بمجرد أن تستفيق من نومك، يبحث عقلك عن شيء واحد؛ هو مشروبك الصباحي المُحلَّى ذو المكوِّن الحاضر في كل رشفة تلتقطها شفتاك؛ إنه السكر.. العنصر الدائم المشاركة في أغلب وجباتنا، الذي يمثل تناولُه عبئاً على صحة الإنسان، ويمثل إنتاجه ضرراً كبيراً على البيئة.
ليس من السهل الامتناع كليّاً عن تناول السكر في حياة البشر اليوم، لكن على أقل تقدير هل يمكنك الاستغناء عن ملعقة أو مكعب من السكر؟
من الصادم معرفة أن مثل هذا الاستغناء أصبح ضرورةً صحيةً وبيئيةً على حد سواء؛ لأن إنتاج السكر له تأثير بالغ الضرر على البيئة بعدة طرق؛ لذا فإن تقليل الاستهلاك خطوة كبيرة نحو الاستدامة.
يُمثِّل قصب السكر نحو 80٪ من إنتاج السكر العالمي؛ حيث تُنتج نحو 110 دول السكر من أيٍّ من قصب السكر أو البنجر
البرازيل سر السكر
السكر صناعة رئيسية لها تأثيرات كبيرة على البيئة العالمية ناتجة عن الزراعة والحصاد والتكرير والتوزيع.
البرازيل المنتج الأكبر لقصب السكر في العالم وتُصدِّر نحو 28 مليون طن من السكر سنويّاً.
وجدت دراسة حديثة أجراها الصندوق العالمي للطبيعة في البرازيل، أن متوسط إنتاجية مزارع قصب السكر المعتمدة من منظمة تشجيع زراعة القصب "بونسوكرو" في البلاد، كانت أعلى بنسبة 15٪ من المتوسط الوطني.
ويغطي قصب السكر 65 مليون فدان من الأراضي في جميع أنحاء العالم، وتستخدم 12 دولة ما لا يقل عن 25٪ من أراضيها الخصبة لزراعته. وتُستخدَم النبتة الخضراء المتساقطة لإنتاج الكثير من السكر، ولكن لا يوجد وعي يُذكَر بتأثيرها على البيئة.
يُمثِّل قصب السكر نحو 80٪ من إنتاج السكر العالمي؛ حيث تُنتج نحو 110 دول السكر من أيٍّ من قصب السكر أو البنجر.
وعلى سبيل المثال، فإن الفترة من سبتمبر حتى أكتوبر 2019، استحوذت على أكبر 10 دول منتجة – وهي الهند والبرازيل وتايلاند والصين والولايات المتحدة والمكسيك وروسيا وباكستان وفرنسا وأستراليا – على ما يقرب من 70% من الإنتاج العالمي، مع استهلاك أكثر من 170 مليون طن سنويّاً بحسب منظمة السكر الدولية.
يُعتبَر إنتاج السكر عملية كثيفة الاستهلاك للمياه، خاصةً قصب السكر الذي له جذور عميقة.
كيّ تُحلِّي كوباً واحداً من الشاي، عليك إهدار 9 جالونات من الماء، وفقاً لتقرير حديث لدورة حياة السكر؛ لذا فإن تصنيع 1 كجم من قصب السكر يستخدم 1110 لترات من الماء، ويؤدي إلى 0.42 كجم من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
أما سكر البنجر، فيتسبب إنتاج الكيلوجرام الواحد منه في إهدار 640 لتراً من الماء، وينبعث منه 0.85 كجم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
وتؤدي الزيادة في الطلب العالمي على السكر إلى ارتفاع استهلاك المياه، وتلوث الهواء والماء، وتدهور التربة، وتغير الموائل الطبيعية. وتشير التقديرات إلى أن 10٪ من التربة تفقد خصوبتها أثناء حصاد سكر البنجر، مقابل 3–5٪ من التربة في حصاد قصب السكر.
يمكن أن يساعد الحد من استهلاك السكر في مكافحة تغير المناخ، وفقاً لبحث جديد أجراه معهد علوم وتكنولوجيا البيئة في مصر.
وتكشف الدراسة، التي نُشِرت في مجلة Nature Sustainability، الاستخدامات البديلة لأراضي المحاصيل السكرية في الاتحاد الأوروبي.
الدراسة عدَّدت تلك البدائل في تشجير أراضي المحاصيل السكرية الحالية، وتحويل محاصيل بنجر السكر إلى إنتاج الإيثانول، وتصدير السكر الفائض إلى البرازيل؛ ما يسمح لها بمبادلة إنتاج السكر لإنتاج الإيثانول.
مع السيناريو الأول، يُقدِّر الباحثون أنه يمكن تقليل انبعاثات الكربون بمقدار 20.9–54.3 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويّاً. ويمكن مضاعفة هذا الرقم بالسيناريو الثاني ومضاعفته أربع مرات في السيناريو الثالث.
السكر يهدد الطبيعة بأكملها
أدَّت زراعة قصب السكر إلى إزالة الغابات في بعض أكثر النظم البيئية المعرضة للخطر في العالم، بما في ذلك غابة الأطلسي في البرازيل، التي كانت تغطي ذات يوم مساحة شاسعة، لكن تقلصت إلى 7٪ فقط من حجمها الأصلي.
أدى ذلك إلى إزالة الموائل الطبيعية، مثل الغابات المطيرة والأراضي الرطبة الساحلية وحشائش السافانا؛ لذا سيحتاج المزارعون إلى زراعة ما يقرب من 50٪ من الأراضي بحلول عام 2050 لتلبية الطلب العالمي المتوقع على قصب السكر.
يقول الباحثون إن الحكومات يجب أن تطبق أيضاً ضريبة عالية على السكر؛ لتشجيع الاستهلاك العام الأقل
مشاكل السكر تصل الأنهار والمحيطات
عملية صناعة السكر ليست باليسيرة؛ فهي تُخلِّف في المياه صرفاً صحيّاً، وانبعاثات ونفايات صلبة تؤثر على البيئة.
تتحلل هذه الكميات الهائلة من المواد النباتية، وحمأة الصرف الصحي التي تغسلها في المياه العذبة بالأنهار، ثم إلى مصباتها بالبحر والمحيطات، وتمتص كل الأكسجين المتاح، وتؤدي إلى نفوق أعداد كبيرة من الأسماك.
يقول الباحثون إن الحكومات يجب أن تطبق أيضاً ضريبة عالية على السكر؛ لتشجيع الاستهلاك العام الأقل، وهم يشيرون إلى المملكة المتحدة نموذجاً، التي كانت ضرائبها شائعة وفعَّالة، كما شجعت هذه السياسات منتجي الأغذية على استخدام كميات أقل من السكر.
ليس من المُستغرَب أن تستحوذ فكرة الحد من استهلاك السكر على تركيز عالمي؛ إذ إن السكر عنصر يُوجَد بقوة في غذاء البشر، وتقليلك مكعبَ سكرٍ واحداً ربما يساعد في عدم تفاقم أزمتَي البيئة والمناخ.