، ثم يحاربون تطبيق اللوائح في منتديات السياسات الأجنبية، وإذا ما جرى الموافقة على هذه اللوائح، يبدأون الحرب من أجل الاستثناءات والحصول على معاملة خاصة، وغالبا ما ينجحون في ذلك.

ولم يجب ممثلو الجمعية على طلب مجلة التايم للحصول على تعليق، كما أن الشركة النرويجية ليست من ضمن أعضاء المنظمة.

على الجانب الآخر، هناك بعض نشطاء المناخ الذين يدعون إلى اختفاء سفن الرحلات البحرية كلية، ففكرة السفر حول العالم محملاً بمنتجع كامل برفقتك لن يجري بالطريقة الأمثل على الأرجح، فمن المعروف كيف تسبب تلك البواخر حالة من الإهدار.

حسب بحث أجراه "كومر" وآخرون، تتجاوز الانبعاثات الناتجة عن الرحلات البحرية تلك التي يسببها السفر بالطيران والإقامة في فندق إذا ما قارنا السفر في رحلة بحرية كبديل للسفر عبر الطيران والإقامة في فندق.

بحث آخر ذهب إلى أن قضاء خمسة أيام لمسافة 1200 ميل ينتج عنها 1100 رطل من ثاني أكسيد الكربون، بينما ينتج الخيار الآخر نصف تلك الكمية مع عدم احتساب الانبعاثات الناتجة عن الطائرات التي غالباً ما يلجأ لها المسافرون للوصول إلى الميناء الذي ستبدأ منه الرحلة.

معركة شاقة

قضية أخرى تفرض نفسها وتتعلق بأن تحويل وجهة المناقشات إلى المسافرين قد يكون كذلك معركة شاقة، فالشركات أنفقت الكثير من الأموال على الدفاع عن صورتها البيئية، لدرجة جعلتها لا تستجيب لنقاشات النشطاء الذين يستقبلونهم بلافتات تتحدث عن الآثار البيئية للرحلات.

كارلا هارت الناشطة في منظمة Juneau Cruise Control الأمريكية، تقول إن بعض الركاب يتوقفون من أجل الدفاع عن تلك الرحلات، ويتحدثون كيف نجح الغاز الطبيعي المسال. ووفقاً لرأيها، فهذا الأمر هو عرض من أعراض ديناميكية أوسع تسير بها العلاقة بين قطاع الرحلات البحرية والركاب الذين يريدون تصديق أن بإمكانهم قضاء العطلات المثالية التي يجري الإعلان عنها عبر التلفزيون والإنترنت، رغم أنهم يعرفون أن ما سيحصلون عليه مختلفاً بدرجة كبيرة.

تصف "هارت" الانسياق وراء رغبة التعرض لتجربة عليك أن تعرف أنك لن تدركها بأنه تعطيل للحقيقة، ويتكرر الأمر نفسه عندما تعتقد أن التخلي عن الماصات البلاستيكية، والتحول إلى اللمبات الموفرة (Led) سيزيل الأثر البيئي تماماً.

استطلاع جديد أجرته مجلة "التايم" الأمريكية بالتعاون مع مؤسسة The Harris Poll للاستطلاعات يدعم تلك النقاط، فبالنسبة للمدافعين عن حقوق البيئية، غالباً ما تتصدر الرحلات البحرية قائمة الرحلات الملوثة للبيئة، لكن 50% من المشاركين يعتبرونها عطلة صديقة للبيئة، بينما اقتصر من وصفوها بغير ذلك على ثلث المشاركين فقط.

أوجال أركالجود، الذي يدرس في مؤسسة lux Research تحدث أيضاً عن كيف يقوم العملاء باتخاذ قراراتهم يقول إن المؤسسات التي تتخذ نهج الشركة النرويجية قد يمكنها جذب العملاء المهتمين حقاً بفكرة الاستدامة، لكن النسبة الأكبر من المسافرين مهتمون بتلقي ادعاءات صديقة للبيئة، فالناس لا تنفق المال من أجل إنقاذ الكوكب، لأن الطريقة البسيطة للقيام بذلك هو عدم السفر هذا النوع من الرحلات.

وسط غياب دفعة حقيقية للعملاء، يقول النشطاء وخبراء البيئة إن فرض القواعد على مستوى المنظمة البحرية الدولية أو ما يكفي من الموانئ في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمكن أن يدفع الشركات إلى الاستثمار في مجال إزالة الكربون بجدية.

يقول "كومر" إن السبب في أننا لا نرى قدر كبير من الاستثمارات والابتكارات فيما يخص السفن التي لا تنتج انبعاثات، هو أنه قطاع يعتمد على المنافسة، فإذا قمت بأمر كلفك أموالا إضافية، وفي الوقت نفسه ترغب في المنافسة حول سعر الخدمة التي تقدمها، لأنه لا يمكن لك أن تثبت للراكب أن عليهم دفع المزيد من أجل ما قمت به، وبالتالي لا يوجد حافز يدفعك للقيام بالأمر.

"سكيجيلدام" يدعم المزيد من فرض القواعد لكن إلى حد معين، فتطبيق إجراءات للحد من التلوث الناتج عن الرحلات البحرية أمر لا بد منه، إلا أنه مؤمن بدرجة أكبر من تلك التي يعتقدها النشطاء بأن المسافرين يهتمون بالبيئة، وبما إن الحديث عن تأثيرات التغيرات المناخية يزداد، فسيصل الأمر إلى العملاء كذلك.

ويرى أن جزءاً من القطاع يعاني من سوء فهم بأن العملاء لا يركزون على الأمر، وهو اعتقاد خاطئ، إذ إن المستقبل سيشهد حالة من التركيز الشديد، فالمطالب العامة قادمة.