جحيم الشتاء المستعر.. التغير المناخي وراء تكرار حرائق الغابات في كاليفورنيا


مروة بدوي
السبت 11 يناير 2025 | 03:36 مساءً

حاصرت حرائق الغابات الهائلة جنوب ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وشوهدت حلقات النيران تطوق مدينة لوس أنجلوس، بعد أن دمرت ضواحي وأحياء بأكملها، وأحرقت أكثر من 29 ألف فدان من الغابات، وأجبرت عشرات الآلاف على إخلاء منازلهم، بينما مازالت حصيلة القتلى غير واضحة. 

وأعلنت السلطات أن حرائق الغابات الحالية من بين أكثر 5 حرائق تدميراً في تاريخ كاليفورنيا على الإطلاق، وقد خلفت مشاهد مرعبة من الدمار جعلت البعض يصفها بـ"جحيم الشتاء"؛ حيث بدت سماء لوس أنجلوس برتقالية مشتعلة، تعكس نيران الحرائق المستعرة خلال شهر يناير. 

فهل هذه المرة الأولى التي تشتعل فيها حرائق الغابات داخل كاليفورنيا أثناء هذا التوقيت غير المعتاد أو فصل الشتاء؟

الحرائق الشتوية في الولاية الذهبية 

من المعتاد أن يبدأ موسم الحرائق الكارثي خلال فصل الصيف بسبب الظروف الجوية المواتية، لكن كاليفورنيا تشهد منذ بضع سنوات عواصف نارية شتوية.

وعلق حاكم الولاية جافين نيوسوم في حديث صحفي، قائلاً: "موسم الحرائق في الولاية، والذي كان يستمر من شهر مايو إلى أكتوبر، يمتد الآن طوال أشهر الشتاء.. نوفمبر، ديسمبر، والآن يناير، لا يوجد موسم حرائق؛ إنه عام الحرائق".

ومع تتبع تاريخ حرائق الغابات في كاليفورنيا، سنجد تكرار الحرائق الشتوية منذ عام 2020 والذي شهد 4 حرائق خلال شهر ديسمبر، ثم اشتعلت 10 حرائق خلال  يناير 2021 وسط موجة من الجفاف المستمر وانخفاض تاريخي في هطول الأمطار.

هدأت الأمور نسبياًخلال  عامي 2022 و2023 بسبب غزارة الأمطار، ثم عادت حرائق الشتاء مع ديسمبر الماضي وتفاقمت منذ يوم 7 يناير.

ويرى البروفيسور ستيفان دور، مدير مركز أبحاث حرائق الغابات في جامعة سوانسي البريطانية، أن الحرائق قد تكون شائعة وطبيعية في هذه المنطقة الأمريكية، حيث تشهد كاليفورنيا أكبر معدل زيادة في طول وشدة موسم حرائق الغابات على مستوى العالم خلال العقود الأخيرة، ويرجع ذلك غالباً إلى تغير المناخ.

أزمة المناخ وتكرار حرائق الشتاء في كاليفورنيا

خلال العقود الأخيرة، أصبحت حرائق الغابات في غرب الولايات المتحدة، والذي يشمل ولاية كاليفورنيا، أكبر وأكثر كثافة وأكثر تدميراً بسبب مجموعة من العوامل أهمها تغير المناخ، الذي تسبب في زيادة الاحترار وطول فترات الجفاف وتذبذب هطول الأمطار، حسب الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA).

وكل هذه العوامل تخلق بيئة مثالية للاشتعال وانتشار النيران، ما يطيل موسم الحرائق المعتاد حتى خلال الأشهر الباردة.

تفاقم موجات الحرارة الشديدة

يرى العلماء أن ظاهرة الاحتباس الحراري ساهمت في الانتشار الجغرافي لحرائق الغابات داخل كاليفورنيا بنسبة 172% منذ سبعينيات القرن الماضي، مع توقع حيز انتشار أكبر في المستقبل.

وقالت جينيفر بالتش، خبيرة حرائق الغابات بجامعة كولورادو الأمريكية، إنه خلال العقدين الماضيين اشتعلت مجموعة من الحرائق "الصغيرة والقوية والسريعة" في غرب أمريكا، تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

وأضافت بالتش، أن حرائق الصيف عادةً تكون  أكبر حجماً لكنها أبطأ، على عكس حرائق الشتاء الأكثر تدميراً لأنها تنتشر بسرعة أكبر بسبب الرياح.

جفاف فصل الشتاء

 يشير دانييل سوين، عالم المناخ في معهد كاليفورنيا (CWI)، إلى وجود صلة واضحة بين تغير المناخ وتواتر فصول الخريف والشتاء الجافة، والتي توفر ظروف مناسبة للحرائق.

ولقد أدى تغير المناخ إلى تنامي ظاهرة "التقلبات المناخية السريعة" على مستوى العالم بنسبة تتراوح بين 31% الى 66% منذ منتصف القرن الماضي؛ حيث زادت التقلبات السريعة بين الطقس الرطب الشديد والجاف الخطير، مع توقع تكرار هذه الأحداث المتطرفة بسبب استمرار الاحترار، وفقاً لفريق من الباحثين من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.

ولقد تأثرت بالفعل أجزاء كبيرة من غرب الولايات المتحدة، منها كاليفورنيا، بظاهرة "التقلبات المناخية"؛ حيث عانت المنطقة من موجة جفاف استمرت عقوداً من الزمن، تلاها فترة هطول أمطار غزيرة على مدى عامين متتالين، ثم عادت الظروف الجوية الجافة للغاية خلال فصل الشتاء الحالي مرة أخرى.

"الوقود الجاف" لحرائق الشتاء

ومع تكرار التقلبات المناخية خلال السنوات الأخيرة في الولاية الأمريكية، تضاعفت كمية "الوقود الجاف" الذي يؤدي الى تأجيج حرائق الغابات الكبيرة المدمرة، حسب التقييم الوطني الخامس للمناخ الصادر عن حكومة الأمريكية عام 2023.

الوقود الجاف هو العشب والنباتات الجافة القابلة للاشتعال، والتي تستهلكها نيران الحرائق بما يشبه الوقود، فما هي العلاقة بين التقلبات المناخية وهذه النباتات الجافة؟ 

مرت كاليفورنيا بموسمين من الشتاء القارس مع هطول أمطار غزيرة للغاية خلال عامي 2022 و2023، أدت هذه الظروف الرطبة إلى نمو سريع لكثير من النباتات والأعشاب في الغابات.

ولكن بعد ذلك انقلب الأمر مرة أخرى إلى ظروف حارة جدا خلال الصيف الماضي، تبعه شتاء جاف مع عدم هطول أي أمطار تقريباً، حيث تلقى وسط مدينة لوس أنجلوس 0.16 بوصة فقط من الأمطار منذ أكتوبر 2024.

وقد أدى هذا الجفاف السريع والمستمر بجانب الاحترار إلى تجفيف النباتات وموتها وتراكمها داخل الغابات، فتحولت الى وقود يغذي نيران حرائق الغابات ويزيد اشتعالها.   

ويرى خبير المناخ وحرائق الغابات بجامعة كاليفورنيا ميرسيد، جون أباتزوجلو، أنه لا يمكن أن تحدث هذه الحرائق المدمرة لولا الظروف الجافة والحارة، كما أنه لا يمكن أن تشتعل الحرائق بهذه السرعة لولا الرياح الشديدة، وهنا يأتي دور رياح سانتا آنا. 

رياح سانتا آنا

يشار إليها أحياناً باسم رياح الشيطان، هي رياح قوية ساخنة وجافة تشبه الأعاصير، تهب من الصحراء الغربية القريبة من جنوب الولاية ثم تضرب الساحل بسرعة تبلغ 161 كيلومتراً في الساعة.

تصل الرياح عادةً مع فصل الشتاء؛ وتتسبب في ارتفاع درجات الحرارة داخل لوس أنجلوس خلال الفترة من ديسمبر إلى فبراير، وتغذي هذه الرياح حرائق الغابات خلال الأشهر الباردة، وهي من الأسباب الرئيسية وراء اشتعال حرائق لوس أنجلوس الأخيرة.

وبينما يرى بعض الخبراء أن عبارة الحرائق الشتوية قد تنطوي على تناقض لفظي، فمن غير المعتاد اشتعال النيران في موسم البرد والثلوج، لكن تحالف أزمة المناخ مع رياح الشيطان قد أدى بالفعل إلى تأجيج أسوأ حرائق الغابات في ولاية  كاليفورنيا خلال فصل الشتاء، ويتوقع العلماء إطالة واشتداد مواسم الحرائق في العديد من أجزاء العالم بسبب تغير المناخ.