بينما تنعقد حالياً أكبر قمة عالمية للمناخ (COP29) في باكو عاصمة أذربيجان، حيث يناقش قادة الدول قضية تغير المناخ وتداعياتها على البشرية، تشتعل أزمة بيئية جديدة على ساحل العاصمة الأذربيجانية، مع انحسار مياه بحر قزوين وخوف الخبراء من دفعه نحو نقطة اللاعودة، إذ ستخسر الأرض حينها أكبر بحر داخلي بالكوكب.
بحر قزوين أو بحر الخَزَر
يقع بحر قزوين في غرب آسيا، و يعتبر أكبر بحيرة في العالم، تبلغ مساحته 371 ألف كيلو متر مربع، وتطل عليه 5 دول، هي: روسيا وإيران وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان.
هذه الدول الـ5 تعتمد على بحر قزوين في عدة مجالات، منها: صيد الأسماك والزراعة والسياحة والحصول على مياه الشرب، فضلاً عن حقول النفط والغاز، وهو يساعد على تنظيم مناخ هذه المنطقة القاحلة، حيث يوفر الأمطار والرطوبة لمنطقة آسيا الوسطى.
أزمة بحر قزوين
تقلصت مساحة بحر قزوين منذ منتصف التسعينيات، لكن معدل هذا التقلص تسارع بشكل كبير منذ عام 2005، ويحذر الخبراء من صعوبة تعافي "قزوين" مجدداً، حيث انخفض منسوب المياه بشكل مؤثر على مدى العقود الماضية بسبب تغير المناخ والأنشطة البشرية، وانحسرت المياه بعيداً عن المدن الساحلية، فضلاً عن تدهور حالة المياه بسبب التلوث.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث في جامعة بريمن بألمانيا، ماتياس برانج، إن مستويات مياه بحر قزوين قد انخفضت بنحو 5 أقدام، أو ما يعادل متر ونصف منذ عام 2005، مشيراً إلى انخفاض مستويات المياه بشكل أكبر وأسرع كلما ارتفعت درجة حرارة العالم.
ويوضح برانج، خلال حديثه لشبكة "سي إن إن"، أن مستوى الانخفاض يعتمد على مدى سرعة العالم في تقليل استخدام الوقود الأحفوري وظاهرة الاحتباس الحراري، متوقعاً أن يتراوح مستوى انخفاض الماء من 26 إلى 59 قدماً، أو ما يعادل 8 إلى 18 متراً بحلول نهاية القرن الحالي، بينما هناك دراسات أخرى تشير إلى أن مستوى الانخفاض قد يصل إلى 30 متراً (98 قدماً) في عام 2100.
ومن جانبه، يقول أستاذ علم المناخ في جامعة ريدنج البريطانية، جوي سينجارايير، إنه حتى في ظل سيناريوهات الاحتباس الحراري الأكثر تفاؤلاً، فإن الجزء الشمالي الضحل من بحر قزوين، الموجود معظمه حول كازاخستان، من المتوقع أن يختفي تماماً.
أسباب أزمة بحر قزوين
قضية تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية، بجانب بناء السدود، والإفراط في استخراج الوقود الأحفوري والتلوث، كلها عوامل دفعت إلى انخفاض منسوب المياه بشكل كبير في قزوين على مدى العقود الماضية.
وفي حين أن تغير المناخ يرفع مستويات سطح البحر العالمية، فإن الأمر مختلف بالنسبة للبحار والبحيرات المغلقة مثل بحر قزوين؛ فهي تعتمد على توازن دقيق بين المياه المتدفقة من الأنهار والأمطار من جهة، والمياه التي تفقدها من خلال التبخر من جهة أخرى، ويختل هذا التوازن مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يتسبب في انحسار المياه.
وعلى مدى آلاف السنين، تأرجح مستوى سطح بحر قزوين بين الارتفاع والانخفاض حسب تقلبات درجات الحرارة وذوبان الصفائح الجليدية، لكن مستوى انخفاض المياه قد تسارع بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية، وفقاً لشبكة "سي إن إن".
قد يعد تغير المناخ محركاً رئيسياً لأزمة بحر قزوين، بسبب زيادة معدلات التبخر وتغذية تذبذب هطول الأمطار؛ لكن لا نستطيع أن ننكر الدور الكبير الذي تلعبه الأنشطة البشرية مثل بناء الخزانات والسدود.
يغذي بحر قزوين حوالي 130 نهراً، لكن 80% من المياه تأتي من نهر واحد فقط؛ نهر الفولجا، أطول أنهار أوروبا الذي يمتد عبر وسط وجنوب روسيا.
وفي هذا الخصوص، يقول الخبير في دراسات آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز في جامعة طهران، لفالي كاليجي، إن موسكو قد شيدت 40 سداً على ضفاف هذه الأنهار، ما قلل تدفق المياه التي تصل إلى قزوين.
العواقب البيئية والاقتصادية
ستتأثر كل القطاعات نتيجة تقلص بحر قزوين، من الزراعة والسياحة وصناعة الشحن البحري؛ والتي باتت تعاني بالفعل، حيث تكافح السفن للرسو في موانئ المدن الضحلة على بحر قزوين، مثل مدينة أكتاو الساحلية في كازاخستان.
ومن المتوقع وجود عواقب جيوسياسية أيضاً، بسبب تنافس الخمس دول المطلة على بحر قزوين على الموارد المتناقصة، ما قد يؤدي إلى نشوب حروب المياه أو الصراعات حول احتياطات النفط والغاز.
وفيما يتعلق بالحياة البحرية الفريدة، يرى العلماء أن الوضع كارثياً داخل بحر قزوين، الذي يمثل موطناً لمئات الأنواع، بما في ذلك سمك الحفش المهدد بالانقراض.
على مدى مليوني عام على الأقل، ظل بحر قزوين محاطاً باليابسة ما أدى إلى عزلته الشديدة وظهور مخلوقات غريبة تعيش داخل هذه البيئة المغلقة، لكن تراجع وانحسار المياه يؤدي إلى استنزاف مستويات الأكسجين في أعماق البحر، ما قد يقضي على الكائنات الحية التي استطاعت النجاة والبقاء على قيد الحياة عبر ملايين السنين من التطور والتكيف مع هذه البيئة النادرة.
ويقول الباحث في معهد علم الأحياء المائية والبيئة في كازاخستان، أسيل بيموكانوفا، إن المسوحات الجوية تظهر انخفاضاً كبيراً في أعداد الفقمة ببحر قزوين، وهي ثدييات بحرية نادرة ومهددة بالانقراض؛ اختفت مواقع تكاثرها في مياه قزوين الضحلة بعد انحسار المياه، فضلاً عن تأثرها بالتلوث والصيد الجائر أيضاً.
رغم وجود بحر قزوين داخل منطقة جغرافية شهدت الكثير من عدم الاستقرار السياسي، لكن يجب على جميع الدول التعاون واتخاذ إجراءات جماعية من أجل التصدي لهذه الكارثة البيئية، حتى لا يخسر الكوكب الأزرق أكبر بحاره المغلقة.