منذ بدء ظاهرة النينيو عام 2023، يعاني ملايين البشر في مختلف أنحاء القرن الإفريقي وشرق القارة من وطأة التقلبات المناخية الحادة، والتي جاءت بعد مواسم متتالية من الجفاف، مما أدى إلى أزمة إنسانية متصاعدة يغذيها التغير المناخي، ولكن وسط هذه الأزمة، تظهر قصص ملهمة لنساء من قبائل الماساي، قررن أن يكن جزءاً من الحل، حيث حولن التحديات إلى فرص، والأرض القاحلة إلى حدائق خضراء.
نساء الماساي
يعيش شعب قبائل الماساي داخل مزارع صغيرة في شرق أفريقيا، حيث تعتمد سبل عيش المجتمعات الأصلية مثل "الماساي" على الرعي وتربية الماشية، ووفقاً لثقافته يسيطر الرجال على زمام الأمور، وخاصة فيما يتعلق بالأرض والثروة الحيوانية، بينما يقتصر دور النساء على رعاية أسرهن.
وعندما ضرب الجفاف المنطقة، ودمر سبل العيش التقليدية تاركاً الأرض قاحلة، ومع نفوق الماشية، وجدت نساء الماساي أنفسهن في مواجهة مباشرة مع خطر الجوع الذي يهدد أطفالهن، فقررن تحمل المسؤولية وقيادة دفة التغيير.
أزمة المناخ ورياح التغيير
على مدى أجيال، اعتمد شعب الماساي في معيشتهم على الماشية، التي ظلت تجسد قبلة الحياة ومقياس الثروة والأمن الغذائي، التي توفر الحليب واللحوم، لكن في ظل موجات الجفاف المستمرة وموت الحيوانات، أدركت النساء أنهن بحاجة إلى التكيف مع الأزمة وتعلم كيفية إدارة الموارد المتاحة بذكاء ومهارة، لذلك قررن الاحتفاظ بعدد أقل من الماشية والتركيز بشكل أكبر على الزراعة واستغلال الأراضي المتاحة.
يشكل هذا التحول من تربية الماشية إلى الزراعة انحرافاً عميقاً عن تقاليد أجداد الماساي، حيث لا يزال البعض ينظر إلى الزراعة باعتبارها أدنى من تربية الماشية، لذلك ربما تقود نساء الماساي تحولاً صعباً ومثيراً للقلق، لكنه ضروري من أجل إطعام العائلة واستمرار الحياة في ظل التحديات البيئية والاحتياج إلى مستقبل مرن لمواجهة الأحداث المتطرفة والصدمات المناخية.
في قرية ميكيسي القاحلة بشرق تنزانيا، تعتني ماريا نايكو(31 عاماً) بحديقة خضراوات صغيرة، وتحكي "ماريا": "عندما ضرب الجفاف المنطقة وماتت الماشية، لم نتمكن من الحصول على الحليب لأطفالنا، وكان يجب أن أجد طريقة لإطعام أسرتي، لذلك بدأت بزراعة الخضراوات".
وتكمل "ماريا" خلال حديثها في تقرير حول شعب الماساي مع موقع "Down To Earth" قائلة: "لم أكن أعلم أن فكرة الري بالتنقيط قادرة حقاً على تغذية المحاصيل، ولكن عندما رأيت الأوراق الخضراء تنبت من التربة، أدركت أن المستقبل أمامنا".
ألهم نجاح "ماريا" وحديقتها الصغيرة الخضراء نساء أخريات في قريتها، فقررن السير على خطاها، وتحولت هذه الحديقة المتواضعة إلى شريان الحياة والأمن الغذائي في المنطقة.
الحلول المستدامة
مع تذبذب هطول الأمطار بسبب تغير المناخ لجأت نساء الماساي إلى ممارسات الزراعة الذكية مناخياً كوسيلة للبقاء على قيد الحياة، ومنها الري بالتنقيط، حيث يتم تنقيط المياه بشكل مقتصد مباشرة إلى جذور النباتات من خلال شبكة من الأنابيب لتوفير المياه.
وهناك الزراعة العضوية التي تعمل على تحسين المحاصيل والحفاظ على التربة، كما تبنت مجموعة من النساء تقنيات الحفاظ على المياه، بما في ذلك بناء خزانات أرضية وأنظمة حصاد مياه الأمطار، وتحويلها لمصدر حيوي للزراعة، حيث يتم استخدامها للري عندما تجف الأنهار.
ونجحت نساء الماساي في تقديم نموذجاً للتكيف مع الأزمة، لأن تبني الزراعة الذكية مناخياً لا يقتصر على مجرد رد فعل للكارثة الحالية، بل يبدو أنه مخطط للمرونة المناخية على المدى الطويل.
ويقول أوسكار جون، مدير البرامج في منظمة المعونة النرويجية، أن هؤلاء النساء تعلمن كيفية تحقيق أقصى استفادة من قطع الأراضي الصغيرة التي يمتلكنها، مع تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الماشية، التي أصبحت أكثر عرضة للجفاف.
ويوضح "جون" أن نساء قرى الماساي يتبعن نهجاً تحولياً عبر تطبيق تقنيات الزراعة المستدامة، التي تعمل على تحسين صحة التربة وزيادة إنتاج المحاصيل المقاومة للجفاف دون استنزاف الموارد الطبيعية، مع استخدام الأسمدة العضوية، ما يساهم في تعزيز الإنتاجية وزيادة الحصاد.
تمكين المرأة وإدارة الأمن الغذائي
لقد أدى التحول من تربية الماشية إلى زراعة المحاصيل في حدوث تغيير كبير داخل مجتمع الماساي، وباتت النساء تتولى إدارة موارد أسرهن من أجل تحقيق الأمن الغذائي رغم المصاعب البيئية.
وبينما تواصل المرأة في هذه المجتمعات الرعوية مسيرتها لتأمين مستقبل عائلتها، فهي تمهد الطريق لمجتمع عادل وقادر على الصمود ومواجهة الأزمة المناخية، والتغلب على التحديات عبر إدارة الموارد بشكل كفء وملائم.
وبدأت الثورة الهادئة التي قادتها نساء الماساي تنتشر في تنزانيا، ويتردد صداها في مختلف أنحاء شرق أفريقيا، وقد جذب هذا النجاح انتباه منظمات التنمية والهيئات الحكومية، التي تدرس كيفية تكرار هذا النموذج في مناطق أخرى يجتاحها الجفاف.