يتزامن انعقاد الدورة الـ16 لمؤتمر الأطراف، والذي تستضيفه المملكة العربية السعودية حتى يوم 13 ديسمبر الجاري، مع الذكرى الثلاثين لتأسيس اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، ما يجعل قمة الرياض أكبر مؤتمر دولي تنظمه الأمم المتحدة بشأن قضايا الأرض والمياه.
ومن أجل وضع أجندة طموحة لإعادة تأهيل الأراضي ومقاومة الجفاف، شهد "Cop 16 " إصدار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر أول تقرير بشأن تقييم الاحتياجات المالية للاتفاقية.
ويوضح التقرير أحدث متطلبات التمويل لمعالجة تدهور الأراضي ومكافحة الجفاف، مع المقارنة بين الموارد المالية اللازم توافرها لتنفيذ الاتفاقية بشكل فعال من جهة، والموارد والاستثمارات الموجودة فعلياً على أرض الواقع من جهة أخرى، وتحديد الفجوات بين المسارين وتوفير الحلول المالية لسد الفجوة وتأمين التمويل اللازم.
أزمة التصحر والجفاف
وصلت نسبة الأراضي المتدهورة حول العالم إلى 40%، مما يؤثر على حياة أكثر من 3.2 مليار شخص، وتتحمل المجتمعات الأكثر ضعفاً مثل الشعوب الأصلية، والأسر الريفية، وصغار المزارعين، وعلى وجه الخصوص فئات الشباب والنساء، العبء الأكبر نتيجة هذا التدهور، ويزداد الوضع سوءاً مع زيادة حدة وتواتر موجات الجفاف، التي من المتوقع أن يتأثر بها 3 من كل 4 أشخاص حول العالم بحلول عام 2050.
ورغم تفاقم الأزمة يكشف أحدث تقرير تم إطلاقه في قمة الرياض، بعنوان: "تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر" عن حقيقة واضحة، وهي أن الاستثمارات العالمية اللازمة لتحقيق أهداف استعادة الأراضي ومواجهة الجفاف تُعاني من عجز سنوي يقدر بـ278 مليار دولار.
أبرز نتائج التقرير
وجود فجوات كبيرة في التمويل
تبلغ الاستثمارات العالمية الحالية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي 77 مليار دولار سنوياً، بينما تقدر الاستثمارات السنوية المطلوبة فعلياً بنحو 355 مليار دولار سنوياً بين عامي 2025 و2030، أي أن هناك فجوة كبيرة أو عجز يبلغ 278 مليار دولار يجب سده سنوياً لتحقيق أهداف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
وبحسب جدول الاستثمارات التراكمية المطلوبة في إطار الاتفاقية الأممية، فإن الاستثمارات التي يتعين تحقيقها منذ عام 2016 حتى 2030؛ لاستعادة الأراضي المتدهورة والصمود في مواجهة التأثيرات المتصاعدة للجفاف تعادل 2.6 تريليون دولار.
وحتى الآن، لم يتم تنفيذ سوى 18% فقط من هذه الاستثمارات، أو ما يقدر بحوالي 479 مليار دولار، وبالتالي يحتاج العالم إلى إتمام 82% من الاستثمارات المطلوبة خلال الـ6 سنوات المقبلة، وهذا يعني ضرورة توفير مليار دولار يومياً بين عامي 2025 و2030 لمكافحة التصحر وتأمين سبل عيش مليارات البشر وحماية التنوع البيولوجي.
الخسائر تتجاوز الاستثمارات المطلوبة
يكبّد التصحر وتدهور الأراضي والجفاف الاقتصاد العالمي خسائر تبلغ نحو 878 مليار دولار سنوياً، ويشير التقرير الأممي إلى أن هذا الرقم يتجاوز ضعف حجم الاستثمارات اللازمة للتصدي لهذه التحديات، والمقدر بـ355 مليار دولار سنوياً.
وترتبط غالبية هذه الخسائر بأضرار الجفاف، حيث تقدر التكلفة السنوية لموجات الجفاف العالمية بـ308 مليارات دولار، أي ما يعادل 35% من إجمالي الخسائر، حيث يؤثر الجفاف بشدة على موارد المياه والزراعة والأمن الغذائي.
ويوضح التقرير أن اتجاهات خسائر التصحر وتدهور الأراضي والجفاف تسلط الضوء على التأثيرات الاقتصادية والعواقب المحتملة، ولكنها لا تأخذ في الاعتبار التكاليف غير المباشرة، على سبيل المثال، العواصف الغبارية وترسب التربة المتآكلة في الخزانات، والذي يمكن أن يقلل من سعة تخزين المياه، ويتلف المعدات، ويزيد من تكاليف صيانة السدود، وتقدر تكاليف الترسيب العالمية بنحو 18 مليار دولار سنوياً.
كما تشمل الخسائر غير المباشرة للتصحر والجفاف ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والفقر الريفي، وسوء التغذية، بجانب التأثيرات الصحية من زيادة الأمراض المنقولة بالغذاء والمياه، وأمراض الجهاز التنفسي الناجمة عن الغبار، وانتشار الأمراض المعدية، بالإضافة إلى التأثيرات الاجتماعية، والهجرة القسرية، والصراعات على الموارد الطبيعية.
مكاسب مرتفعة من الاستثمار في استصلاح الأراضي
رغم أن المخاطر والخسائر كبيرة، لكن العائدات كبيرة أيضاً، فمن المتوقع أن ينتج عن إعادة تأهيل أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة تدفقاً اقتصادياً كبيراً، تُقدّر عوائده السنوية بحوالي 1.8 تريليون دولار، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة.
ويأتي العائد الأكثر أهمية من تحسين جودة خدمات النظم البيئية، والذي يساهم بمبلغ 992 مليار دولار سنوياً، وهو ما يمثل 53% من إجمالي المكاسب، وفي المرتبة الثانية عائدات تخفيف الأضرار المرتبطة بأزمة الكربون، والتي تقدر بقيمة 720 مليار دولار، وتشكل 39% من إجمالي الفوائد الاقتصادية.
ومن الفوائد الرئيسية تجنب الأضرار المرتبطة بالجفاف، والتي تمثل نحو 106 مليارات دولار سنوياً، أي 6% من الإجمالي، وأخيرًا، عوائد زيادة الإنتاجية الزراعية والتي تبلغ 31 مليار دولار سنوياً أو 2% من الإجمالي.
وعلى الرغم من أن عائدات زيادة الإنتاج الزراعي تمثل أقل الفوائد الاقتصادية، إلا أنها تعكس نتيجة إيجابية لاستثمارات التصحر وتدهور الأراضي ومكافحة الجفاف.
ويؤكد التقرير الأممي على الجدوى القوية لمثل هذه الاستثمارات من وجهة نظر اجتماعية، لأن كل دولار يُستثمر في استعادة الأراضي ومقاومة الجفاف، من المتوقع أن يُدر عائداً اجتماعياً قدره 8 دولارات، كما أن الاستثمار الاستباقي في التخفيف من آثار التصحر والجفاف يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تعويض وتقليل الخسائر الباهظة التي يدفعها العالم سنوياً بسبب تفاقم هذه الأزمات والتقاعس عن مواجهتها.
ويُظهر تقرير "تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر" وجود حاجة ملحة إلى الاستثمار في استصلاح الأراضي ومقاومة الجفاف وتوفير التمويل لتحقيق فوائد شاملة؛ لذا يدعو "كوب الرياض" المجتمع الدولي من أجل العمل على إيجاد حلول مالية مبتكرة وفعالة، مع توسيع نطاق الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز التجارب المحلية بهدف توفير الدعم المطلوب وخلق مستقبل أكثر استدامة ومرونة للجميع.