طريقة ذكية للبناء المستدام.. نفايات الحفاضات تدعم مستقبل الإسكان

بينما ترمي حفاض طفلك المستهلك في سلة المهملات التي تُحكِم غلقها سريعاً تجنباً للرائحة الكريهة، هناك من يخطط للحصول على تلك القطعة أملاً في جني الأموال من ورائها.. فكيف يحدث ذلك؟

القطعة التي تخلَّصت منها واحدة من بين أكثر من 250 مليون حفاض يصل إلى مكبات النفايات يومياً؛ ما يخلق أزمة جديدة؛ لاحتوائها على مواد بلاستيكية تضر بالبيئة، لكن الحل قد يثير استغرابك بشدة؛ هو قطاع البناء المستدام.

حتى يتمكن العالم من إنتاج حفاضات أكثر ملاءمةً للمعايير البيئية على نطاق واسع، كان على العلماء البحث عن وسائل للتخلص الآمن من كل هذه الكمية من المخلفات، في وقت يحتاج فيه الطفل الواحد إلى ما يصل إلى 6 آلاف حفاض حتى تنجح محاولات تدريبه على خلعها، لكن رحلة البحث قادتهم إلى قطاع البناء للتخلص المستدام من هذه المخلفات التي لا غنى عنها.

من الهام أن نعثر على مواد بناء مستدامة، ومنخفضة التكلفة لوقف الإضرار بالبيئة، ولتوفير منازل مقبولة السعر؛ ولذلك ابتكر الباحثون مادة بناء مركبة عبر استبدال الحفاضات المستعملة التي لا تتحلل نفاياتها مكانَ الرمال الموجودة في الخرسانة والملاط "المونة".

يعد الوصول إلى السكن الملائم ذي السعر المناسب أحد الحقوق الأساسية للإنسان، لكنه يمثل أزمة متصاعدة، لا سيما في كثير من الدول المنخفضة الدخل التي لا يتناسب فيها حجم الطلب مع الإمدادات.

وغالباً ما تكون مواد البناء هي العنصر الأعلى تكلفةً في عملية تشييد المنازل، بنسبة تصل إلى 80% من إجمالي التكاليف، ولا زالت "الخرسانة" ذات البصمة الكربونية المرتفعة هي الأساس في عمليات البناء باختلاف أنواعه، رغم عمليات الدراسة التي شملت مكونات أخرى، مثل الألياف الطبيعية، والمواد الترابية، ومخلفات المباني الصناعية.

حتل إندونيسيا المركز السادس عالمياً في قائمة استهلاك الحفاضات ذات الاستخدام الواحد، التي ينتهي الكثير منها في الأنهار والمجاري المائية

حفاضات إندونيسيا وأزمة السكن

الأكثر قراءة

علماء جامعة كيتاكيوشو اليابانية بحثوا عن طريقة لتقليل تكلفة إنتاج الخرسانة، وجعلها أكثر ملاءمةً للمعايير البيئية، مع الإبقاء على مزاياها، وفقاً لموقع New Atlas.

الدراسة ركزت على إندونيسيا التي تعاني من أزمة في ارتفاع كميات النفايات؛ إذ رغب الباحثون في معالجة أزمة نمو السكان المتزايد في الدولة الآسيوية، المصحوبة بزيادة الطلب على الإسكان المنخفض، وزيادة حجم المخلفات التي ارتفعت من 29.21 مليون طن في عام 2019 إلى 32.76 مليون طن في 2020.

تحتل إندونيسيا المركز السادس عالمياً في قائمة استهلاك الحفاضات ذات الاستخدام الواحد، التي ينتهي الكثير منها في الأنهار والمجاري المائية؛ ما يؤدي إلى تلوثها بالمواد الكيميائية وبجزيئات البلاستيك التي تحتوي عليها، وفقاً لمؤسسة Maritime Fairtrade.

واكتشف الباحثون إمكانية استبدال 10% من الرمال المستخدمة في الخرسانة اللازمة لبناء أعمدة المنزل المكون من 3 طوابق، وترتفع النسبة إلى 27% عند بناء منزل بطابق واحد

إعادة تدوير الحفاضات

استخدم الباحثون الحفاضات بعد غسلها وتجفيفها وتقطيعها إلى أجزاء في إعداد عينات من الخرسانة و"المونة" عن طريق خلطها بالأسمنت والرمال والحصى والمياه، قبل أن تبدأ عملية المعالجة لمدة 28 يوماً، التي يطلق عليها "الإيناع".

وتشمل عملية المعالجة، الحفاظ على درجة رطوبة كافية للخرسانة ضمن مدى حراري يساعد على رطوبة الأسمنت، علاوة على التفاعل بين الأسمنت والمياه الذي يزيد قوةَ الخرسانة ومتانتها.

جرى اختبار نماذج من الخليط الذي جرى إعداده بنسب مختلفة من مخلفات الحفاضات لمعرفة أقصى درجات الضغط التي يمكن تحملها، ثم حساب أقصى كمية من الرمال يمكن استخدامها لبناء منزل مساحته 36 متراً مربعاً ليكون بناءً آمناً.

واكتشف الباحثون إمكانية استبدال 10% من الرمال المستخدمة في الخرسانة اللازمة لبناء أعمدة المنزل المكون من 3 طوابق، وترتفع النسبة إلى 27% عند بناء منزل بطابق واحد.

أما فيما يخص "المونة" المستخدمة في تقسيم الحوائط، فتمكَّن الباحثون من استبدال نفايات الحفاضات بما يصل إلى 40% من الرمال. أما الأرضيات ورصف الحدائق فاقتصرت النسبة بها على 9%، واكتشفوا أن تخطي تلك النسب سيجعل من الخرسانة غير صالحة للاستخدام.

ووفقاً للدراسة، تصل النسبة الإجمالية التي يمكن استبدال الحفاضات بها إلى 8% في كل من الخرسانة والملاط لبناء منزل من طابق واحد، وهو ما يعادل 1.7 متر مكعب من النفايات.

وأشار فريق الدراسة إلى أن النتائج خلصت إلى أن أثر استخدام الحفاضات المستعملة في تقليل قوة الخرسانة ليس كبيراً، وأثبتت أن استخدام الحفاضات في إنتاج مواد مركبة أمر قابل التنفيذ، لا سيما فيما يتعلق بتطوير مواد صديقة للبيئة وذات تكلفة معقولة.

ويعتقد الباحثون أن الخرسانة المصنوعة بتلك الطريقة لها تطبيقات واسعة أخرى بعيداً عن قطاع الإسكان في إندونيسيا؛ فتلك الحفاضات تحتل المركز الثالث عالمياً بين المخلفات التي تنتهي في المكبات؛ إذ يتخلص العالم سنويّاً من أكثر من 18 مليار حفاض.

وفيما يتعلق بالمميزات الاجتماعية والاقتصادية، فإنه يمكن تطوير تلك المواد بأنواع مختلفة من التكنولوجيا، سواء المحدودة أو المتطورة، كما أن الخطوات سهلة التطبيق ومنخفضة التكلفة.

أما المعوقات الحالية أمام استخدام تلك النفايات في مواد البناء، فتبدأ من التعامل مع مرافق معالجة المخلفات من أجل جمع الحفاضات من المنازل وتعقيمها، والحاجة إلى الاستعانة بآلات قطع الحفاضات على نطاق واسع.