يعقد مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16) للمرة الأولى في العالم العربي، ما يبرز أهميته خاصةً مع تزايد خطر تدهور الأراضي، حيث من المتوقع أن يحظى ملف التصحر العربي بأولوية في قمة الرياض، التي تهدف لبناء تعاون دولي جديد لمواجهة التصحر والجفاف.
تمثل أزمة تدهور الأراضي تحدياً صعباً يفرض ضغوطاً بيئية متعددة، تلقي بظلالها على الاستدامة والأمن الغذائي وسبل العيش في كل أنحاء العالم، خاصةً في المناطق الجافة وشبه الجافة مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تدهور الأراضي في المنطقة العربية
تبلغ مساحة العالم العربي 13.5 مليون كيلومتر مربع (10% من مساحة اليابسة عالمياً)، متنوعة بيئياً بين صحارٍ وجبالٍ وسواحلٍ وأراضٍ رطبة وجافة وغابات، إلا أنه يُعَدّ من أكثر المناطق البيئية هشاشةً بسبب شح المياه والتصحر وتغير المناخ.
تغطي المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة حوالي 90 % من المنطقة العربية، والتي تتميز بموارد طبيعية محدودة، خاصةً الأراضي الصالحة للزراعة والتي تأثرت 73% من مساحتها بتدهور الأراضي، حسب تقرير لجنة الإسكوا، التابعة للأمم المتحدة.
وارتفعت نسبة الأراضي المتدهورة من 40 إلى 70% في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدى العقدين الماضيين، حيث شهدت بلدان العراق والأردن ولبنان وسوريا وفلسطين أكبر نسبة تدهور في الأراضي، وتُقدر التكلفة الاقتصادية لتدهور الأراضي في المنطقة بنحو 9 مليارات دولار سنوياً.
وقد نشر "الأطلس العالمي للتصحر" عدة خرائط للعالم منذ عام 1951 حتى نهاية القرن الحالي، توضح اتساع رقعة الأراضي الجافة بالعالم، ويمكن رؤية اللون الأحمر، الذي يمثل ارتفاع نسبة تدهور الأراضي، يتزايد داخل العالم العربي.
خريطة تدهور الأراضي من 1951 حتى 1980
التحديات الرئيسية
تواجه المنطقة العربية تحديات كبيرة بسبب تدهور الأراضي، منها: انكماش مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، وانخفاض الإنتاجية، وتفاقم أزمة ندرة المياه، بجانب المخاطر البيئية مثل العواصف الغبارية وتدهور جودة المياه والاستخدام غير المستدام لموارد المياه.
أسباب تدهور الأراضي العربية
حسب تقرير لجنة "الإسكوا"، التابعة للأمم المتحدة، تدفع العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبشرية والطبيعية والسياسية في المنطقة العربية قضية تدهور الأراضي إلى مستويات مثيرة للقلق؛ وإن كانت العوامل البشرية أسرع نسبياً في النمو، ولكن يبقى تأثيرها أقل مقارنةً بالعوامل الطبيعية، والتي تتمثل في الموقع الجغرافي والإقليم المناخي.
العوامل الطبيعية
تتوزع مساحة العالم العربي بين آسيا وإفريقيا، القارتان الأكثر تضرراً من أزمة تدهور الأراضي، وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من النقاط الساخنة للتصحر، وفقاً لتقرير نشره موقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC.
كما يشغل الإقليم المناخي الصحراوي الجزء الأكبر من مساحة الدول العربية، ويتميز بارتفاع شديد في درجات الحرارة خلال أشهر الصيف والجفاف شبه التام مع عدم انتظام سقوط الأمطار، ما يساهم في زيادة جفاف الأراضي.
العوامل الاجتماعية والاقتصادية
النمو السكاني
الزيادة السريعة في عدد السكان بالعالم العربي تعد من أعلى المعدلات في العالم، حيث تضاعف عدد السكان بين عامي 1990 و2021، وتتصدر مصر والجزائر والسودان والعراق والمغرب والمملكة العربية السعودية واليمن، قائمة الأكثر تعداداً للسكان.
الفقر
انخفاض مستوى المعيشة يؤدي إلى استغلال الموارد والاستخدام غير المستدام للأراضي وانتشار الممارسات البيئية الضارة، ويضرب الاستقرار الاجتماعي بسبب زيادة الهجرة الداخلية والخارجية بنحو 40%.
تزيد هذه العوامل الاجتماعية والاقتصادية من استهلاك موارد المنطقة بما في ذلك التربة والمياه وتفاقم أزمة الأمن الغذائي
تغير المناخ
من المتوقع انخفاض متوسط هطول الأمطار السنوية بنسبة 10% في السنوات الـ50 المقبلة، خاصةً في شمال إفريقيا، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الموارد الطبيعية والإفراط في استخدام المياه السطحية والجوفية، وجفاف التربة، حيث يشكل تغير المناخ عاملاً مهماً في تسريع عملية تدهور الأراضي
التلوث
يعد تلوث موارد المياه والأراضي الصالحة للزراعة قضية مهمة تواجه المنطقة العربية، وتنذر بالخطر بسبب الإدارة المحدودة للنفايات الصلبة ومياه الصرف الصحي، إلى جانب سوء إدارة القطاعين الصناعي والزراعي، خاصةً في الجزائر وجيبوتي ومصر والعراق والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وفلسطين وتونس.
ديناميكيات الأرض
مع تعاظم تأثيرات عوامل التجوية؛ أو تفتت وتحلل التربة بواسطة العوامل الجوية، ازداد تواتر وكثافة العواصف الرملية والترابية عبر الحدود في جميع أنحاء المنطقة العربية، حيث تتعرض 60% من موارد التربة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للتآكل بفعل الرياح والعواصف خاصةً في السودان، والمملكة العربية السعودية، وليبيا، وإيران، والجزائر، اليمن، وتونس، وسوريا، والعراق، والأردن، ومصر.
بجانب ذلك، تتعرض التربة إلى التآكل المائي أو فقدان الطبقة السطحية الخصبة وتراكم الترسبات داخل السدود والبحيرات والأنهار والموانئ، كما يحدث في السودان، واليمن، والجزائر، وتونس، والمغرب، وعمان، وليبيا، وسوريا، والعراق.
كل العوامل السابقة تفرض ضغوطاً على الموارد المحدودة من الأراضي والمياه بالعالم العربي، إضافةً إلى أنماط الحياة المتغيرة، التي تسفر عن زيادة الاستهلاك والطلب على الغذاء، تُسرّع تدهور الأراضي الزراعية وانخفاض إنتاجيتها، وتتفاقم هذه التحديات بسبب الاضطرابات السياسية في بعض المناطق وزيادة الأنشطة غير القانونية مثل الاحتطاب.
قمة الرياض وحلول الأزمة
يمثل "كوب 16" فرصة مهمة للتعاون العربي لمواجهة التحديات البيئية والمناخية التي تتعرض لها المنطقة، وفي مقدمتها قضية تدهور الأراضي والجفاف، من خلال دعم الشراكات الدولية والعربية وتبادل الخبرات والمعارف بين الدول المتقدمة والنامية، وتوظيف التكنولوجيا والتقنيات الحديثة لابتكار حلول مستدامة تخفف من آثار التصحر.
وتعرض "قمة الرياض" -للمرة الأولى- في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، "المنطقة الخضراء" كمنصة لعرض حلول مبتكرة ومبادرات محلية وإقليمية، وفرص اقتصادية لمكافحة تدهور الأراضي، بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية، وعرض التجارب وبرامج التوعية والتكيف الدولية والعربية.
ومن المتوقع أن تتخذ البلدان العالمية والعربية خلال فعاليات "Cop 16" إجراءات جماعية تعمل على تسريع استعادة الأراضي المتدهورة، وتشجيع التعاون العالمي، وتعزيز دور المجتمعات المحلية، واستغلال التكنولوجيا الحديثة، والدعوة الى إدارة الأراضي بشكل مستدام، ومعالجة قضية التصحر والجفاف بما يتناسب مع خصوصية كل إقليم بالعالم ومنها المنطقة العربية، من أجل ضمان بيئة صحية ومستدامة للجميع.