في أقصى الجنوب الأسترالي، يمتد طريق المحيط العظيم بطول 243 كيلومتراً على الساحل الجنوبي لولاية فيكتوريا، ليُشكل واحدة من أروع التحف الطبيعية في العالم. هذا الطريق الساحلي لا يكتفي بسحر مناظره الخلابة بين المنحدرات الشاهقة والشواطئ الذهبية والغابات المطيرة، بل يجسد أيضاً قصة وعي بيئي فريدة تعكس التوازن بين السياحة المستدامة وحماية الطبيعة.
من طريق الذكرى إلى درب الجمال
بُني الطريق على يد جنود عادوا من الحرب العالمية الأولى كنصب تذكاري لرفاقهم الذين لم يعودوا، ليصبح شاهداً على قدرة الإنسان على تحويل الألم إلى جمال والماضي إلى مستقبل أكثر وعياً، نقلاً عن "Ecobnb".
يمتد الطريق من توركاي إلى ألانسفورد، مقدماً مزيجاً آسراً من الطبيعة والثقافة والحياة الساحلية، وفي توركاي، عاصمة ركوب الأمواج في أستراليا، تتلاطم أمواج شاطئ بيلز الأسطورية، فيما يروي المتحف الوطني لركوب الأمواج وممشى ساحل الأمواج قصة شغف الأستراليين بالمحيط.
تأتي بعد ذلك لورن، المدينة التي تجمع بين سحر الطبيعة والفن، حيث يمكن زيارة شلالات إرسكين أو الصعود إلى نقطة مراقبة تيدي لإطلالة بانورامية ساحرة، إضافة إلى معرض كيودوس للفنون الذي يحتفي بالإبداع وسط أحضان الطبيعة.
أما منتزه جريت أوتواي الوطني، فهو مكان تلتقي فيه الغابات المطيرة بمياه المحيط الهادئ، وبين الشلالات والكهوف المضيئة بالديدان المتلألئة، يعيش الزائر تجربة فريدة تجمع بين المغامرة والهدوء، كما تتيح منارة كيب أوتواي التاريخية ومنطقة الغابات المحيطة فرصة مشاهدة الكوالا بين أشجار الأوكالبتوس في مشهد طبيعي خلاب.
وفي خليج أبولو، تلتقي التلال الخضراء بالمياه الفيروزية في أجواء من السكينة، ويمكن للزوار التنزه على الشاطئ، أو تذوق المأكولات البحرية الطازجة، أو زيارة محمية عجائب الحياة البرية التي تقدم جولات تعليمية حول الأنواع المحلية، بينما تمنح منصة مارينرز لوك آوت إطلالة لا تُنسى عند شروق الشمس.
يتوج المشهد عند الرسل الاثني عشر، التكوينات الحجرية الشهيرة التي ترتفع وسط الأمواج، وخاصة ًعند الغروب حين يكسوها الضوء الذهبي، وبالإضافة إلى ذلك، توفر الممرات الخشبية ومنصات المشاهدة إطلالات آمنة ومستدامة، فيما تقود درجات جيبسون إلى الشاطئ لمن يرغب في الوقوف على مستوى البحر وتأمل ضخامة الأعمدة الحجرية.
على طول الطريق، تمنح قريتا ميناء كامبل وميناء فيري تجربة هادئة تكشف الوجه الأصيل للساحل الأسترالي، وفي ميناء كامبل يمكن التنزه على الممشى الاستكشافي أو السباحة في الشاطئ المحمي، أما ميناء فيري فتأسر الزوار بجزيرة غريفيث ومنارتها التاريخية ومعرض عظام الحوت الذي يجسد علاقة الإنسان بالبحر.
الإقامة.. بين رفاهية مستدامة وتخييم واعٍ
تتنوع خيارات الإقامة بين الرفاهية المستدامة والتخييم الواعي، مثل ألكينا لودج وسكاي بودز التي تعمل بالطاقة الشمسية، ونُزُل غريت أوشن البيئي الداعم للحياة البرية، ومواقع التخييم في جوهانا وبلانكيت باي التي تشجع على مبدأ "لا تترك أثراً".
يدعو الطريق زواره إلى السفر بوعي، باستخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة، وتقليل النفايات، ودعم المجتمعات المحلية، فهو ليس مجرد رحلة على الساحل، بل تجربة إنسانية وبيئية تُذكر بأن الجمال الحقيقي لا يكمن في الصور، بل في الانسجام مع الطبيعة وصونها للأجيال القادمة.
بهذا، يظل طريق المحيط العظيم أكثر من معلم سياحي؛ إنه رمز للتعايش بين الإنسان والبيئة، ودليل على أن السياحة يمكن أن تكون طريقاً نحو الحفاظ على كوكب أجمل وأكثر وعياً.