ضربة جديدة يوجهها التغير المناخي للمحيطات، وبينما يركز البشر على تآكل الشواطئ تفتك تلك الظاهرة بالأسماك الصغيرة في عمق المحيط.
دراسة استمرت لعقود تراقب كل صغيرة وكبيرة في أعماق البحار والمحيطات حتى توصلت إلى أسرار في عالم الأسماك، تؤكد أن ارتفاع درجة حرارة المياه يقود إلى تقزم الأسماك؛ إذ إن الأسماك الصغيرة الحجم عامةً ستصبح أصغر.
قادت دراسات إلى أن تغير حجم أنواع الأسماك بسرعة أكبر يكون مبنياً على الاستجابة لتغير المناخ بنحو 20٪ لكل 0.5 درجة مئوية من الاحترار، وهو ما ينتهي إلى أن يكون للتقلبات في حجم الأسماك تأثير خطير على شبكة الغذاء البحرية، مثل جعل بعض الأنواع أكثر عرضةً للافتراس.
ويؤدي تغير المناخ إلى شيء غير عادي للأسماك في المحيطات؛ إذ يؤدي ارتفاع درجات حرارة الماء إلى تغير حجم تلك الكائنات، وبعضها يتقلص، لكن البعض الآخر ينمو، وفق دراسة نشرتها مجلة علم البيئة وتطور الطبيعة.
قام الباحثون في الدراسة بتحليل البيانات لأكثر من 10 ملايين سجل مسح مرئي؛ لفهم ظاهرة تقلص الأسماك استجابةً لتغير المناخ، ولمراعاة الآثار على البيئة البحرية وإدارة مصايد الأسماك.
تميل دراسات مماثلة إلى النظر في الأنواع التي يتم صيدها تجاريّاً، ويرجع ذلك إلى وجود الكثير من البيانات عنها، ومع ذلك فإن هذه الدراسة تبحث في مجموعة واسعة من الأسماك التي تعيش بالمياه في جميع أنحاء أستراليا.
دراسة بحثية ركزت على 335 نوعاً بحريّاً عبر مراقبة الشعاب المرجانية لمدة ثلاثة عقود وبرنامج علمي صارم انتهت إلى نتائج مذهلة
تقول أستا أودزيجونيت الباحثة في المعهد الأسترالي للدراسات البحرية والقطبية الجنوبية والمؤلفة الرئيسية للدراسة: "لقد نظرنا إلى جميع الأنواع.. أهمية هذه الدراسة هو أننا لم نختر أي نوع بشكل انتقائي.. نظرنا إلى 335 نوعاً وهي التي كانت جميعها من الأنواع التي لدينا بيانات كافية عنها".
شملت الدراسة الأنواع الصغيرة للأسماك العملاقة، وأسماك القرش، بما في ذلك الأنواع التي يتم صيدها، ولكن الغالبية كانت الأنواع التي لا يتم صيدها، مثل الأسماك المنتفخة. وبالفعل تمكن الباحثون من جمع كمية كبيرة من البيانات بفضل برنامج مراقبة الشعاب المرجانية الذي استمر لمدة ثلاثة عقود.
تطوع الغواصين
من بين المفاجآت البحثية تطوع نحو 100 غواص بوقتهم لجمع كل المعلومات المطلوبة؛ حيث كانت هناك طريقة معيارية لكيفية إجراء هذه المسوحات تحت الماء؛ إذ قالت أودزيجونيت: "لقد غطسوا وكان لديهم مساحة عرضية تبلغ 50 متراً، وسجلوا جميع الأنواع التي رأوها ضمن هذا النطاق".
درس الباحثون الحجم بطريقتين رئيسيتين؛ أولاهما كانت النظر إلى أسماك من النوع نفسه تعيش في مواقع مختلفة حول أستراليا، وحللوا كيف أثرت المياه الدافئة أو الأكثر برودة في التوزيع الطبيعي للأنواع على حجمها، وثانيهما دراسة كيفية تأثر أنواع الأسماك التي تعيش في مكان واحد بالاحترار الناجم عن تغير المناخ بمرور الوقت.
الباحثة أستا أودزيجونيت عادت لتؤكد أن التغيرات في درجات الحرارة عبر الزمن استجابةً لتغير المناخ، كانت لها تأثيرات أقوى بكثير على الحجم من التغيرات في درجات الحرارة بالفضاء في جميع أنحاء التوزيع الطبيعي للأنواع.
المجموعات السمكية المختلفة التي تعيش لفترة طويلة في أجزاء أكثر دفئاً من التوزيع الطبيعي للأنواع كانت مختلفة بنحو 4٪ في طول الجسم لكل درجة من تغير درجة الحرارة
وقالت: "المجموعات السمكية المختلفة التي تعيش لفترة طويلة في أجزاء أكثر دفئاً من التوزيع الطبيعي للأنواع، كانت مختلفة بنحو 4٪ في طول الجسم لكل درجة من تغير درجة الحرارة.. ومع ذلك، عندما تغيرت درجة حرارة الماء بمرور الوقت في مكان واحد بسبب الاحترار العالمي، كانت الأسماك التي عانت من هذا الاحترار تتغير بنحو 20٪ لـ0.5 درجة مئوية من الاحترار الذي لوحظ خلال العقدين الماضيين".
الأكثر قراءة
العكس صحيح أيضاً
ما بدا غريباً ورصدته الباحثة الأسترالية، وإحدى أكثر النتائج إثارةً للدهشة أن بعض الأسماك نمت، بدلاً من الانكماش، استجابةً لارتفاع درجة حرارة المياه، وهو ما عقبت عليه بقولها: "إذا نظرت إلى أوراقي السابقة، فقد قالوا بشكل أساسي إننا نتوقع أن تصبح الأنواع أصغر مع ارتفاع درجة الحرارة؛ لأن هذا هو الاعتقاد المقبول عموماً، وما رأيناه من الأنواع التي يتم صيدها تجارياً".
غير أن ما وجدته الباحثة هي وزملاؤها في النهاية هو أن 45٪ من الأنواع نمت استجابةً لتغير المناخ، بينما 55٪ أصبحت أصغر. وعلاوةً على ذلك كانت السمكة الأكبر هي التي تميل إلى أن تكبر، والأسماك الأصغر عادةً ما تكون أصغر.
وفي النهاية توضح أودزيجونيت أن الآثار المترتبة على هذه التغييرات في الحجم ليست مفهومة تماماً، لكن هذه التقلبات سيكون لها بالتأكيد تأثير على شبكة الغذاء البحري، مختتمةً حديثها: "كلما صغر حجم الأسماك، أصبحت أكثر عرضةً للافتراس.. هذا يعني أنه سيكون لديها معدل نفوق أعلى من الحيوانات المفترسة.. ستتغير كل هذه التفاعلات القائمة على الحجم كثيراً، ولا نعرف ما يعنيه ذلك.. يجب دراسة ذلك لاحقاً".