أغاني "المانتازا".. هل تنقذ أسماك التونة من الصيد الجائر؟


سلمى عرفة
الخميس 24 أكتوبر 2024 | 09:46 مساءً
مصدر الصورة: Springer link
مصدر الصورة: Springer link

أطنان هائلة من لحوم التونة توضع على مائدة سكان العالم سنوياً، لكن السمكة العملاقة التي يصل طولها إلى ثلاثة أمتار، ويزن بعض أنواعها إلى ما يزيد عن 400 كجم، هي واحدة من أكثر أنواع الأسماك التي تتعرض للصيد الجائر.

في منطقة البحر المتوسط التي يمثل الصيد فيها مهنة أساسية، يتصاعد الجدل حول جدوى الاستعانة مجدداً بالطرق التقليدية التي اتبعها السكان منذ آلاف السنين في صيد التونة، تجنباً للأضرار البيئية التي تسببها الطرق الأخرى.

عمل وغناء

حتى سنوات قليلة مضت، اعتادت مجموعات من صيادي الجزر العقادية الواقعة قبالة سواحل جزيرة صقلية أن ينطلقوا خلال فصل الربيع، بقواربهم في البحر، تحت قيادة أحدهم الذين يطلقون عليه اسم "ريس"- مأخوذة من الكلمة العربية رئيس- والذي لا يقودهم في العمل فحسب، بل في الغناء خلال تنفيذ طريقة الصيد هذه التي يُطلقون عليها اسم "المانتازا".

وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية، فإن الأغاني التي تصاحب "المانتازا"- التي تعني القتل- تشمل معلومات حول طريقة الصيد، كما يختلف كلماتها ونظمها حسب كل مرحلة من مراحل العمل، ففي المرحلة الأخيرة على سبيل المثال، يصبح الإيقاع أسرع، ويتناسب مع حركة الصيادين الذين يرفعون الشباك.

ذلك المشهد النادر لازال يتكرر في سواحل جزيرة سردينيا الإيطالية، والتي نجح صيادوها، خلال أحد الأيام، بصيد نحو 50 من أسماك التونة ذات الزعانف الزرقاء- واحدة من أغلى الأسماك في العالم- ليبدأوا المرحلة التالية في التقاط السمكة الأقرب إليهم باستخدام "خُطاف" معدني، ثم إخراج الدماء من جسمها بقطع وريدها العنقي بعد وصولها إلى القارب، حسبما نقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية.

"ريس" هذا اليوم هو لويجي بيجيو، البالغ من العمر 57 عاماً، والذي روى في حديثه إلى الصحيفة، كيف يفخر بمواصلة ممارسة تلك الطريقة التي تعود جذورها إلى عصور قديمة.

الصيد الانتقائي

وعلى العكس طرق الصيد الحديثة بالشباك والسفن الجرافة التي تلتقط كل ما يقابلها، فيما يعرف بالصيد العرضي، فإن "المانتازا" مصممة لصيد التونة البالغة فحسب، وتسمح لبقية الأسماك بالتكاثر مجدداً على مدار الشهور اللاحقة، قبل أن تبدأ عمليات الصيد مرة أخرى.

ويعتبر "جوليانو جريسو" الذين يمتلك مركز الصيد الذي يعمل فيه "بيجيو" أن تلك الطريقة تُعد النظام الوحيد الصديق للبيئة، لأنه لا يُحدث خللاً في النظام البيئي لتلك الأسماك.

مركز الصيد هذا الذي يُطلق عليه اسم "الطُنارة" هو واحد من مركزين فحسب يعملان بتلك الطريقة في مختلف أنحاء إيطاليا، مقارنة بما يزيد عن 50 مجموعة من الصيادين مارسوا "المانتازا" خلال عشرينيات القرن الماضي.

لكن تلك الطريقة تواجه انتقادات عديدة ممن يعتبرونها طريقة عنيفة للصيد، لا سيما خلال مرحلة إخراج الدماء من جسد السمكة، وهو ما دفع صندوق حماية الطبيعة في عام 2019 إلى الدعوة بعدم استعراض مشاهد الصيد، رغم إقراره باستدامة الطريقة.

إحدى الوقائع التي أشار فيها "جريسو" شملت إعادة ما يزيد عن 1000 سمكة تونة صغيرة إلى البحر مجدداً، متسائلاً: ما هو النظام الآخر الذي يسمح بهذا الاختيار؟

لكن صغار الصيادين في إيطاليا يواجهون تحديات عديدة، إذا ما أرادوا التوسع في استخدام تلك الطريقة، لأن النصيب الأكبر من الحصص التي خصصها الاتحاد الأوروبي للدولة الساحلية تقع ضمن نصيب الشركات الكبرى، مقابل 8% فحسب لصالح "الطُنارات" التي تحظى المراكز المماثلة لها في إسبانيا بنسبة تتخطى 20%.

مصدر الصورة: الجارديانمصدر الصورة: الجارديان

تحديات مالية

الحفاظ على ذلك المستوى من الاستدامة، يحتاج إلى مبالغ مالية ضخمة، إذ يشير "جريسو"، مالك الطنارة الإيطالية، إلى أن حجم استثماراته يتخطى مليون يورو سنوياً، ويوفر فرص عمل لـ50 شخصاً، لكنه اضطر أن يبيع غالبية إنتاجه مؤخراً إلى الشركات الكبرى.

وفي الوقت الذي يمكن لقارب واحد من القوارب التي تستعين بالشباك الجرافة أن تصيد ما تحتاجه خلال عام كامل في أسبوع واحد، وبالاستعانة بعدد محدود من الأفراد، يتطلب عمل "الطنارة" أشهر طويلة قبل الانطلاق، وتحتاج الشباك التي يستعين بها الصيادون، والتي يمتد طولها إلى 3 كيلومترات شهرين لإعدادها، كما تحتاج يومين كاملين لإلقاءها في المياه.

تُراث بشري

هناك جوانب أخرى من المسألة يشير إليها الخبراء الذين يعتبرون "المانتازا" جزءاً من ثقافة بلدان المنطقة، إذ يطالب أنطونيو دي ناتالي، خبير الأمم المتحدة في الصيد المستدام بأن تعتبر منظمة اليونسكو "الطنارات" تراث ثقافي غير مادي، معتبراً ذلك النظام "ممارسة مستدامة لا تقدر بثمن" لأنه يسهل التحكم به.