يمكن أن تبدو عناوين المناخ التي نراها كل يوم مخيفةً؛ من درجات الحرارة القياسية إلى الكوارث الطبيعية المدمرة الناجمة عن نظام بيئي مرهق، حيث بات شبه مؤكداً أن 2024 هو العام الأكثر دفئاً على الإطلاق متخطياً السنة الماضية.
وفي ظل كل هذه المخاوف المناخية قد يكون من الصعب أن تشعر بالتفاؤل بشأن مستقبل الكوكب، بيد أن هذا العام شهد أيضاً تحقيق بعض الإنجازات التي تصب في مصلحة الطبيعة، على أمل أن يستطيع الإنسان يوماً ما أن يوقف الأنشطة البشرية الضارة، التي تعكر حالة السلم بين الكوكب وقاطنيه من البشر.
وفي هذا المقال، تسلط جرين بالعربي الضوء على بعض هذه الخطوات والأخبار الإيجابية حول قضايا البيئة وتغير المناخ في عام 2024.
عودة رئة العالم إلى الحياة
غابات الأمازون، أو الرئة التي يتنفس بها كوكب الأرض، تلك المساحة الخضراء التي تحوي حوالي 400 مليار شجرة تُولِّد أكثر من 20% من الأكسجين في الغلاف الجوي، وتعمل بمثابة بالوعات كربون عملاقة، تعد من أكثر المناطق تنوعاً بيولوجياً بالأرض، حيث تحتضن العديد من الشعوب الأصلية، أصحاب النضال البيئي المستمر للحفاظ على الطبيعة، لكن كل هذا كان مهدداً بسبب ازالة الغابات وقطع الأشجار وتدمير آلاف الكيلومترات من الغابات المطيرة.
هذا العام شهد -وفقاً لبيانات المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء- تراجعاً حاداً وملحوظاً في معدل إزالة غابات الأمازون، لم يحدث على مدار عقد من الزمن تقريباً، بنسبة وصلت إلى 30% خلال الأشهر الماضية، وهو أدنى مستوى يصل إليه معدل إزالة غابات الأمازون البرازيلية خلال 9 سنوات.
ويأتي هذا الانخفاض الإيجابي بعد حوالي سنتين من الولاية الجديدة للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، وتعهده بالقضاء على إزالة الغابات بحلول 2030 ومواجهة قطع الأشجار غير القانوني.
استعادة الحياة البرية
استطاعت مبادرات الحفاظ على التنوع الأحيائي خلال عام 2024، وتحقيق نتائج إيجابية تساعد بفاعلية على إبطاء فقدان التنوع البيولوجي والخسائر الناتجة عنه.
تشتهر سهول آسيا الوسطى بظبي "سايغا"، هذا الحيوان ذو الأنف الكبير والحوافر القوية، الذي كان على حافة الانقراض بسبب الأمراض والصيد الجائر، إذ وصل عدده إلى 20 ألفاً فقط عام 2003، لكن "Altyn Dala Conservation Initiative"، وهي مبادرة بيئية أُطلقت في كازاخستان مع شركاء محليين ومنظمات دولية، تهدف إلى الحفاظ على الحياة البرية والتنوع البيولوجي، نجحت في إنقاذ ظباء "السايغا" المهددة بالانقراض.
وبات اليوم يعيش نحو 2.86 مليون من الظباء في السهوب الآسيوية، وأعلن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) إلى ترقية وضعه من حيوان مهدد بالانقراض "بشكل حرج" إلى وضعية "شبه مهدد" بالانقراض.
وفي العالم العربي، أعلنت محافظة العلا السعودية عن 5 ولادات للنمور العربية المهددة بالانقراض خلال هذا الصيف، بمركز إكثار النمر العربي التابع للهيئة الملكية لمحافظة العلا، منها ولادة مجموعةٌ نادرة من التوائم الثلاثية للنمر العربي في إطار برنامج حماية الحيوانات من الانقراض وإعادة توطينها.
يمثل النمر العربي رمزاً للحياة البرية والهوية الوطنية في العالم العربي، ولكنه يعتبر الحيوان الأكثر تهديداً بالانقراض في الجزيرة العربية، بعد أن أصبح عدده حوالي 120 نمراً فقط في البرية، وتم تصَنيفه من قبل الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) كأحد الأنواع المهددة بالانقراض بشكلٍ بالغ منذ منتصف التسعينيات.
تسعى المملكة العربية السعودية من خلال صندوق العلا (المعني بتأهيل النظم البيئية) إلى الحفاظ على سلالة النمر العربي من الانقراض وزيادة أعداده.
هذه المبادرات العالمية والعربية من أجل حماية الموائل وضمان أفضل فرص التعافي للكائنات الحية تبشر بمستقبل واعد للأنواع المهددة بالانقراض والتنوع الأحيائي نستطيع أن نرى أصداءه خلال 2024.
نهاية عصر الفحم في المملكة المتحدة
في شهر سبتمبر الماضي أغلقت بريطانيا "Ratcliffe-on-Soar Power" آخر محطة لتوليد الطاقة تعمل بالفحم داخل المملكة، حيث أغلقت أبواب وتوربينات المحطة إلى الأبد في مدينة نوتنغهامشير، وبذلك أصبحت المملكة المتحدة أول دولة من مجموعة الدول السبع الكبرى تتخلص تماماً من الكهرباء المولدة بالفحم.
وهي تعتبر لحظة رمزية في تاريخ البشرية التي تعاني من استخدام الوقود الأحفوري، لأن المملكة المتحدة تعد أول دولة بالعالم استخدمت الفحم لتوليد الطاقة خلال الثورة الصناعية، وبهذه الخطوة أنهت المملكة عصر الفحم واعتمادها عليه لمدة تقارب قرناً ونصف من الزمن، وربما في المستقبل ينتهي ملف الوقود الأحفوري تماماً مع القضاء على الانبعاثات الكربونية الناتجة عنه.
زيادة معدلات الطاقة الخضراء
حقق سوق الطاقة المتجددة نمواً كبيراً خلال عام 2024 في شتى أرجاء العالم، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية "IEA" زيادة سعة الطاقة النظيفة عالمياً بمقدار 2.7 مرة بحلول عام 2030، متجاوزةً بذلك طموحات البلدان الحالية بنحو 25%.
وقد لعبت سياسات المناخ والأمن الطاقي، التي طبقتها نحو 140 دولة هذا العام دوراً حاسماً في جعل الطاقة المتجددة قادرةً على المنافسة من حيث التكلفة مع محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري، مع تشجيع التصنيع المحلي للألواح الشمسية وتوربينات الرياح، حسب أحدث تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية حول الطاقة المتجددة 2024.
بجانب نمو الاستثمار في تكنولوجيا صناعة السيارات الكهربائية وزيادة المبيعات عام 2024، وعلى سبيل المثال تجاوز عدد السيارات الكهربائية عدد المركبات التي تعمل بالبنزين والديزل على طرق دولة النرويج خلال 2024، ما يمهد الطريق لدول أخرى لتحذو نفس النهج، إذ يعد ازدياد عدد المركبات الكهربائية علامة على تحسن جودة الهواء في جميع أنحاء العالم.
التصدي للموضة السريعة
ازداد عام 2024 وعياً بأثر صناعة الأزياء، وخاصةً الأزياء السريعة، على البيئة، بسبب استهلاكها الكبير للطاقة والموارد، وانتشار ظروف العمل غير العادلة في تصنيعها، حيث اتخذت ولاية كاليفورنيا الامريكية خطوة رائدة في التعامل مع نفايات الأزياء والمنسوجات هذا العام، من خلال إقرار أول قانون لإعادة تدوير الملابس في الولايات المتحدة.
يفرض هذا القانون على منتجي الملابس إنشاء برنامج لإعادة التدوير بحلول عام 2026، بهدف مكافحة الأزمة البيئية المتزايدة التي تفرضها صناعة الأزياء السريعة ونفايات المنسوجات، والتي أثقلت بشكل متزايد مكبات النفايات والنظام البيئي، ما يمثل خطوة جريئة نحو الاستدامة في الولايات المتحدة، باعتبارها إحدى أهم مراكز هذه الصناعة عالمياً.