المحميات السعودية.. سلاح ردع في مواجهة التصحر والجفاف


مروة بدوي
الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 | 12:18 صباحاً
المناطق المحمية
المناطق المحمية

يمثل التصحر أزمة عالمية؛ حيث يتكون نحو ثلث قارة آسيا من موائل قاحلة أو شبه قاحلة، ولا سيما في السعودية، بينما تمثل الصحراء والأراضي الجافة ربع قارة أمريكا الجنوبية، وتزداد حدة تدهور الأراضي ونقص المياه في دول أمريكا الشمالية. أما في إفريقيا فتتشابك قضايا الجفاف مع تآكل التربة؛ ما يجعل ثلثي القارة السمراء صحراء أو أراضيَ جافة.

ومن أجل التصدي لهذا الزحف الصحراوي، الذي يأكل الغطاء النباتي، يعتبر اللجوء إلى الطبيعة هو الحل الأكثر فاعليةً وأماناً؛ وذلك بإعطاء الفرصة للطبيعة حتى تتعافى من هذه الآثار السلبية، وترك الأنظمة الإيكولوجية تعمل بديناميكياتها من دون تدخل بشري.

وتأتي في مقدمة هذه الحلول الطبيعية أي منطقة تتلقَّى الحماية بسبب قيمتها الطبيعية أو البيئية المعترف بها عالمياً، مثل المحميات الطبيعية والأراضي الرطبة.

المناطق المحميةالمناطق المحمية

المناطق المحمية جهاز إنعاش ومخزون استراتيجي

يمكن وصف المناطق المحمية بأنها "جهاز الإنعاش" يساعد على معالجة أزمات التصحر والجفاف والتعامل معهما، وخاصةً داخل المجتمعات التي تعيش في النظم البيئية القاحلة والمعرضة بشكل خاص لخطر تدهور الأراضي وتغير المناخ؛ حيث تحافظ المناطق المحمية على الموائل الطبيعية وتُعزِّز ممارسات إدارة الرعي المستدام، كما تعمل على تثبيت الكثبان الرملية لوقف تقدم التصحر ومنع ظاهرة تآكل التربة ومكافحة تدهور الأراضي.

المناطق المحميةالمناطق المحمية

ووفقاً لتقرير الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ تشغل الأراضي الجافة والقاحلة ما يقرب من 40٪ من مساحة اليابسة في العالم، وهي موطن لأكثر من مليارَي شخص، وتمثل المناطق المحمية نحو 9% من هذه الأراضي.

ويرتبط الجفاف والتصحر بانخفاض مستويات المياه في الأنهار والبحيرات والخزانات الجوفية؛ لذلك توفر المناطق المحمية شبكة أمان في أوقات الجفاف؛ لأنها تحمي إمدادات المياه الأساسية، كما تعمل النباتات الطبيعية والأراضي الرطبة في المناطق المحمية على تنظيم تدفقات المياه، والمساعدة في الحد من الفيضانات المفاجئة الناجمة عن الأمطار الغزيرة بعد موجات الجفاف.

وتعتبر المناطق المحمية بمنزلة مخزون استراتيجي من التنوع البيولوجي، الذي يحافظ على الأنواع النادرة أو المهددة بالانقراض، بجانب التنوع الحيوي النباتي الذي يمثل خزانات كربون هائلة، بالاضافة إلى أن المناطق المحمية تحافظ على النظم البيئية الصحية، التي تتحكم في الأنواع الغريبة الغازية المسببة لانخفاض إنتاج المحاصيل وتدهور المراعي.

المناطق المحميةالمناطق المحمية

جهود السعودية

تعتبر المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم تضرراً من التصحر وندرة المياه، وهنا تأتي أهمية مبادرات السعودية البيئية، المحلية والاقليمية؛ حيث تسعى المملكة إلى بناء مستقبل أكثر استدامةً منذ إطلاق رؤية 2030 في عام 2016.

وإدراكاً لأهمية المناطق المحمية في مكافحة التصحر والجفاف، جعلت المملكة على رأس أهداف مبادرة السعودية الخضراء، تحويل 30% من إجمالي مساحة المملكة إلى محميات برية وبحرية بحلول عام 2030.

وتسعى السعودية إلى تحقيق هذا الهدف بالتعاون مع منظمات عالمية مثل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، الذي أشار عبر موقعه الى نجاح المملكة في حماية 18.1% من المناطق البرية و6.49% من المناطق البحرية، وقد وصل إجمالي المناطق المحمية بالسعودية إلى 79 موقعاً بمساحة إجمالية 66,000 كم2.

مبادرات حماية المناطق البرية والبحرية

تتنوع المناطق المحمية بالسعودية بين الصحاري والغابات والجبال والمساحات البحرية، وتدير المملكة عدة مبادرات لحماية هذه المناطق البرية والبحرية؛ تشمل تطوير الغطاء النباتي والحياة الفطرية والبنية التحتية في 50 منتزهاً وطنياً، وزراعة 10 ملايين شجرة في مختلف المنتزهات، مع مشاريع إدارة المحميات الطبيعية بشكل مستدام، وتشكيل شبكة تضمّ 15 ألف كيلومتر مربع من المناطق المحمية في محافظة العلا.

وهناك مبادرات للإدارة المستدامة للغابات، عبر زراعة 60 مليون شجرة، وإعادة تأهيل 348 ألف هكتار من أراضي الغابات؛ ما يخفض 24 مليون طن متري من انبعاثات الكربون.

ومبادرة تحديد الحمولة الرعوية للمراعي وحجم الحياة الفطرية التي يمكن استيعابها في المحميات الطبيعية للحفاظ عليها، بالإضافة إلى وضع استراتيجية للاستخدام المستدام للموائل الساحلية والبحرية؛ للحفاظ على التنوع الإحيائي البحري والحد من تضرر النظم المائية.

إحياء المناظر الطبيعية والمناطق المحمية يمكن أن يكون ترياقاً لأمراض مثل التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، خاصةً في ظل تغير المناخ الذي يهدد النظم البيئية، ويمكن الاستدلال على ذلك عبر نموذجين من المناطق المحمية بالمملكة.

محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية

محمية طبيعية شمال المملكة، تبلغ مساحتها 130,700 كم، وهي أكبر المحميات الملكية، التي تهدف إلى إنماء البيئة الطبيعية للحيوانات والنباتات والمحافظة عليها. وتتميز المحمية بتنوع هائل في طبيعتها الجغرافية من جبال وسهول وهضاب وغيرها، وقد قامت هيئة تطوير المحمية بتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر بزراعة مليون شتلة من 13 نوعاً من النباتات المحلية.

وفي منتصف هذا العام، أعلنت منظمة مناطق التنوع البيولوجي الرئيسية "KBA"، عن اعتماد محمية الملك سلمان بن عبد العزيز أول منطقة رئيسية للتنوع البيولوجي بالمملكة. وأوضحت المنظمة الدولية أن جهود الحفاظ على المحمية، التي تعد أكبر محمية طبيعية في الشرق الأوسط، تشمل استعادة النظم البيئية المتدهورة، بما في ذلك الغابات وأشجار المانجروف، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، وتعزيز الوعي البيئي بين المجتمعات المحلية. وأشارت المنظمة إلى أن اختيار المحمية منطقة رئيسية للتنوع البيولوجي يعد إنجازاً مهماً للمملكة العربية السعودية.

المناطق المحميةالمناطق المحمية

محمية جزر فرسان

تعتبر جزر فرسان جوهرة مرجانية رائعة في البحر الأحمر، وتبلغ مساحة المحمية نحو 5408 كم². وتضم مجموعة جزر فرسان أكثر من 84 جزيرة، لكن تفرُّد المحمية لا يقف عند حدود الجمال الطبيعي؛ فهي تتمتع أيضاً بمزايا بيئية أهلتها للانضمام إلى قائمة منظمة اليونسكو عام ٢٠٢١ باعتبارها أول محمية طبيعية سعودية في برنامج الإنسان والمحيط.

تنتمي المحمية البحرية إلى الأراضي الرطبة التي تلعب دوراً فعالاً في الحد من تأثيرات التغير المناخي؛ لأنها من أهم النظم الإيكولوجية التي تمتص وتخزن الكربون، كما أنها تعد من مصادر المياه والغذاء.

وتتميز محمية جزر فرسان باحتضان نظام بيئي مميز هو أشجار المانجروف، الذي يثبت التربة من الانجراف، ويعمل كمصدات للرياح؛ ما يكافح ظاهرة تدهور الغطاء النباتي، ويزيد نسبة الأوكسجين وامتصاص ثاني أكسيد الكربون.

المناطق المحميةالمناطق المحمية

يعكس تطوير المناطق المحمية جهود المملكة للحفاظ على البيئة، والتزامها بتنمية الموائل والحد من التهديدات الطبيعية والبشرية، مثل التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، بجانب حماية التراث الطبيعي، كما يسلط الضوء على أهمية التعاون الدولي مع المنظمات مثل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)؛ لضمان تطبيق أفضل الممارسات العالمية، وتقديم نماذج رائدة للمناطق المحمية البرية والبحرية.