البرق الساخن.. صديق الاحتباس الحراري ومشعل جحيم الغابات


محمد رمضان
الجمعة 09 يونية 2023 | 02:28 مساءً

حلقة مفرغة بات كوكب الأرض أقرب إلى الدخول فيها بشكل متكامل؛ تبدأ بالاحتباس الحراري الذي يقود إلى ارتفاع درجات الحرارة، ارتفاعاً يؤدي بدوره إلى زيادة معدلات البرق، ومن ثم اندلاع الحرائق في مختلف بقاع الكوكب. والأكثر رعباً أن بلداً واحداً هو البرازيل سجل أعلى معدل للبرق في العالم بأكثر من 225 مليون وميض عام 2021.

يؤدي ارتفاع درجات الحرارة بشكل أكبر إلى جذب المزيد من الرطوبة إلى الغلاف الجوي، مع تشجيع التيارات الصاعدة السريعة أيضاً، وهما عاملان رئيسيان لتكوين الجسيمات المشحونة التي تؤدي إلى حدوث صواعق البرق أو الوميض.

تحليل بيانات الأقمار الصناعية يتحدث عن البرق الساخن، أو تلك الضربات التي توجه الشحنات الكهربائية لفترة طويلة قد تؤدي إلى اشتعال النيران في المناظر الطبيعية أكثر من الومضات السريعة الزوال؛ فكل درجة مئوية من الاحترار يمكن أن تصبح محفزاً للبرق بنسبة 10%.

مخاوف العلماء حاليّاً تقف أمام توقعات وتحذيرات من ارتفاع معدل وميض البرق إلى نحو أربع ومضات في الثانية بحلول عام 2090، وهو ارتفاع يفوق الرقم المسجل عام 2011 البالغ ثلاث ومضات في الثانية، وهو أمر خطير، كما يحذر الفيزيائي فرانسيسكو خافيير بيريز إينفيرنون من معهد الفيزياء الفلكية في غرناطة بإسبانيا، قائلاً: "سيكون هناك المزيد من مخاطر حرائق الغابات التي تُشعلها الصواعق".

البرق الجاف

الأمر الأكثر صدمةً أن من بين جميع قوى الطبيعة، يُسبب البرق معظم الحرائق، من خلال الصواعق أو الومضات التي تلامس الأشجار وسط هطول أمطار قليلة أو معدومة، وهو ما يُعرَف باسم البرق الجاف، الذي صنَّفه العلماء سبباً في أكثر حرائق الغابات تدميراً خلال السنوات الأخيرة، مثل حرائق عام 2020 بكاليفورنيا.

يُسبب البرق معظم الحرائق من خلال الصواعق أو الومضات التي تلامس الأشجار وسط هطول أمطار قليلة أو معدومة وهو ما يعرف باسم البرق الجاف الذي صنفه العلماء سبباً في أكثر حرائق الغابات تدميراً خلال السنوات الأخيرة

الأكثر خطورةً من ظروف البرق الجاف التي يمكن أن تؤدي إلى إشعال النيران، ما اقترحته الملاحظات الميدانية والتجارب المعملية حول البرق الساخن أو الطويل، باعتباره الشكل الأكثر ديمومةً، وقد يكون قابلاً للاشتعال بشكل خاص؛ حيث تقوم هذه الضربات بتوجيه الشحنات لأكثر من 40 مللي ثانية، ويستمر بعضها أكثر من ثلث ثانية، وهي المدة النموذجية لطرفة عين الإنسان.

يقول الباحث بمعهد الفيزياء الفلكية في غرناطة: "يمكن لهذا النوع من البرق أن ينقل كمية هائلة من التفريغ الكهربائي من السحب إلى الأرض أو إلى الغطاء النباتي"، موضحاً أن ميل البرق الساخن إلى النار مماثل لإضاءة الشمعة؛ فكلما زاد تعرض الفتيل أو الغطاء النباتي للطاقة الحارقة كان من الأسهل تأجيجها.

كثَّف "بيريز" وزملاؤه دراساتهم على العلاقة بين البرق الساخن وحرائق الغابات في الولايات المتحدة، باستخدام بيانات البرق التي تم جمعها بواسطة قمر صناعي للطقس، وبيانات حرائق الغابات منذ عام 1992 إلى عام 2018؛ حيث وجدوا أن البرق الحالي المستمر لفترة طويلة يمكن أن يكون قد تسبب في ما يصل إلى 90% من نحو 5600 حريق شملها التحليل.

ونظراً إلى أن أقل من 10% من جميع ضربات الصواعق خلال فصل الصيف في غرب الولايات المتحدة لها تيار مستمر طويل، فقد قاد هذا الأمر الباحثين إلى استنتاج أن ومضات البرق الساخن كانت أكثر تسبباً في إشعال النار.

زيادة ومضات البرق

كما حقق الباحثون في تداعيات تغير المناخ؛ إذ أجروا محاكاة حاسوبية للنشاط العالمي للبرق خلال الفترة من 2009 إلى 2011 ومن الفترة المتوقعة بين عامي 2090 و2095، في ظل سيناريو مستقبلي تبلغ فيه انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ذروتها في عام 2080 ثم تنخفض.

هنا توصل الفريق إلى أنه في الفترة المستقبلية – أي في أواخر القرن الحالي – قد يؤدي تغير المناخ إلى تعزيز التيار الصاعد داخل العواصف الرعدية؛ ما يتسبب في زيادة ومضات البرق الساخنة في التردد إلى نحو 4 ضربات في الثانية على مستوى العالم، بزيادة نحو 40% عن عام 2011.

بعد حساب التغيرات في هطول الأمطار والرطوبة ودرجة الحرارة، توقع الباحثون أن مخاطر حرائق الغابات ستزداد كثيراً في جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا وأستراليا، وسترتفع المخاطر بدرجة كبيرة في أمريكا الشمالية وأوروبا. ومع ذلك، قد تنخفض المخاطر في العديد من المناطق القطبية؛ حيث من المتوقع أن يزداد هطول الأمطار، بينما تظل معدلات البرق الساخن ثابتة.

يحتاج العلماء حاليّاً إلى مزيد من البيانات لتحسين توقعات معدلات حرائق الغابات التي يسببها البرق؛ ليس فقط في المناطق القطبية، بل أيضًا في إفريقيا؛ حيث تنتشر الحرائق

لكن العلماء يتوافقون على أن المزيد من البيانات ستساعد في تحسين توقعات معدلات حرائق الغابات التي يسببها البرق؛ ليس فقط في المناطق القطبية، بل أيضًا في إفريقيا؛ حيث تنتشر الحرائق، ولكن لا توجد تقارير عن أسبابها الرئيسية.

الصواعق العربية

تظل مناطق جنوب السودان، إضافة إلى مرتفعات اليمن، وجنوب غرب السعودية، أكثر المناطق العربية تعرضاً للبروق والصواعق؛ إذ يتعرض الكيلومتر المربع الواحد من هذه المناطق لما يقارب 50 صاعقة كهربائية أو ومضة نتيجةً لتأثير سحب ممطرة.

وتأتي سواحل بلاد الشام، والمغرب العربي، ومرتفعات أطلس، ومرتفعات الحجر بين عمان والإمارات، في المرتبة الثانية؛ حيث يتلقى الكيلو متر المربع من بعض هذه المناطق من 10 صواعق إلى 20 صاعقة.

أما أقل المناطق العربية تعرضاً للعواصف الرعدية، فهي المناطق الصحراوية بين مصر وليبيا، وشمال غرب السودان؛ حيث لا تتساقط الأمطار في هذه المناطق إلا نادراً جدّاً، وفقاً لـarabiaweather.