صحراء الربع الخالي.. كنوز طبيعية في أكبر بحر رملي بالعالم


مروة بدوي
الاثنين 24 فبراير 2025 | 12:06 مساءً

صحراء الربع الخالي، هي أكبر مسطح رملي متصل على كوكب الأرض، حيث تتلألأ حبيبات الرمال بألوانها القوية ودرجاتها المتنوعة تحت أشعة الشمس، تبدو مثل بحر من الرمال لا ينتهي، يحمل في أعماقه حكايات العديد من الرحالة والمستكشفين، ويسود اعتقاد بأن بقايا مدينة إرم القديمة، عاصمة حضارة قوم عاد التي ذُكرت في القرآن الكريم، مدفونة تحت رمال هذه الصحراء.

سُميت هذه الصحراء بـ"الربع الخالي" لأنها تشكل تقريباً ربع الجزيرة العربية، أما الخالي لأنها تخلو نسبياً من حركة الحياة ووجود البشر فيما عدا بعض البدو الرحل.

الربع الخالي جزء من الصحراء العربية، ويمتد عبر أربعة دول هي السعودية والإمارات واليمن وسلطنة عمان، حيث تبلغ مساحتة حوالي 650 ألف كيلومتر مربع، بما يعادل مساحة فرنسا تقريباً، حسب بيانات World Atlas

وقد قدم الجيولوجيون تفسيرات متعددة لكيفية تراكم هذا الكم الهائل من الرمال في منطقة الربع الخالي، والتي قد تعود إلى مصادر مختلفة منها ارتفاع مستويات سطح البحر وانخفاضها عدة مرات على مدار تاريخ الأرض، حيث تشير الأبحاث إلى أن مياه الخليج العربي كانت تغطي هذه المنطقة قبل ملايين السنين، لكنها انحسرت تدريجياً حتى تكونت صحراء الربع الخالي.

والرمال ذات اللون الأحمر الموجودة في الجزء الجنوبي من الربع الخالي، والتي تشير إلى وجود أكاسيد الحديد بسبب تعرضها للأكسدة، ربما تكون قد انتقلت الى المنطقة عبر الأودية والجداول التي تتدفق خلال موسم الأمطار، وفقاً لوكالة ناسا. 

الأهمية المناخية

يتميز الربع الخالي بانخفاض شديد في هطول الأمطار وعدم انتظامها وتقلبات عالية في درجات الحرارة ورياح متغيرة، مما يجعله بيئة قاسية وصعبة للحياة والنشاط البشري، وعلى الرغم من هذه الظروف يتمتع الربع الخالي باهمية طبيعية ومناخية، فهو بمثابة مختبر طبيعي لدراسة عمليات الرياح مثل نقل الرمال وتكوين الكثبان الرملية وانبعاثات الغبار، التي تؤثر على البيئة المحلية والعالمية.

وتشير دراسة حديثة نشرتها دورية  Earth and Space Science العام الماضي، إلى أن دراسة صحراء الربع الخالي ليست  فقط وسيلة لفهم حركة الرمال وخصائصها، ولكن أيضاً تقدم فهم أوسع للعمليات الريحية، وتسلط الضوء على التفاعل الدقيق بين الظروف الجوية والبرية في تشكيل ظواهر الغبار الإقليمية، والتي لها آثار بيئية كبيرة

وتوضح الدراسة أنه من أبرز الظواهر الريحية في الربع الخالي هو حدوث العواصف الغبارية بشكل متكرر، والتي تساهم في تكوين انبعاثات الغبار المحلية في منطقة شبه الجزيرة العربية؛ وتملك هذه الانبعاثات آثاراً متعددة، منها تغيير نمط الطقس الإقليمي وخفض درجات الحرارة في المنطقة. 

وتعمل انبعاثات الغبار على انعكاس بعض من أشعة الشمس والحرارة إلى الفضاء الخارجي، ما قد يقلل الاحترار نهاراً، لأن الغبار يحجب الإشعاع الشمسي قصير الموجة، بينما يعمل على تعزيز تدفق الإشعاع طويل الموجة، ولذلك تكون درجة حرارة الهواء عموماً أكثر برودة أثناء النهار ولكنها أكثر دفئاً في الليل.

وتضرب الدراسة مثالاً بالعاصفة الغبارية الكبيرة التي حدثت فوق صحراء الربع الخالي في يوليو 2018، حيث ارتفع الغبار إلى أكثر من 5 كم فوق السطح، وقد لوحظ في تلك الفترة انخفاض درجة الحرارة نهاراً نحو 3 درجات مئوية، بينما ارتفعت درجات الحرارة ليلاً بشكل ملحوظ مقارنةً بمتوسط درجات الحرارة المعتادة في تلك الأيام. 

الأهمية البيئية

ولا يتوقف دور العواصف الغبارية على التأثير المناخي فقط، بل يمتد هذا التأثير الى النظام البيئي في المنطقة المحيطة مثل بحر العرب. 

وتوصلت دراسة أجرتها جامعة نيويورك أبوظبي الى أهمية الغبار الجوي القادم من المنطقة الصحراوية المحيطة ببحر العرب في الحفاظ على المنظومة البيئية البحرية، حيث تنشر العواصف الترابية كميات كبيرة من الغبار فوق الخليج وبحر العرب.

ويحمل هذا الغبار كميات من العناصر الغذائية مثل الحديد، والذي يعتبر ضرورياً لمساعدة العوالق النباتية على الاستفادة من العناصر الغذائية الرئيسية، وخاصةً أن المياه السطحية لبحر العرب تحتوي على تركيز منخفض من الحديد.

يؤثر الغبار الجوي القادم من الربع الخالي  بشكل إيجابي على الحفاظ على العوالق النباتية في بحر العرب، والتي تلعب دوراً مهماً وأساسياً في السلسلة الغذائية البحرية، والمنظومة البيئية ككل من خلال مساعدة الكائنات الحية على البقاء والتكاثر داخل المياه.

الموائل والتنوع البيولوجي

رغم الظروف المناخية الصعبة، تظل الحياة الفطرية في الربع الخالي ذات قيمة كبيرة وتشتهر بنباتاتها الصحراوية الفريدة، حيث  طورت العديد من النباتات خصائصها من أجل التكيف والبقاء على قيد الحياة في هذا المناخ، عبر تحملها الشديد للملوحة أو تقليل حاجتها للماء بشكل كبير.

وتقول الباحثة في الحدائق النباتية الملكية كيو، إيما سيل، إن النباتات توفر الأساس للحياة على الكوكب، وفي ظل تغير المناخ، ستصبح الأنواع الموجودة في الربع الخالي الصحراوي، والتي يمكنها البقاء في مثل هذه البيئات القاسية أكثر أهمية للبشرية، لذلك يتوجب علينا حمايتها والحفاظ على التنوع الجيني لهذه الأنواع، ودراسة طرق تكييفها المناخي لأنها تمثل وسيلة لحماية الأمن الغذائي في المستقبل، وفرصة لحماية التنوع البيولوجي.

مبادرة تأهيل واحات الربع الخالي في المملكة

يقع الربع الخالي بشكل أساسي في السعودية والتي تستأثر بالجانب الأكبر من الصحراء، لذلك تولي المملكة اهتماماً كبيراً بمستقبل الربع الخالي وجعله أكثر اخضراراً. 

ومؤخراً قامت مؤسسة تنمية الغطاء النباتي "مروج" بزراعة 22 مليون بذرة في الربع الخالي، في إطار مبادرة تأهيل واحات الربع الخالي تحت إشراف المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، وبمشاركة عدد من المتطوعين والمختصين.

وقد تم نثر أنواع مختلفة من البذور منها الرمث والشنان والأرطى وغرس شتلات الأثل والطلح والغاف موزعة على 5 مواقع، تم اختيارها بناء على طبيعة الأرض واحتياجها للتشجير والنوع المناسب، بجانب حملات بيئية استهدفت تقليم الأشجار، وتنظيف المواقع.

وتأتي هذه المبادرة البيئية التي تسعى لتعزيز الغطاء النباتي وتنشيط الحياة الفطرية في صحراء الربع الخالي الفريدة، تأكيداً على جهود المملكة لتحقيق الاستدامة البيئية وحماية الموارد الطبيعية ضمن مبادرة السعودية الخضراء.